مع توالي الإخفاقات المصرية في ملف سد النهضة كانت أصوات الإعلام المصري الذي تديره غالباً الأجهزة الأمنية تعلق فشل صانع القرار في مصر في ما يتعلق بإقناع إثيوبيا على مراعاة مخاوف القاهرة بشأن حصتها المائية، على كل من قطر وتركيا، بزعم تنسيقهما مع أديس أبابا عبر استثماراتهما هناك، ودعمهما لحكومة إثيوبيا على المستوى السياسي والاقتصادي. وهو الأمر الذي خرجت عدد من الأذرع الإعلامية لتردده مجددًا بعدما كشفت إثيوبيا عن نواياها في الاحتفاظ بالمياه خلف السد وليس فقط توليد الكهرباء.
إلا أن الواقع مختلف تماماً، حيث شكلت كل من الإمارات والسعودية وهما الدولتان الحليفتان للنظام المصري، خنجراً في خاصرة القاهرة. في الوقت الذي أعلنت فيه كل من الإمارات والسعودية تحملهما نفقات حرب واسعة تضغطان على القاهرة لخوضها بالوكالة ضد تركيا في ليبيا، لم تعلن الرياض وأبوظبي عن خطوات ولو معنوية لدعم القاهرة في مواجهة أديس أبابا أمام تحدٍ وجودي متمثل في مياه النيل.
بل على العكس، تسابقت الدولتان لتقديم المساعدات المختلفة لإثيوبيا في ظل تصاعد الأزمة بينها وبين القاهرة. ورصدت "العربي الجديد" أوجه التعاون بين إثيوبيا والإمارات والسعودية، ودعمها لإثيوبيا في عدة قطاعات متعلقة بمشروع السد، وكذلك استثماراتهما في المجالات التي ستحقق استفادة مباشرة من تشغيل السد، إلى درجة دفعت مسؤولا دبلوماسيا مصريا للقول إن "إثيوبيا مطمئنة تماما أن خلافها مع مصر لن يتصاعد، لأن الأموال والاستثمارات في سد النهضة تعود لحلفاء القاهرة".
ففي الوقت الذي كانت فيه الأزمة بين مصر وإثيوبيا تشهد واحدة من أكثر محطاتها سخونة برفض الحكومة الإثيوبية ما جاء في جولات ماراثونية من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا برعاية أميركا والبنك الدولي، كانت أبوظبي تعتمد مع أديس أبابا خطة لتسهيل استثماراتها الزراعية خاصة، بما يسمح بتوسع تلك الاستثمارات بشكل غير مسبوق في إثيوبيا.
ففي السابع من فبراير/ شباط من العام الحالي، اعتمد مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي الإثيوبي بإشراف من السفارة الإماراتية في أديس أبابا خلال اجتماع عُقد في العاصمة الإثيوبية، خطة استراتيجية متكاملة لتسهيل الاستثمارات الإماراتية في الدولة الأفريقية بما يساعد على ضخ مليارات الدولارات في سوقها.
ويقول مصدر اقتصادي مصري إن الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا تضاعفت بشكل خطير خلال العامين الماضيين، والأخطر من ذلك هو تركزها في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني والطاقة، وهو ما تسبب في قلق مصري بسبب ارتباط تلك الاستثمارات بشكل وثيق بمشروع السد.
وفي يوليو/ تموز من عام 2019 أعلن رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد عن توجّه بلاده لإرسال 50 ألف عامل إثيوبي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في سياق برنامج يهدف إلى تطوير اليد العاملة المحلية، ويعكس الدور الدبلوماسي الذي تلعبه أبوظبي في القرن الأفريقي. وأشار إلى محادثات جارية لإرسال 200 ألف عامل في غضون ثلاثة أعوام. وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، أعلن مجلس الانتخابات الأثيوبي أن جميع الأدوات والمستلزمات الخاصة بعملية الاقتراع المزمع عقده مايو/ أيار 2020 (قبل تأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا)، ستتم طباعتها في دولة الإمارات، مشيراً إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها طباعة بطاقات الاقتراع خارج البلاد.
وكانت إثيوبيا قد أعلنت في يونيو/ حزيران 2018 عن التزام الإمارات بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، حيث ستوجه مليار دولار كوديعة في البنك المركزي، وملياري دولار كاستثمارات مباشرة تتركز في مجالات الزراعة، كما بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وإثيوبيا نحو 850 مليون دولار.
الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا تضاعفت بشكل خطير خلال العامين الماضيين، والأخطر من ذلك هو تركزها في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني والطاقة، وهو ما تسبب في قلق مصري بسبب ارتباط تلك الاستثمارات بشكل وثيق بمشروع السد
وبحسب تصريحات رسمية وتقارير غير رسمية، استحوذت شركات إماراتية على ملايين الأفدنة مؤخرا في إثيوبيا ضمن خطة إماراتية لتأمين احتياجاتها من الغذاء، حيث قدرت تلك التقارير ما حصلت عليه الإمارات مؤخرا بنحو 40 مليون فدان.
وبحسب تقارير غير رسمية حدث نمو كبير في الاستثمارات الأجنبية الموجهة لمجالات الزراعة والإنتاج الحيواني في إثيوبيا، حيث بلغ حجم الاستثمارات في هذا المجال خلال الأعوام الثلاثة الماضية نحو 8 مليارات دولار، معظمها استثمارات خليجية، وهو ما يوضح أسباب التمسك الإثيوبي بالحصول على حصة ثابتة من مياه النيل تمكنها من العمل بنظام الري الدائم وعدم الاعتماد على الأمطار الموسمية فقط.
أما في ما يخص الحليف الخليجي الآخر للنظام المصري، تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في إثيوبيا بنحو 294 مشروعا، وفقا لوزارة الزراعة السعودية، حيث تستثمر نحو 6 مليارات دولار في إثيوبيا تتركز بشكل خاص في الزراعة والإنتاج الحيواني. ويمتلك رجال الأعمال السعوديون استثمارات كبيرة في مزارع البن في إثيوبيا، الذي تستورد منه الرياض نحو 80 ألف طن سنويا، مما يجعلها أكبر مستوردي البن الإثيوبي في العالم.
بالإضافة إلى أن رجل الأعمال السعودي محمد العمودي كان يعد، وفقا لمجلة فوربس، أكبر مستثمر فردي في إثيوبيا عبر شركة النجمة السعودية، التي تقوم بزراعة ملايين الأفدنة، ويعد المورد الأساسي للبن لصالح شركة ستاربكس الأميركية وكذا أوراق الشاي لشركة ليبتون العالمية.
وعلى غرار النهج الإماراتي لم تكتفِ السعودية بالاستثمارات المباشرة فقط في إثيوبيا، فخلال تصاعد الأزمة بين مصر وإثيوبيا نهاية العام الماضي بسبب المماطلة الإثيوبية في العودة لطاولة المفاوضات، كانت السعودية تقدم مساعدات بملايين الدولارات لأديس أبابا بعضها بهدف استكمال مشروع السد. ففي التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2019 أعلنت الحكومة الإثيوبية أنها ستحصل على قرضين من السعودية بقيمة 140 مليون دولار، لتمويل مشروعات للبنية التحتية والطاقة.
وقال مكتب رئيس الوزراء، على تويتر، عقب لقاء آبي أحمد مع وفد من صندوق التنمية الحكومي السعودي، إنه سيتم توجيه القرضين إلى إنشاء طرق ومشروعات الطاقة وإمداد المياه. وفي تلك الأثناء كان مروان بدري القنصل العام الإثيوبي في جدة يؤكد أن الاستثمارات السعودية في إثيوبيا مخطط لها أن تصل إلى 13 مليار دولار. ويذكر أنه في عام 2016 بموجب اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والأمني بين السعودية وإثيوبيا زوّد صندوق التنمية السعودي 305 مستثمرين سعوديين و69 شركة سعودية بالتمويل لتطوير الإمكانات الإثيوبية.
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في إثيوبيا بنحو 294 مشروعا، وفقا لوزارة الزراعة السعودية، حيث تستثمر نحو 6 مليارات دولار في إثيوبيا تتركز بشكل خاص في الزراعة والإنتاج الحيواني.
في المقابل تقدر الاستثمارات التركية في إثيوبيا بنحو 2.5 مليار دولار وتصنف بالفعل بين أكثر الدول الأجنبية استثمارا في إثيوبيا، إلا أن استثمار الشركات التركية يرتكز بالأساس في قطاعات النسيج والطيران وخطوط السكك الحديدية وفق بيانات لجنة الاستثمار الإثيوبية. وعلى صعيد قطر تقدر استثمارات الدوحة في إثيوبيا بنحو 500 مليون دولار، جاءت ضمن اتفاقية لإنشاء عدد من المصانع في قطاعات صناعة الأسمنت والسكر واللحوم وصناعة الأدوية.