وأسقط البرلمان التونسي، مساء الأربعاء، لائحة برلمانية تقدمت بها كتلة "الحزب الدستوري الحر" لرفض التدخل الأجنبي في ليبيا، خلال جلسة عامة تواصلت حتى فجر اليوم الخميس، بعد فشلها في الحصول على أغلبية 109 أصوات.
ورغم رضوخها لإدخال تعديلات جوهرية على مقترحها الأصلي، إلا أنها فشلت في نيل الأغلبية.
وقوبلت اللائحة التي حملت عنوان "إعلان رفض البرلمان للتدخل الخارجي في الشقيقة ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل"، برفض غالبية الكتل.
وترجمت مداخلات رافضي لائحة "الدستوري الحر"، من كتلتَي "النهضة" و"ائتلاف الكرامة"، وحتى من كتل أخرى، اعتراضهم على الدور المفضوح الذي تلعبه عدة قوى خارجية ودول، وفي مقدمتها الإمارات، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في تونس، من خلال تجييش وتحريك وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
واعتبر برلمانيون أن الإمارات كانت حاضرة بقوة في خطابات عبير موسي ومسانديها، وتهجمها على كل ما أفرزته ثورة 2011 والمسار الديمقراطي، وهو هجوم واكبته وسائل إعلام إماراتية وسعودية، على غرار "سكاي نيوز" و"العربية الحدث"، ونقلته في بث مباشر وفي عناوين مكذوبة، كما قال عضو مكتب البرلمان أسامة الصغير.
ولم يتوان الصغير عن رفع مقالات منشورة على مواقع إماراتية وسعودية ومصرية زيفت حقائق ونشرت أخباراً مكذوبة، وفق قوله، حيث روجت أن الجلسة مخصصة لمساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وذهبت أخرى إلى سحب الثقة منه.
أما رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" سيف الدين مخلوف، فقد عارض بسخرية تمديد وقت الجلسة التي تواصلت حتى الفجر، تهكماً من قناتي "العربية" و"سكاي نيوز" اللتين بثتا الجلسة، قائلاً: "نعارض تمديد الجلسة لأن (سكاي نيوز) وقناة (العربية) لديهما برمجة للبث.. ومن الأفضل أن ننهي باكراً".
من جانبه، اعتبر نور الدين البحيري، رئيس كتلة "النهضة"، أنّ لائحة "الدستوري الحر" بمثابة "النقل لحساب الآخر"، مشيراً إلى أنها "تخدم أجندات دول أخرى لديها مصالح وتواجد في ليبيا، من بينها الإمارات".
ولفت البحيري إلى أنّ "الهجمة على البرلمان ورئيسه، وكل رموز الثورة في تونس، تقودها عدة أطراف إقليمية، وفي مقدمتها الإمارات".
بدوره، دوّن رئيس "الكتلة الديمقراطية" هشام العجبوني، على حسابه بـ"فيسبوك"، كاتباً: "حتى لا تغالطكم عبير موسي، منذ حوالي شهر، قدّم الحزب الدستوري الحر مشروع لائحة تهدف لإعلان رفض البرلمان للتدخل الخارجي في الشقيقة ليبيا، ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستيّة داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل، وذلك طبقاً للفصل 141 من النظام الداخلي! ولكن هذه اللائحة التي في ظاهرها تُدين الاصطفاف كانت تكرّس الاصطفاف إلى أطراف معيّنة دون أخرى".
Facebook Post |
وأكّد النائب عن "ائتلاف الكرامة" عبد اللطيف علوي، اليوم الخميس، في مداخلة له على إذاعة "إكسبراس إف إم"، أنّ الجلسة البرلمانية، أمس الأربعاء، "كانت على قدر كبير من الأهميّة، وكانت حلقة أخرى من حلقات كسر المسار الانتقالي في تونس، خاصة وأنّ هناك قنوات إماراتية ومصرية تجنّدت فقط لمتابعة هذه الجلسة.. ألا يطرح هذا سؤالاً: لم هذا التجنّد من محور معيّن؟"، وفق قوله.
وتابع علوي: "هناك بُلدان بؤس واستبداد وتحجّر عربي، تلقت الدروس بالمجان ليلة البارحة، لأنّ الجلسة كشفت عن أمراض دفينة ونوع من السادية لدى البعض ورغبة في إيذاء الآخر".
وأضاف علوي: "هذا نوع من الاستهداف.. الحكم على رئيس المجلس بألا يتزحزح من مكانه لساعات في الوقت الذي نعلم أن أي نائب لا يبقى في مكانه لأكثر من ساعة.. لكن جلسة أمس كشفت ذلك الجانب المظلم لدى بعض النواب الذين استهدفوا رئيس المجلس بشكل مجاني".
وأشار علوي إلى أنّ "بعض النواب روجوا لجلسة الحوار على أساس أنها جلسة مساءلة، رغم أن ذلك غير قانوني، لكنّ العنوان مدفوع الأجر، وأخذوا أموالاً لترويجه"، مضيفاً: "مشكلتهم مع هذا الطرف السياسي: لماذا أنت موجود؟ لماذا أنت تتنفّس؟ لماذا أنت فوق الأرض وليس تحتها؟ لماذا عدت من الخارج؟ هي جلسة تنفيس عن الأحقاد مفيدة جداً في نظري، إذ يجب أن تخرج هذه الأحقاد إلى أرض الواقع".
واعتبر المحلل السياسي محمد الغواري، في حديث مع "العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ "الحزب الدستوري الحر خسر المعركة، والعويل في الإمارات فشل في مراهنته على سياسة الفوضى والتلاعب وضرب كل ما يمثل الشرعية وكل ما يرمز للثورة".
واستغرب الغواري، "طول نفس الإمارات والسعودية في محاولات إجهاض تجربة تونس الديمقراطية، وضرب خيار الشعب التونسي في تقرير مصيره، فرغم الخسارات والنكسات ما زالت تحاول كل مرة من خلال تجنيد أطراف معادية للديمقراطية".
وشدد على أن "المحور الذي تدعمه الإمارات، خسر جولات في ليبيا بتقدم الوفاق الشرعية ميدانياً على حساب خليفة حفتر، فحاول تدارك خسارته بتأليب تونس وقلب موازين القوى، ليجد نفسه مهزوماً في تونس وليبيا عسكرياً وديمقراطياً".
ولفت الغواري إلى أن "رسالة مضمونة الوصول بعث بها برلمان تونس التعددي والديمقراطي لكل من يريد سوءاً بتونس، ومن يرغب في لعب أدوار في الشقيقة ليبيا بالوكالة".