كشفت جائحة كورونا في قطاع غزة خلال الأسابيع الأخيرة، عن هشاشة اقتصاده وضعفه أمام الأزمات، خصوصاً مع تواصل فرض الحصار الإسرائيلي للعام الرابع عشر على التوالي، وتتالي الحروب وجولات التصعيد.
وعلى مدار السنوات الماضية، انهارت عشرات المصانع والمشاريع الاقتصادية والتجارية نتيجة للأزمات الطاحنة التي تعصف بالقطاع ومنع إدخال عشرات المواد الخاصة بالقطاعات الصناعية وتحكم الاحتلال بحركة المعابر.
وتقدر نسبة المصانع التي أغلقت بفعل الأزمات وتأثيرات جائحة كورونا بنحو 95%، فيما تعمل حاليا 5% منها بطاقة إنتاجية لا تزيد عن 15% في أفضل الأحوال تتركز في مجالات الصناعات الغذائية أو الكيميائية المرتبطة بمواد التعقيم.
وسجلت نسب البطالة ارتفاعاً كبيراً نتيجة للإجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا، ما أسهم في زيادة عدد المتعطلين عن العمل.
ويحذر مسؤولون ومختصون في القطاعات الاقتصادية المختلفة من أن جائحة كورونا ستساهم في انهيار الجزء الأخير المتبقي من المشهد الاقتصادي في غزة، جراء غياب الدعم الحكومي وعدم تدخل أي من الجهات الدولية.
ويقول رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، علي الحايك، إن إجمالي المصانع التي تعمل في ظل الجائحة لا يزيد عن 5% فقط، وهي مرتبطة بالقطاعات الغذائية وصناعة الأدوية والصناعات الكيميائية ولا تشغل إلا العشرات.
ويؤكد الحايك لـ "العربي الجديد" أن عدم تدخل السلطة الفلسطينية والحكومة لتوفير منح وتسهيلات، سيعمل على مزيد من الانهيارات في القطاع الخاص وسيؤدي لإغلاق مصانع ومنشآت جديدة وتشريد آلاف العمال.
وحسب رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة، فإن القطاع الخاص في مرحلة الموت السريري حالياً في ظل الجائحة والإجراءات التي اتخذت، ما يتطلب حراكاً لتوفير بعض التسهيلات تخفف من حدة الخسائر.
ووفقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 49% بعدد عاطلين عن العمل بلغ 203.2 آلاف فرد، بينما بلغت البطالة في الضفة الغربية 14.8% بعدد 118.2 ألف فرد.
في موازاة ذلك، يقول رئيس اتحاد عمال فلسطين في قطاع غزة، سامي العمصي، إن قرابة 160 ألف شخص تضرروا بفعل جائحة كورونا ممن يعملون بشكلٍ يومي أو شبه يومي بالإضافة إلى 200 – 250 ألف متعطل قبل الجائحة.
ويوضح العمصي لـ "العربي الجديد" أن 20 ألف سائق تضرروا بفعل الإغلاق، بالإضافة إلى 4 آلاف عامل في رياض الأطفال و40 ألف عامل في مجال الإنشاءات، بالإضافة إلى آلاف العاملين في قطاعات أخرى توقفت بفعل الإغلاقات.
وحسب العصمي، فإن تخفيف الإجراءات المشددة للإغلاق أخيراً لم يسهم في عودة الكثيرين لأعمالهم نتيجة العمل بطاقة إنتاجية محدودة ولساعات محددة مقارنة بالوضع الذي كان قبل انتشار الفيروس داخل القطاع.
وقبل فرض الحصار الإسرائيلي على غزة، كان عدد مصانع الملابس في القطاع 950 مصنعاً فيما لا يتجاوز عددها حالياً 120 مصنعاً، في حين كانت غزة تضم 3600 ورشة في شتى المجالات لم تتبق منها إلا 1500 تعمل بطاقة إنتاجية محدودة.
وفي عام 2002 ومع اشتداد انتفاضة الأقصى قرر الاحتلال منع 120 ألف عامل من الدخول للأراضي المحتلة عام 1948، ما أسهم في زيادة أعداد المتعطلين عن العمل وتحول الكثيرين للاعتماد على المساعدات الإغاثية.
إلى ذلك، يرى مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة غزة التجارية، ماهر الطباع، أن الأزمات المتتالية التي لحقت بالقطاع والحروب واستمرار الحصار جعلت الاقتصاد يتأثر بأبسط الأزمات والإغلاقات.
ويبين الطباع في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 أضرت بالاقتصاد كثيراً مع تدمير قرابة 5 آلاف منشأة اقتصادية وتجارية وعدم تعويض الكثير منها، فضلاً عن تداعيات الجائحة أخيراً وفرض حظر التجول عدة أيام.
ومن العوامل التي أضرت بالمشهد الاقتصادي في غزة وعززت من هشاشته وقدرته على الصمود الحركة غير المستقرة للمعابر، خصوصاً معبر كرم أبو سالم المنفذ التجاري الوحيد وتحكم الاحتلال به وفرض قائمة طويلة من المواد والسلع المحظور إدخالها، وفقاً للطباع.
بدوره، يقر المتحدث باسم وزارة الاقتصاد في غزة التي تديرها حركة حماس، عبد الفتاح أبو موسى، بأن الاقتصاد الفلسطيني في غزة يعيش مرحلة الرمق الأخير من الانهيارات بفعل الظروف وتتالي الحروب والأزمات وسط خشية من أن تدفع جائحة كورونا به نحو الانهيار التام.
ويقول أبو موسى لـ "العربي الجديد"، إنه ورغم عودة بعض الأنشطة بشكل تدريجي بعد فترة الإغلاق، إلا أن كثيراً من القطاعات لا تزال متوقفة نتيجة لإجراءات السلامة والوقاية للحد من انتشار كورونا في القطاع.