الإعلام المصري في أسبوع: حرب التكهنات والهاشتاغ

12 ابريل 2014
أنصار السيسي يدشنون حملة جديدة لدعمه على "تويتر"
+ الخط -
من بين عدد كبير من نظريات الإعلام التي تبحث في علاقة الجمهور بالوسيلة ومحتواها، تبرز نظرية "الأجندة" باعتبارها كاشفة لجزئية هامة في عمل وسائل الإعلام، ومع استقرار الفرضية المحورية للنظرية عند "وجود علاقة بين القضايا التي توليها وسائل الاعلام مزيدا من الاهتمام، وبين تزايد اهتمام الجماهير بتلك القضايا"، قدمت النظرية افتراضين آخرين كاشفين للكيفية التي يؤدي من خلالها الإعلام هذا الدور، وهما: (1) أن وسائل الإعلام لا تعكس الواقع، بل تصفيه وتعيد تشكيله. (2) أن تركيز الوسائل على عدد قليل من القضايا والموضوعات العامة، يؤدي بالعوام إلى اعتبار تلك القضايا هي الأكثر أهمية من قضايا أخرى.

وانطلاقا من هذه الفرضيات يمكن النظر إلى أداء وسائل الإعلام المصرية بشكل عام طيلة الأسبوع الماضي، حيث يعاني الإعلام المصري مما يمكن وصفه بحالة "توحد" أصابت مختلف أشكاله المرئية والمقروءة والمسموعة، في تعاطيها مع القضايا والموضوعات المثارة على الساحة المصرية، وتحديدا السياسية.

 

مجزرة أسوان ..ارتباك اعلامي انعكاس للأمني

ما يزيد على 25 قتيلا وعشرات الإصابات، في ما يشبه حرب مصغرة دارت رحاها في محافظة أسوان بجنوب مصر الفقير والمهمل بين قبيلتي الهلايل والدابودية، فضلا عن صور الجثث والمصابين وهي ملقاة في الشوارع وعلى عربات الكارو. كل ذلك كان كفيلا بأن يسحب بساط الاهتمام الإعلامي من القضايا السياسية الأكثر جذبا للاهتمام الجماهيري في مصر منذ 25 يناير/كانون الثاني 2011 وحتى الآن.

وبدا لافتا مساحات التغطية الخبرية والتحليلية الموسعة التي أولتها وسائل الإعلام بشكل عام للقضية، فعلى مستوى الرصد الخبري اهتم الإعلام المصري بتطورات الأحداث التي اشتعلت شرارتها مع نهاية الأسبوع قبل الماضي، ومحاولات الصلح التي جرت من قبل وفد المجلس الأعلى للقبائل العربية، ثم زيارة رئيس الوزراء المصري ووزير داخليته، والتي كشفت بحسب ما رصدته بعض التقارير الإعلامية عن ضعف نفوذ الدولة في هذه المنطقة، حيث ما لبثت أن تجددت الاشتباكات عقب رحيل المسؤولين الكبيرين إلى القاهرة.

وفي هذا السياق احتفى عدد كبير من وسائل الإعلام بهدنة الـ 72 ساعة التي توصل اليها الطرفان برعاية أمنية وقبلية، وقد شمل الاتفاق بين القبيلتين العديد من الآليات منها عدم قيام أي منهما بالاعتداء على الآخر خلال فترة الهدنة، وقف الحملات الاعلامية المتبادلة، واطلاق سراح كل من تم القبض عليهم من شباب القبيلتين باستثناء المتهمين في قضايا جنائية.

واللافت للانتباه في التعاطي الإعلامي مع مجزرة أسوان هو حجم الارتباك الذي بدا انعكاسا واضحا للارتباك الأمني في البحث عن أسباب اشتعال الأحداث، ففي حين قال اللواء عبد الفتاح عثمان، مساعد وزير الداخلية لشؤون الإعلام، للتلفزيون الرسمي، إن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ليس له أي علاقة بأحداث واشتباكات أسوان، وإن الأزمة نشبت بسبب مشاجرات بين الطلاب في إحدى المدارس اندلعت على إثرها مشاجرات بين كبار العائلات، كذب اللواء حسن السوهاجي، مدير أمن أسوان، هذه الأسباب في حديثه لفضائية دريم الخاصة، مؤكدا أن بعض الأطراف التي تميل للإخوان المسلمين تدخلت خلال جلسة المصالحة وقامت بإشعال الفتنة بين العائلتين.

وتحليليا، وجه عدد من كتاب الرأي البارزين سهام النقد لما وصفوه بالقصور الكبير في أداء الأجهزة الأمنية والتنفيذية التي لم تستطع الوقوف في وجه الأزمة قبل اشتعالها، ثم لم تتمكن من السيطرة على أحداثها إلا بعد خمسة أيام، استخدمت خلالها تشكيلة مرعبة من الأسلحة النارية، في مشهد بدا كيان الدولة وهيبتها خلاله في حالة سبات عميق.

 

الانتخابات الرئاسية .. انحياز إعلامي للسيسي

"حرب التكهنات" هي العنوان الأبرز الذي يمكن إطلاقه على التعاطي الإعلامي المصري مع قضية الانتخابات الرئاسية بشكل عام، حيث الغالبية العظمى من الأخبار المتداولة على الساحة الإعلامية في هذه القضية مجهلة، ومبنية على توقعات من مصادر بعينها أدمنت هذه اللعبة، وباتت هي الوكيل الحصري لها، وعلى رأس هؤلاء اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجي المعروف، والكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس تحرير صحيفة الأسبوع الخاصة.

وبدا خبر دعم الجبهة السلفية بالإسكندرية للمرشد ذاته، نموذجا على شيوع أخبار التكهنات في الصحف المصرية، فعلى الرغم من نشر الخبر في عدد لا بأس به من الصحف المصرية،  فإن الشيخ ياسر برهامي وقيادات بالجبهة وحزب النور نفوا الخبر في مواقعهم الرسمية، وأكدوا أن الجبهة والحزب بصدد دراسة برامج المرشحين وعقد لقاءات معهم، ثم دعم الأقرب لفكر الحزب من بينهم.

وعبثا تحاول بعض وسائل الإعلام تصوير الأمر على أن الموضوعية والتوازن في تغطية أخبار المرشحين هو المنهج الذي تعتمد عليه، فمنذ ظهور السيسي بزيه العسكري ليعلن ترشحه من التلفزيون الرسمي للدولة، تم نسف هذه المعايير كلية، وعلى الرغم من تدارك مسؤولي التلفزيون الرسمي هذا الخطأ وبث فيلم تسجيلي عن المرشح حمدين صباحي، غير أن ما رسخ في الأذهان هو الخطاب الذي جرى الترويج له وبثه على جموع المواطنين في توقيت معلن مسبقا.

ويظهر لافتا الدعم الذي توليه وسائط اعلامية بعينها سواء صحفية أو تلفزيونية للمشير السيسي، وتبدو صحيفة الأسبوع، وقنوات cbc الخاصة مثالا صارخا على ذلك.

 

3 أنواع من كتاب الرأي

وعلى المستوى التحليلي يمكن تصنيف الكتاب المصريين إلى ثلاث فئات: مجموعة مريدين للمشير يسبحون بحمده في كل مقالاتهم، ويتبنون كل أفكاره ويبررون لها وهم منتشرون في عدة صحف مصرية رسمية وخاصة، ومجموعة تحاول أن تبدو متوازنة وموضوعية فيما تكتب عن الرجل، وإن كانت الحالة العامة لها هي التأييد والدعم، ولكن بأسلوب غير مباشر. ثم مجموعة ثالثة تبدو أكثر جرأة في خطابها النقدي، وعلى الرغم من أن عدد أفرادها قليل وحضورهم بعيدا عن الصحافة، معدوم، غير أن صوتهم لا يزال مسموعا.   

كما بدا مثيرا للانتباه الدعم الذي أظهره بعض الكتاب لدخول المحامي مرتضى منصور على قائمة المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، حيث وصف الكاتب عماد الدين أديب في صحيفة الوطن ترشحه بـ"أمر بالغ الأهمية"، ويعطي الانتخابات الرئاسية بعداً جديداً وحيوية مطلوبين، خاصة وهو المرشح -غير الناصري- الوحيد حتى الآن القادر على كسر ثنائية التنافس بين المشير عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي. وفي المقابل أبدى البعض انزعاجه من ترشح مرتضى والحملة التي يشنها على حمدين صباحي، وتساءلوا إن كان هذا هو الهدف من خوضه الانتخابات الرئاسية؟

 

الاشتباكات بين الطلاب والأمن: أسبوع القنابل

القضية المحورية الثالثة في الإعلام المصري، هي الاشتباكات اليومية التي تحدث بين الأمن المصري وطلاب الجامعات الذين يصفهم الإعلام بالمنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من سقوط ضحايا في كثير من هذه الاشتباكات غير أن المتابعة الإعلامية للتحقيقات الجارية في هذه الأحداث ضعيفة للغاية، ودائما ما تسارع الغالبية العظمى من وسائل الإعلام الرسمية والخاصة المرئية والمقروءة والمسموعة إلى تبني بيانات وزارة الداخلية التي تلقي بالمسؤولية على طلاب الجماعة والمتظاهرين.

وفي الأيام الأخيرة تصدر المشهد الإعلامي حديث القنابل اليدوية التي يتم زرعها داخل الجامعات، التي دأبت بعض وسائل الإعلام على الترويج لها، خاصة بعد حادثة تفجيرات جامعة القاهرة، ونسب التهم لطلاب جماعة الإخوان، ومن ثم مطالبة الدولة باتخاذ إجراءات صارمة معهم، وهو ما حدث بالفعل حيث تتوالى أنباء فصل أعداد كبيرة من الطلاب المشاركين في المظاهرات على مدار الأيام الماضية، وآخرها فصل 27 طالبا من جامعة الأزهر قبل يومين.

 

مراجعة أنشطة الجماعة في لندن .. رسائل متعددة

بشكل عام احتفى الإعلام المصري بالأنباء الواردة من لندن بشأن مراجعة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، وطالب بالتعامل بجدية مع القرار البريطاني، وتقديم كافة الأدلة التي يمكنها أن تدين الجماعة، وتفرض عليها نوعا من الحصار الغربي، خاصة بعد قرار البرلمان الكندي، وهو الأمر الذي أعلنت الخارجية المصري عزمها التعامل معه بجدية.

 

انقطاع الكهرباء .. وخسائر البورصة .. وقانون الإرهاب:

ومع هذه القضايا المركزية في الإعلام المصري، حضرت قضايا أخرى أبرزها معاناة المواطنين اليومية من أزمة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وقانون مكافحة الإرهاب المزمع صدوره قريبا، حيث من المقرر بحسب تسريبات صحفية أن يتم أيضا إجراء تعديلات على قانون العقوبات في الجرائم المتعلقة بالجريمة والعنف وممارسة الإرهاب لتصل إلى الإعدام لزعماء الجماعات الإرهابية، والسجن المؤبد لمموليها، والسجن 10 سنوات لأعضائها. فيما طالب حزب النور السلفي بسحب القانون واعتبره بوابة للتضييق على العمل الحزبي، وحذر الحكومة من إصدار القوانين الفضفاضة التي تسيء لسمعة البلاد.

وكان للبورصة وخسائرها الفادحة طيلة الأسبوع الماضي نصيب وافر من الحضور الإعلامي الذي وقف عاجزا عن تفسير حالة الانهيار الكبير وفقدان ما يزيد عن 50 مليار جنيه من قيمة الأسهم. كما لقي خبر نجاح جهاز الأمن الوطني المصري في إلقاء القبض على الإرهابي ثروت صلاح شحاتة، احتفاء كبيرا من وسائل الإعلام المرئية على وجه الخصوص، وقالت لميس الحديدي على فضائية cbc، وعبد الرحيم علي على فضائية "القاهرة والناس"، إن شحاتة هو الذراع الأيمن لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وواحد من أهم الشخصيات
في عالم الإرهاب بشكل عام.

 

أما مواقع التواصل الاجتماعي فقد اهتمت بالصراع الدائر بين مروجي الهاشتاغ المسيء للمشير عبد الفتاح السيسي الذى انتشر أخيرا، وأنصار المشير الذين دشنوا حملة جديدة لدعمه تحت عنوان "انتخبوا البطل".

وفي أول اتهام مبطن من نوعه يوجهه صباحي، إلى منافسه عبد الفتاح السيسي قال عبر "تويتر": "إذا كان المصريون يريدون رجل دولة فهم بالتأكيد لا يريدون دولة الرجل، أن تكون رجل دولة هذا لا يعني أن تنتمي لنظام ثار الشعب عليه مرتين في 3 سنوات".  

المساهمون