بعد أيام من توجيه انتقادات لاذعة للإعلام المصري بسبب التقصير في تغطية حادث انفجار وقع أمام المعهد القومي للأورام، أثبت مجددًا أنه ليس سوى أداة "علاقات عامة" في يد النظام، وذلك خلال التغطية المكثّفة لحفل الفنانة الأميركية جينيفر لوبيز في الساحل الشمالي.
فبعدما انتظر الإعلام المصري، التوجهيات الخاصة بتغطية حادث المعهد القومي للأورام وسط القاهرة، والتزم بنشر البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية فقط، تم تحويل البوصلة إلى أقصى شمال شرقي القاهرة. إذ صدرت التعليمات بتكثيف التغطية الإعلامية لحفل لوبيز الذي أقيم في مدينة العلمين الجديدة في الساحل الشمالي.
ففي تغطية حادث الانفجار الذي وقع أمام المعهد القومي للأورام، فجر الاثنين 5 أغسطس/آب الحالي، وراح ضحيته 20 مواطنًا و47 مصاباً، وعقب ظهور بعض الشهادات المتفرقة لشهود العيان على مواقع التواصل الاجتماعي، وتزايد التساؤلات بخصوص طبيعة الحادث والخسائر الناتجة عنه، غابت تغطية التلفزيون الرسمي والقنوات الفضائية الخاصة، إلى أن أصدرت وزارة الداخلية بيانها الأول بعد قرابة الساعة من الحادث.
وأفاد البيان أن السبب وراء الانفجار هو إسراع سيارة بعكس الاتجاه، نتج عنه اصطدامها بثلاث سيارات وانفجارها. ثم أصدرت بيانها الثاني ظهر اليوم التالي تعلن فيه أن الحادث إرهابي، واتهمت وزارة الداخلية "حركة حسم"، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، بالوقوف وراء العملية، أثناء نقل متفجرات داخل محافظة القاهرة. وكما غيرت الوزارة روايتها، غيّر الإعلام تغطيته، من دون طرح أي علامة استفهام.
أما في تغطية حفل جينيفر لوبيز، فقد تجاهل الإعلام تمامًا، المطالبات والمناشدات الحقوقية والشعبية بمقاطعة الحفل وإلغائه "تضامنا مع الشعب الفلسطيني ضد جرائم العدو الصهيوني"، بسبب إقامة لوبيز حفلاً هناك قبل أيام من موعد حفل مصر. وطالبت "الحملة الشعبية لمقاطعة إسرائيل في مصر" بإلغاء الحفل، كما دعت الفنانين المصريين لإعلان رفضهم إقامة هذا الحدث الفني ـ السياحي.
الإعلام المصري، تجاهل أيضًا، ردود الفعل الواسعة والغاضبة من انتشار صورة ثلاث وزيرات مصريات في حفل لوبيز، كانت قد نشرتها وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي في مصر، سحر نصر، عبر حسابها على "إنستغرام"، تجمعها مع وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، غادة والي، ووزيرة التخطيط والإصلاح الإداري المصرية، هالة السعيد، وارتدت الوزيرات الثلاث ملابس بيضاء. واكتفت القنوات والصحف والمواقع، بنشر أجواء الحفل وصور الحضور، ورقص الفنانين ومشاركتهم الواسعة.
وكانت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" (منظمة مجتمع مدني مصرية) قد علقت على أداء الإعلام المصري في تغطية حادث انفجار المعهد القومي للأورام، قائلة إن "غياب التغطية من قبل التلفزيون الرسمي والقنوات الفضائية لحادث بهذا الحجم لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فقد سبقه غياب تغطية عدة حوادث إرهابية في سيناء وغيرها...".
وأشارت إلى أنه، إلى جانب هذه الممارسات، "ينص قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، في مادته (35) على تغريم من يقوم بنشر أو إذاعة أو عرض (أخبار أو بيانات غير حقيقية) عن الأعمال الإرهابية أو عمليات مكافحة الإرهاب بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، بغرامة يتراوح قدرها بين 200,000 إلى 500,000 جنيه مصري، وللمحكمة منعه من مزاولة مهنته إن وجدت مخالفة لأخلاق المهنة".
وقالت "أدى قانون مكافحة الإرهاب إلى تكبيل قدرة وسائل الإعلام على تغطية الهجمات الإرهابية، ما أصبح معه على الصحافيين والعاملين فقط أن ينقلوا ما تراه الدولة، وربما كان هناك خوف لدى الجهات الأمنية من إثارة التساؤلات حول فعالية الأداء الأمني في مجابهة الإرهاب".