الإعلام العربي والشباب.. بين التقليد والتجديد

09 اغسطس 2016
يعتبر الإعلام أحد أهم عناصر صناعة الرأي العام والتأثير(Getty)
+ الخط -
يعتبر الإعلام أحد أهم عناصر صناعة الرأي العام والتأثير في ناصية القرار ورسم السياسات العامة، كما يلعب دوراً كبيراً في تغيير الأنماط السلوكية للناس وتحديد الاتجاهات الهامة للمجتمع.

ولقد تمكن الإعلام من امتلاك إمكانات وقدرات هائلة قادرة على التأثير وجعله سلطة مجهزة لتأدية واجبها الإخباري، النقدي، الثتقيفي والتوعوي، حيث أبان الإعلام خلال العقود الأخيرة كفاءة عالية في المتابعة، الاستقصاء وخلق مساحات للنقاش والحوار بفضل التطور المذهل والسريع لتقنياته، أدواته ووسائله، فاستطاع بذلك الخروج من دائرة التأثر بانتظار الأخبار وإبلاغ الناس بها إلى دائرة التأثير عبر إعطاء الفرصة لقادة الرأي للتعبير وجذب الناس من خلال تحطيم حاجز الصمت عن مجموعة من المواضيع التي كانت خارج مفكرة النقاش إما لدواع أمنية أو أخلاقية.


وعلى هذا الأساس، شهد الإعلام طفرة نوعية من حيث تنوع المواد الإعلامية، فأصبحنا أمام إعلام متعدد إما من حيث التبعية والاستقلالية المادية بين إعلام عام وآخر خاص، أو من خلال البعد الجغرافي بين إعلام محلي، وطني أو دولي، وكذلك عبر الموضوعات الكبرى فصار هناك إعلام سياسي، اقتصادي، اجتماعي، رياضي، فني وترفيهي. وعلى الرغم من أن لكل إعلام أهدافه ومنهجه الخاص في الثأثير والتوجيه، إلا أن الإعلام يظل في المجمل هو فن إيصال الحقائق إلى الناس، وإطلاعهم على المعلومات الصحيحة بالقول الصادق، والفعل الصالح، والإشارة الصادقة، دون تضليل أو تخريف أو تمييع.

وفي هذا السياق، عرف العالم العربي نموا سريعا للمجال الإعلامي خلال العقدين الأخيرين تجلى في كثرة القنوات الفضائية وتنوعها، زيادة المنابر الصحافية وتعدد القنوات والإذاعات المتخصصة، ويرجع ذلك إلى إسهام القطاع الخاص في الاستثمار بالمجال الإعلامي لما يقدمه من عوائد مالية مربحة عبر السياسات الإعلانية والدعائية ورغبة العديد من رجال الأعمال في التأثير بالسياسات العامة والرأي العام من خلال استعمال الإعلام كوسيلة ضغط على السلطة بالمساندة حينا والمعارضة حينا آخر، ويظهر ذلك جليا في التضخم الإعلامي الذي تشهده مصر، لبنان ودول الخليج.

وباعتبار أن الشباب يشكلون النسبة الكبيرة من سكان المنطقة العربية ويتطلعون إلى التعبير عن آرائهم وطرح مشاكلهم واقتراحاتهم للنهوض بالأوطان فيما يخص العمل السياسي، التنمية، قضايا المجتمع والثقافة، عملت العديد من المنابر الإعلامية العربية على تخصيص حيز زمني للشباب وإنشاء قنوات وصحف متخصصة في قضاياهم وموجهة لهم.

ومما يلاحظ في هذا الشأن أن هذه المنشآت أفرغت من المحتوى الإعلامي الشبابي مضمونه وجعلته إعلاما خاليا من أخلاقيات العمل مستندا في ذلك إلى أساليب التحريض الطائفي، العرقي والديني، التحفيز المعنوي والمادي وإرساء خطاب الكراهية والتطرف في الرأي، كما تحول في العديد من الأحيان إلى إعلام تافه يتعامل بسذاجة مع عقول الشباب العربي فتم إنشاء منابر تدعي أنها ترفيهية لكنها في الواقع هي نتاج لسياسات ممنهجة تستعمل المياعة واللذائذية لجلب المتتبعين هادفة إلى جعل الشباب العربي في خانة "البلاي بوي" الذي لايهتم بالسياسة وقضايا العدالة، الديمقراطية والنهضة الفكرية ولا يعنيه الانتماء الوطني والحريات العامة، بل يكترث فقط إلى الموضة والمتعة ومظاهر الغرب كأنها نبراس للتقدم والازدهار.

ومع انتشار تكنولوجيا الإعلام والاتصال، سطع إعلام بديل يرتكز على الشبكة العنكبوتية، المنتديات والمنصات الإلكترونية، التدوين الإلكتروني، ووسائل التواصل الإجتماعي فخلق فضاءً هاما للإعلام كان الشباب من صنّاعه وفي طليعة متلاقيه، وقد أبرزت هذه التقنيات الجديدة الاهتمامات الحقيقية للشباب في برامج ثقافية، مناظرات سياسية، اهتمام بقضيا العدالة الاجتماعية، المجتمع المدني، المرأة، التعليم، الصحة، الحقوق الأساسية والمواطنة، كما استعمل الترفيه لأغراض نبيلة فتم توظيف البرامج الساخرة في السياسة، والفن في التضامن والترويج لحملات التبرع، علاوة على الجانب التوعوي في مواجهة الآفات الاجتماعية كتعاطي المخدرات.

لقد تبلورت قوة الإعلام البديل خلال الحراك العربي الذي شكل الشباب وقوده وأثبث فشل الإعلام التقليدي في إقناع الشباب ومواكبة تطلعاتهم وانتظاراتهم، لقد غابت المصداقية عن أغلب المنابر الإعلامية العربية، لقد خسر الاستبداد والمال رهانه المبني على التسفيه وغسل الأدمغة وصار الشباب هم سادة وقادة الإعلام، هذا لايعني وجود حياد في الطرح، التحليل والتفسير، لكن يبقى الإعلام البديل متمتعا بموضوعية جادة وقوة اقتراحية جعلته أكثر إقناعا وقربا من الشباب. إن التحدي الحقيقي للإعلام العربي في صيغته الحالية هو اختبار صدق ومعقولية عبر فسح المجال أمام جميع الآراء باختلاف مشاربها وتوظيف كل الوسائل الإعلامية في خدمة العقل العربي الحديث المخلص في انتمائه، المتشبث بأصوله والطامح لمستقبل أفضل للشباب من خلال شريك ليس فقط في بناء السياسات الإعلامية ولكن في مجمل السياسات العامة.

(المغرب)
المساهمون