الإسلاميون والحراك الجزائري: تجنّب تصدّر المشهد تفادياً لتجارب سابقة

25 مارس 2019
تغيب أي لافتات أو مطالب للأحزاب الإسلامية (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر ضد نظام عبد العزيز بوتفليقة، في 22 فبراير/ شباط الماضي، تجنّب الإسلاميون القفز إلى واجهة الحراك وتصدّره، بل إن التيارات الإسلامية المختلفة فضّلت مسايرة الحراك والمشاركة فيه والمساعدة في تأطيره، من دون محاولة الهيمنة على مفاصله، تجنّباً لخلق حالة استقطاب سياسي وإيديولوجي يوفر فرصة للسلطة لضرب مطالب الحراك السياسية.

وبخلاف انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988 ضد نظام الحزب الواحد، التي برز فيها الإسلاميون مباشرة بعد اندلاعها وسيطروا على الشارع وتصدّروا الانتفاضة، دفع الإسلاميون هذه المرة كوادر ومناضلي أحزابهم والتنظيمات المتصلة بهم، إلى الشارع للمشاركة في الحراك والمساعدة في التنظيم والتعبئة أفراداً ومجموعات، من دون إعلان وجودهم في الحراك كتلةً سياسية برايات حزبية أو دينية. ولوحظ خلال خمس جُمعات من الحراك الشعبي، غياب أي لافتات أو مطالب ذات صلة بتوجّهات الأحزاب الإسلامية.

وحافظ الإسلاميون في الحراك على المطلب المركزي والمشترك والمتعلق برحيل النظام ورموزه السياسية والمالية، والتأسيس لمرحلة البناء الديمقراطي الذي تكون فيه الفرص الانتخابية متكافئة وشفافة، وهو مطلب يتقاسمه الإسلاميون مع كافة القوى السياسية الفاعلة في الجزائر، كالديمقراطيين والتقدميين واليساريين والتيار الوطني المحافظ. ويؤكد ناشطون في الحراك، أن نقاشاً هادئاً جرى في خضمّ الحراك مع القيادات والكوادر في القوى الإسلامية، بشأن تجنّب الصراع على صدارة الحراك وتلافي بروز الإسلاميين في الصف الأول، وسحب الرايات الحزبية وكل ما له صلة بالمطالب الحزبية، لصالح المطلب المركزي للحراك الشعبي، وهو موقف مماثل لموقف باقي القوى والتيارات السياسية.

واعتبر رئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله، في اجتماع سابق للمعارضة بهذا الشأن، أن "القوى السياسية الإسلامية كما غيرها من القوى السياسية لم تكن ترغب في السيطرة على الحراك أو القفز عليه واحتواء جهد شبابي، لكنها عملت في الوقت نفسه على دعمه وتوفير التغطية السياسية له"، إضافة إلى "التنسيق مع مجمل قوى المعارضة السياسية، بغض النظر عن توجهاتها السياسية والإيديولوجية باتجاه المساعدة على تحقيق المطالب الشعبية".

ويبني الإسلاميون تقديرات الموقف إزاء الحراك الحالي على تجارب سابقة في الجزائر وفي دول أخرى. ففي انتفاضة أكتوبر 1988، قفز الإسلاميون إلى صدارة الانتفاضة وسيطروا على الشارع، وساهم نقص الخبرة السياسية لديهم في دفعهم إلى قراءة خطأ للواقع السياسي والاعتداد بالشارع، وقاد ذلك إلى رفع سقف المطالب وتجاوز التدرج في المطلبية السياسية، ووفّر ذلك مبررات لجنرالات الجيش الذين كانوا يتربصون بالمسار الديمقراطي، ما أدى إلى ضربه في يناير/ كانون الثاني 1992. اليوم يتجنّب الإسلاميون أن يتحوّل حضورهم في صدارة الحراك إلى فزاعة تستغلها السلطة من جهة، وحالة تثير حفيظة القوى الديمقراطية في الداخل من جهة أخرى، كما يمكن أن يبعث ذلك برسالة خطأ إلى الخارج والقوى التي تعاني من "فوبيا الإسلاميين".

وفي هذا السياق، رأى القيادي في حركة "مجتمع السلم" (إخوان الجزائر) نصر الدين حمدادوش، أن تقدير الموقف والقراءة الهادئة للظروف المحيطة بالحراك الشعبي والتجارب الاحتجاجية السابقة، يدفعان إلى الإقرار بأن أي محاولة لبروز الإسلاميين قد تستدعي حالة من الاستقطاب السياسي. واعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "من أخطر ما يمكن أن يواجه هذا الحراك الشعبي هو الخروج به من طابعه الشعبي العام، إلى لونٍ سياسي أو صبغةٍ إيديولوجية واحدة"، لافتاً إلى أن أيّ تصدّر من الإسلاميين للمشهد "سيثير الحفيظة الإيديولوجية للشركاء في الثورة السلمية والتغيير، ويعطي مبرر الفزّاعة للتحريض الخارجي عليهم عبر تحالف القوى الإقليمية والدولية، المتوجّسة من أي تغييرٍ يهدد مصالحها ونفوذها".

وتستدعي تصريحات القيادي الإسلامي تجارب قريبة من الجزائر، أدت فيها القوى الخارجية والعربية المعادية لحركات الإسلام السياسي دوراً بارزاً في ضرب المسار الثوري والانتقال الديمقراطي وتنفيذ انقلابات، كما في الحالة المصرية والليبية. وتعليقاً على موقف الإسلاميين من حراك الجزائر، قال الباحث نبيل عاشور في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه موقف "يعبّر عن شجاعة سياسية وأخلاقية وعن رؤية متقدّمة في التعاطي مع الحراك، لأن دفع التيار الإسلامي إلى تصدّر المشهد خطر كبير على الحراك"، لافتاً إلى أن "تجربة تخلي حركة النهضة التونسية عن صدارة المشهد التونسي مثلاً ساعدت في إحباط التدخّل الخارجي ومنعه من وأد التجربة الديمقراطية"، مشيراً إلى أن "قرار الإسلاميين عدم تصدّر المشهد هو قرار سليم، على الرغم مما يمكن أن يقابله من محاولة تيارات سياسية أخرى تُحسب على الفكر التقدمي استغلال الفرصة للقفز إلى المقدمة".

وإضافة إلى القوى الإسلامية النشطة في الساحة السياسية، فتح الحراك الشعبي الباب واسعاً لعودة فصيل إسلامي مهم إلى الساحة، بعد إقصائه منها بقوة القانون والتعسف السياسي، هو "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، التي حُلّت من قبل السلطة في مارس/ آذار 1992 بعد انقلاب الجيش ووقف المسار الانتخابي في يناير 1992. وكان لافتاً وجود وجوه بارزة من "جبهة الإنقاذ" في الشارع مع المتظاهرين، وإشراك المعارضة السياسية لقيادات الجبهة في الاجتماعات الستّ للمعارضة كفصيل سياسي. لكن التجربة المريرة التي مرت بها الجبهة وتأثيرات ذلك، دفعت أيضاً قيادات فيها إلى تجنّب استغلال الحراك الشعبي لإثارة استقطاب سياسي، أو إعادة طرح مطالب سياسية تخصّها، كإعادتها إلى الشرعية واستعادة الحقوق السياسية لمناضليها الممنوعين بنص قانون المصالحة الوطنية من النشاط السياسي.

واللافت في الحراك الحالي في الجزائر، أن المساجد التي كان يستعملها الإسلاميون في التسعينيات للخروج في مسيرات مناوئة للنظام، تحت شعار "دولة إسلامية" و"لا ميثاق لا دستور، قال الله قال الرسول"، هي نفسها التي يخرج منها المتظاهرون كل جمعة تحت شعار ظل رمزاً للقوى التقدمية والديمقراطية هو "جزائر حرة ديمقراطية"، وبدا أن تبنّي الإسلاميين لشعار كهذا، ساهم في إزالة كل الالتباس السياسي الذي كان قائماً بين الفعل الديمقراطي والأفكار الدينية.

يؤشر ذلك إلى أن الإسلاميين في الجزائر يُبدون اطمئناناً بشأن مستقبلهم السياسي عبر صناديق الاقتراع في المرحلة المقبلة، ويعتبرون أن الصراع على قيادة الحراك ليس مساحة للتنافس السياسي. لكن تلافي الإسلاميين الاستقطاب المبكر والوجود في صدارة المشهد والحراك، لم يُبعدهم عن مراقبة تطورات الوضع والمآلات والمشاركة في النقاشات السياسية داخل إطار كتلة المعارضة أو الجامعات والفضاءات الأخرى، وخصوصاً أن التجربة السياسية للإسلاميين، كافية لإبقاء حضورهم في مختلف المحطات والاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة في الجزائر ما بعد حراك فبراير.

دلالات