لم يكن الكثيرون يعرفون اسم سليم بغداد. الأسباب كثيرة، منها أنه يمارس مهنته كلاعب كرة قدم في نادٍ للدرجة الثانية، كما أنه لم يَرق إلى عبقرية زين الدين زيدان أو أبو تريكة وغيرهما.
هو مجرد لاعب في فريق نانسي الفرنسي لكرة القدم، ولكن الإسلاموفوبيا البغيضة الزاحفة منحته شهرة وألماً. هذا النوع الجديد من الإسلاموفوبيا الذي ظهر، خصوصاً بعد اعتداءات شارلي إيبدو في يناير/كانون الثاني الإرهابية في باريس.
وكما يؤكد المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا في تقاريره، فهو لا ينشر أخبار كل الاعتداءات التي تحدث في فرنسا، إن بسبب عدم تبليغ الضحايا بها أو بسبب رفض الشرطة تسجيلها، وأيضاً بسبب صعوبة التواجد في كل المناطق الفرنسية. وما نحن بصدده، اليوم، يتعلق بلاعب كرة القدم، سليم بغداد، 22 سنة، في نادي نانسي-لورين، الذي تعرض لتهديدات واعتداءات بُعيْد الهجوم على شارلي إيبدو. ويقول سليم بغداد: "أنا أمثل خسارة عرضية لما حدث لشارلي إيبدو".
بُعيد أيام قليلة على اعتداءات شارلي إيبدو، وبعد الانتهاء من التمارين الرياضية، اعترض أحد عشاق فريق كرة القدم اللاعب سليم بغداد وبدأ يحدثه عن كرة القدم وعن وجوب بذل كل الجهود للوصول إلى الدور الفرنسي الأول، ثم فجأة بدأ يبصق عليه وينفجر بكلمات بذيئة: "أيها العربي القذر، نحن جميعاً شارلي، فرنسا للفرنسيين، إرحل إلى مدينة تولوز محمد مراح، نعرف أن اسمك هو بغداد".
هرب سليم بعد أن لاحظ اقتراب ثلاثة أفراد آخرين من سيارته. وحين وصل إلى بيته وجد زوجته في حالة مريعة وهي تبكي " قالت بأن أناساً طرقوا الباب، وتركوا ظرفاً كتب فيه: سليم بغداد ولد في 11 سبتمبر/ أيلول، وارتاد نفس الثانوية التي درس فيها محمد مراح. كما تركوا أجزاء خنزير والعلم الفرنسي".
أخبر سليم مدربه، وهو من الأوروغواي، بما حدث له، فكشف له أن الفريق أيضاً تلقى نفس الرسائل، ونصحه بألا يتحدث عن الأمر، لأن له أبعاداً أخرى، سياسية على مستوى فرنسا كلها لأن الجوّ متوتر. وقال له أيضاً "بطولة كرة القدم لم تنته بعد". وهو تبريرٌ أثار صدمة لدى اللاعب، ما جعله يعبّر عن خيبة أمله من مدربه.
ثم التقى اللاعب بالمدير الرياضي للفريق، بول فيشر، وبعنصر من الاستخبارات العامة. وبدل أن يتفهم المسؤول الأمني والاستخباراتي معاناة اللاعب طفق يحدثه عن "المسجد الذي يرتاده في تولوز، أي المسجد الذي ارتاده محمد مراح". ويقول سليم بأن المسؤول الأمني أخرج صورة لي وأنا داخل المسجد يوم جمعة، فردّ عليه "الأمر مثير للضحك، إذ ليس لأني أرتاد مسجداً يمتلك البعض الحق في شتمي ووصفي بأني عربي قذر..".
واعترف المدير الرياضي، بول فيشر، بأن اللاعب أخبره بتعرضه للشتم والتهديد وحتى بالملاحقة، في شهر يناير/كانون الثاني. واعترف بوجود مطاردات يتعرض لها بعض اللاعبين لكنها لا ترقى إلى هذا المستوى المتقدم والمُعدّ له جيداً، معتبراً "إن هذا أمر نادر".
ورغم المكابدات النفسية الرهيبة اختار اللاعب سليم بغداد ألا يمنح لقضيته بعداً إعلامياً كبيراً. واختار أن ينكب على عمله كرياضي، خصوصاً وأن "الاهتمام، حينها، كان منصبّاً على قصة شارلي إيبدو". وهو موقف اعترف رئيس الفريق روسيلو بأنه يحترمه ويتفهمه، وأضاف حازماً "نحن في جمهورية، ولا أحد يريد أن يهدد أحداً، مهما كانت آراؤه. أريد أن يكون الأمر واضحاً. والذين يعرفونني يعرفون أيضاً أني لا أسمح لأي كان، خصوصاً أشباه مشجعي الفريق، بالتأثير عليّ".
الأمر لم يتوقف هنا. لأن التهمة والوصم لها ما بعدها. وهو ما لاحظه وجرّبه سليم بغداد. فقد توقف المدرب بابلو كوريّا عن توجيه الحديث إليه. توجه الفريق خلال دورة تدريبية إلى مدينة نيم، من دون سليم بغداد وأحد اللاعبين. وحتى مساعده فانسان هونيون توقف عن مصافحته. ولكن المسؤول الرياضي بول فيشر له رأي آخر، فهو يقول إن الأمر أثّر على اللاعب، لكن ليس إلى درجة تثير انتباهنا. إذ لم يكن لاعباً استثنائياً حتى نقلق على انخفاض أدائه.
لم يطرح الفريق ومسؤولوه الأسئلة الضرورية التي تخص المعاناة النفسية لشاب في الثانية والعشرين من عمره. وبدا الأمر وكأن اللاعب سليم بغداد هو المُذنب. وإذا كانت إدارة الفريق لم تقم بواجبها فقد كان اللاعبون كلهم متضامنين مع سليم. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهرين على هذه المعاناة، فاللاعب لا يزال محطَّماً نفسياً. ويعترف بصعوبة حياته اليومية: "أنا من أصول مغاربية، وأمتلك بعض السمرة. أنظر من حولي حين أخرج من ملاعب كرة القدم. حياتي مختصرة في البيت- كرة القدم- البيت... أخشى أن أستضيف والدتي، وأنا على حذر دائم، وحين يقترب مشجع للحديث معي، أقول في نفسي: ما الذي سيفعله؟ أقول في نفسي إنه سيغرس في جسدي سكيناً"... يستعد اللاعب سليم بغداد لمغادرة فريقه واللعب مع فريق آخر، ولأنه يعشق كرة القدم لا يخفي أسفه لأنه لم يَحْظَ بما يستحق: "ما الذي يعنيه أن أوقع على عقد للعب 8 أشهر، ولا أمنح ثانية واحدة للعب".
أرض الله واسعة. ولكن قصة سليم بغداد تذكر بأن ضحايا الإرهاب في غالبيتهم عرب ومسلمون وأجانب. ألم يقل الرئيس فرانسوا هولاند في خطاب له بمعهد العالم العربي بباريس بعد أيام على اعتداء "شارلي إيبدو": "إن المسلمين هم أكبر ضحية للإرهاب".
وفي باب الردود المنددة، أدان حزب أهالي الجمهورية، بشدة، هذا الاعتداء الجديد، وأشار إلى أن المسؤوليات تتقاسمها إدارة الفريق الرياضي والسلطات الأمنية.
اقرأ أيضاً:حظر التنورات الطويلة في مؤسسات التعليم الفرنسية.. إسلاموفوبيا