الإرهاق من الإرهاب

07 سبتمبر 2014
+ الخط -

بين كلّ فترةٍ وأخرى، يظهرُ تنظيمٌ إرهابي في المنطقة، يحملُ اسماً جديداً بمضمونٍ مشابه لتنظيماتٍ أخرى تنشر الذعر والتوتر والقلق بين الناس، وسرعان ما يدّعي أنه يعمل لأجل أهدافٍ إسلامية، ويسعى إلى إزالة مظاهر الفسق والفجور وعظائم الأمور، ومقارعة الظلم والفساد المنتشرة في دول المنطقة، ومقاومة القوى الاستعمارية الخارجية والمتحالفين معها من قادة الداخل ومن صفّ في صفوفهم من "الخونة والفسّاق". ثم يبدأ عناصره بالامتداد والتوغّل داخل جغرافيات الدول العربية والإسلامية لنشر الإسلام ومبادئه، فيذبحون بيدٍ ويعلّمون الصلاة والصيام بيدٍ أخرى، يفجّرون سياراتٍ مفخّخة وسط أسواقٍ مكتظّة بالناس الأبرياء بيدٍ، ويخطبون في المساجد باكين داعين إلى الله وطريقه القويم بيدٍ أخرى، يقرأون آياتٍ قرآنية بتلاوةٍ لا بأس بها من طرفٍ، ويكبّرون على فتياتٍ مارّاتٍ ثلاث تكبيراتٍ ليصبحنَ لهم زوجاتٍ صالحاتٍ، مؤقتاتٍ أو دائماتٍ، على سنة الله ورسوله!

وما أن يظهر هذا التنظيم أو ذاك، حتى تنهال علينا، في الوسائل الإعلامية، تصريحاتٌ نارية من مسؤولين وقادة غربيين وأميركيين وغيرهم، يؤكدون فيها على قلقهم البالغ! وخوفهم من تسلّل عناصره إلى دولهم المسالمة التي لا تعرف الإرهاب!، ثم يعلنون استعدادهم التام لتقديم معدّاتٍ عسكرية لحكومات المنطقة، لمكافحة "بعبع" التنظيم الجديد، بالسرعة القصوى، لأن الأمر لا يقبل الانتظار، ثم بعد فترة وجيزة، قد تكون أعواماً، بعد أن يكون التنظيم قد وسّع من نطاق امتداده وإرهابه وأرهقَ الناس، وهيأهم لقبول فكرة التدخّل الخارجي، يبدأون بالتدخّل المباشر بإرسال قواتهم، لمحو هؤلاء المرتزقة الإرهابيين، وما أن تدخل تلك القوات "الحامية"، حتى يزداد الأمر سوءاً، لنكتشف أن الهدف من تلك القوات كان الاحتلال والهيمنة ونهب خيرات المنطقة، ولم يكن مكافحة الإرهاب، ولنكتشف أن التنظيم كان صنيعة هؤلاء المسؤولين الذين لا تعرف عيونهم النوم قلقاً على شعوب المنطقة من خطر الإرهاب.

وكالعادة، حين يظهر تنظيمٌ من هذا النوع في المنطقة، فأول ما يفعله قادتنا وحكّامنا هو النظر باتجاه الولايات المتحدّة والدول الغربية، بعيونٍ مليئة بالتوسّل والاستنجاد، لمعرفة ما يمكن أن تفعله تلك الدول المُخلّصة مع هذا "التنظيم الأسطوري الذي لا يُقهر" والذي لا يمكن لقواتنا الباسلة أن تقاومه، وكأن الغرب قد حفظنا عن ظهر قلب أنه المختصّ بمثل هذه الأمور، وكأن قادتنا حفظوا درسهم بأنهم غير قادرين على  مقاومة الإرهاب الذي أرهقَ شعوب المنطقة بعمومها، وكما أن الغرب لم يفكّر يوماً بمكافحة الإرهاب بقدر ما يفكّر بصناعته، فإن قادتنا لم يفكّروا، يوماً، بتأسيس قواتٍ مشتركة على هيئة منظمةٍ عسكرية مشتركةٍ مهمتها مكافحة الإرهاب الذي أصبحَ رفيق دربنا في كل خطوة، بقدر ما يفكّرون "بالمؤامرات الداخلية"، التي قد تحاك ضدهم لإبعادهم عن الكرسي.

طبعاً، هذه التنظيمات الإرهابية تكونُ "إسلاميّة" دائماً، هل يحدث ذلك مصادفةً، وهي لا تنشر الإسلام إلا في بلاد المسلمين، ولا تقطع الأعناق إلا في هذه البلاد، فيما يبقى أعداء الإسلام والمسلمين في بلدانهم سالمين مصفّقين لما يجري، وأكثرية المنتمين إلى هذه التنظيمات هم من دول المنطقة، أي من العرب والمسلمين، منهم من يعمل مرتزقاً، ومنهم من يعمل بإخلاصٍ، لأجل الأهداف الإسلامية التي تنادي بها هذه التنظيمات، فأيُ جهنم من البؤس الثقافي والحضاري والديني هذه التي نعانيها، وأي جهلٍ هذا الذي جعلنا ألعوبةً ومهزلةً بيد الآخرين، فيصنعون منا ما يريدون.

على الرغم من أن ظهور مثل هذه التنظيمات في المنطقة ليس جديداً، ومن أن استخدام دول الهيمنة "سلاح الدين الإسلامي" وسيلة للتشويه ونشر الفوضى والتدخّل باتَ معروفاً للجميع، وعلى الرغم من أن السلوكيات الإرهابية والإجرامية الواضحة التي تقومُ بها هذه التنظيمات تؤكد لأبسط عقلٍ أنها ليست إسلامية، إلا أن الحاضن الاجتماعي يكون موجوداً دائماً، وهذا ما يفسّر حجم الجهل الذي نعانيه، ولعلنا رأينا كيف توافدَ "الحمقى" من دول المنطقة بأعدادٍ كبيرة، لينضموا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، مقتنعين بأهدافها الربانية السامية، على الرغم من مشاهد الذبح والقتل والتدمير التي تعرض على مختلف الأقنية والوسائل الإعلامية، ويرتكبها إرهابيو هذا التنظيم بمنتهى الوحشية.

avata
avata
عماد حسين أحمد (سورية)
عماد حسين أحمد (سورية)