الإرهابيون يضعون قواعد الإرهاب

28 فبراير 2015
+ الخط -

في ظل الأوضاع الضبابية التي تعرفها مناطق عديدة في العالم، يصبح من الصعوبة بمكان تحديد قواعد وشروط التعامل مع الاختلافات والتناقضات التي تعرفها السياسة العالمية، وطرق تدبير بعض التوترات التي تنشأ هنا وهناك. ويعد مصطلح الإرهاب من بين هذه الإشكالات التي أحدثت لغطاً كبيراً في ميادين السياسة والفكر والثقافة والاجتماع، فمن يضع قواعد التعامل مع الإرهاب؟ ومن يحدد ما هو الإرهاب، ومن هو الإرهابي؟
ظهر مصطلح إرهاب كممارسة سياسية، إبّان الثورة الفرنسية. وبدأ الإرهاب أول ما بدأ إرهاب دولة في حقبة دانتون وروبيسبيير. وكان إرهاباً من أعلى نحو الأسفل، مارسته الدولة ضد أعدائها الحقيقيين والمحتملين، لأجل ترسيخ قواعد الدولة الثورية، وهو ما عرف تاريخيا "بفترة الرعب".

لكن المصطلح متأخر جداً عن الممارسات التي يمكن أن تعتبر إرهاباً، بمفاهيم وشروط عصرنا. فالإرهاب قديم قدم التاريخ، وهو صنو العلاقات الاجتماعية التي لا تخلو من توترات ومصالح وتطلعات نحو السلطة والثروة. وهي كذلك نتاج تصورات دينية وطقوسية، موغلة في الوحشية والسادية. ولعل طقوس القرابين البشرية، المقدمة قصد إرضاء آلهة لا تعرف الرضا؛ لأنها في الحقيقة آلهة لا توجد سوى في مخيلة القائمين على طقوس القتل، وبقر البطون قصد استخراج الأحشاء، ورمي الجثث في الأنهار والبحيرات، أو من المرتفعات الشاهقة. آلهة يطلب منها أن تطهر المدنس، وأن تمنح الرضا للقتلة.
إذا اتفقنا على أن الإرهاب هو تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى إيجاد أجواء من الخوف، تكون موجهة ضد مجموعة دينية، سياسية، عرقية أو ثقافية، وفيه استهداف متعمد للمدنيين، أو تجاهل لسلامة حياتهم. فإنه من الصعب جدا حصر الأعمال الإرهابية في تفجيرات منظمات مثل "إيتا" الإيرلندية و"الباسك" الإسبانية و"الفارك" الكولومبية و"نمور التاميل" في سريلانكا و"الألوية الحمراء" في إيطاليا، فالطائرات الأميركية بدون طيار، والتي تقصف عدة مناطق من الكرة الأرضية. وبالمصادفة فقط، كلها مناطق تنتمي للعالم الإسلامي، قتلت مئات من المدنيين في العراق وباكستان وأفغانستان. وعلى الرغم مما تدعيه الولايات المتحدة من اختيارها الدقيق أهدافها المتمثلة في تنظيمات إرهابية تشكل خطراً على الولايات المتحدة ومصالحها، وهي تعبيرات ضبابية، يستحيل تمييزها بدقة، فإن المدنيين هم أكثر ضحايا هذه الهجمات الإرهابية، والتي تنفذها الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، أي أن الولايات المتحدة تحارب الإرهاب بإرهاب أشد وأفظع.

لعل صور معتقل "غوانتانامو" وسجن "أبو غريب" لا تزال شاهداً حياً على الإرهاب النفسي والجسدي الذي تمارسه إمبراطورية الديمقراطية الأولى عالميا.
دعونا لا نتوغل كثيراً في التاريخ المشين للإمبراطورية الأميركية التي تأسست على جماجم السكان الأصليين لأميركا. ذاك تاريخ بعيد. ماذا عن العدوان الثلاثي على مصر والحرب الكورية والتدخل في الفيتنام والعراق وأفغانستان والسودان والصومال وأميركا اللاتينية، بل وفي أوروبا؟
إنه لمن الحمق تصديق ما تدعيه الولايات المتحدة، ومن ورائها إسرائيل وبعض الدول العربية والغربية، بأنها تحارب الإرهاب، لأن محاربة الإرهاب لا تكون بإرهاب مساو له، أو أشد منه فظاعة. كما لا يمكن الارتهان إلى قوانين محاربة الإرهاب، قصد ممارسة القمع وفرض الأحكام الاستثنائية من بعض الحكام والحكومات الديكتاتورية التي تهدف منها إلى الحفاظ على سلطتها. بل يصل الأمر ببعضهم إلى الانقلاب على رئيسه، بدعوى الإرهاب، كما هو حال عبد الفتاح السيسي في مصر والذي اتهم رئيسه محمد مرسي بالإرهاب، ليبرر انقلابه الدموي، ولا بأس من إدراج تنظيم الإخوان المسلمين في لائحة المنظمات الإرهابية لتأكيد التهمة.
أكبر إرهاب في العالم هو مجلس الأمن الدولي. فبأي حق يمكن لخمس دول أن تتحكم في مصير العالم بـ"حق النقض"؟ ثم تتبجح هذه الدول بمحاربة الإرهاب. لماذا لم نسمع يوما عاقلا أو أحمق يقول إن البرتغال أو النمسا أو اليابان أو السويد أو فنلندا، مثلاً، دول إرهابية؟ ولماذا بالمصادفة، تعد الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وإنجلترا من أكثر الدول المتهمة بالإرهاب؟ أليس للأمر علاقة بورقة الضغط التي تملكها داخل مجلس الأمن؟
من المستحيل تحديد من هو الإرهابي الحقيقي في عالم يتميز بالانتقائية في إطلاق صفة الإرهاب والإرهابي على كل من يخالفنا الرأي والتفكير والقناعات السياسية والدينية والثقافية، بل وحتى العرقية.
ومن العار أن نجد من المثقفين من يدافع عن الإرهاب الصهيوني، بدعوى الحق في الدفاع عن النفس. وفي المقابل، يصف الفلسطينيين بالإرهاب؟ من يقرأ مأساة الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال الانجليزي، لا يمكنه إلا أن يتضامن مع شعب شاءت الأقدار أن يكون مركزاً لوهم قديم سمي "هيكل سليمان"، أو لمقولة استعمارية تدعي الحق "لشعب من دون وطن في وطن من دون شعب".
وإذا لم نكن نقرأ ونسمع الأخبار بحس نقدي سليم، فلن نلبث أن نكون ضحايا للقصف الإعلامي المستمر لعقولنا، التي كالهواء، لا تقبل الفراغ.

03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)