الإخوة القيماقجي.. بغداد في سبعة عقود

25 ابريل 2019
"منظر على نهر دجلة"، لـ أكرم القيماقجي
+ الخط -

في محلّة جديد حسن باشا في شارع الرشيد وسط بغداد، مطلع القرن الماضي، كان يسكن أحمد القيماقجي الذي ينتمي إلى عائلة نزحت من مدينة خانقين إلى بغداد قبل حوالي أربعة قرون، وفي بيته هناك جمعته لقاءات دائمة مع الفنان العراقي عبد القادر الرسام (1887 - 1952)، حيث تتلمَذ على يده أبناؤه الثلاثة.

رغم تعلّق الإخوة الشديد بالفن وممارسته طوال حياتهم، إلا أنهم تخرّجوا جميعاً من كلية الطب الملكية العراقية، فتخصّص إحسان (1907-1975) في الأشعة، وعمل أكرم (1909-1979) جراحاً عاماً، وأصبح أنور (1914-1996) طبيباً متخصّصاً في النسائية والتوليد.

"معرض آل القيماقجي: ثلاثي من بغداد 2" عنوان المعرض الذي افتتح في 22 من الشهر الجاري في "غاليري الأورفلي" في عمّان، ويختتم اليوم، وفيه توثيق للحركة الفنية وحراك المجتمع في العراق منذ منتصف العشرينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي.

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يشير منظّم المعرض أحمد القيماقجي، نجل أنور القيماقجي، إلى أن "كلّ واحد من الثلاثة اختار طريقاً مختلفاً، فتفرّغ الأخ الأكبر للنحت والتصوير حيث يتضمّن المعرض مائة من أعماله الفوتوغرافية، وتوجّه الأوسط إلى الرسم بالألوان الزيتية، وتُعرض سبع وعشرون من لوحاته، ولجأ الأصغر إلى الكاريكاتير والبورتريه، وتتناول معظم رسوماته المائة المعروضة شخصيات من تاريخ العراقي المعاصر".

إحسان القيماقجي، مئذنة في الموضل عام 1929يضيف "في أعمال إحسان تسجيل حيّ للعديد من مدن العراق، ولقطات من الحياة العائلية، وأخرى للأصدقاء، كما يوجد ملف كامل يتضمّن صوراً لمسيرة تتويج الملك فيصل الثاني في شوارع بغداد في أيار/مايو عام 1953. أما رسومات أكرم فكانت تقترب من مناخات عبد القادر الرسام، وقد فُقد للأسف الكثير منها أو أتلف أثناء التنقل من منزل إلى آخر".

ويلفت إلى أن "أعمال والده أنور امتازت بقوة التخطيط بالقلم الرصاص والحبر الأسود، إضافة إلى لوحات استخدم في تنفيذها الألوان المائية، وجميعها تعكس أجواء بغداد السياسية والفكرية والاجتماعية، من خلال تجسيده لأعلام في قطاعات مختلفة، إلى جانب بورتريهات أفراد العائلة وبعض الأصدقاء والأقارب".

ابتدأ جمع الأعمال خلال الأعوام الماضية، قبل أن تُعرض لأول مرة في "غاليري ديفرنت" اللندني، في تموز/يوليو من العام الماضي، لينتقل بعدها إلى الأردن ومن ثم إلى العراق وعددٍ من البلدان العربية، كما صدر كتاب يحمل عنوان المعرض ويتضمّن مقدّمة كتبتها الصحافية رجاء حميد رشيد، والسيرة الذاتية للفنانين الثلاثة، والأصول التاريخية لعائلة القيماقجي، والحركة الفنية المعاصرة في العراق، ومقال "ثلاثي بغداد.. ريادة أم ريادتان" للناقد صالح عباس، إلى جانب توثيق لصور العائلة وأعمال فنانيها".

تلفت رشيد في مقدّمتها إلى أن الفنانين الثلاثة "آثروا العمل بهدوء، بمنأى عن الأضواء، ولم يعلنوا عن ملكاتهم الاستثنائية في مجالات مزاولة مواهبهم، إلّا في حدود ممارسة تخصّصاتهم العلمية في مجالات الطب، بينما بقيت اهتماماتهم الأخرى حصرية في محيط العائلة والأقارب والأصدقاء لعائلتهم فقط، وبقيت لوحاتهم تزيّن جدران بيوتهم".بورتريه إحسان القيماقجي بريشة شقيقة أنور

وتوضّح أن رسومات الكتاب تنوّعت بين كراسة الرسم التي وزّعها الفنان محمد صالح زكي (1888-1974) على المدارس منذ عام 1929 وضمّت عدداً من الرسومات لأعمال نحتية للفنانين القيماقجي في كلية الطب آنذاك، إضافة إلى رسومات لشخصيات سياسية عراقية ومصرية وأجنبية وفنانين وممثلين، منهم: مصطفى العمري، وجعفر العسكري، وجمال بابان، وجميل المدفعي، ومحمد الصدر، ورشيد عالي الكيلاني، ورضا الشبيبي، وونستون تشرشل، وصور الولاة والباشاوات في تلك الفترة.

من بين الأعمال المعروضة لإحسان القيماقجي تمثال لامرأة مستلقية على السرير، وآخر يجسده هو شخصياً، وصورة لطائرة تهبط في الحبانية عام 1927، ومدينة دهوك وبئر نفط وجسر التون في مدينة كركوك وسرايا مدينة أربيل وكلية الطب في بغداد ومئذنة الحدباء في الموصل عام 1929، ونهر الوند قرب مدينة خانقين عام 1938، وضريح علي الهادي وحسن العسكري في سامراء عام 1955.

وتم اختيار عدة لوحات لأكرم القيماقجي، منها واحدة تجسّد رجلاً في البادية يشعل غليونه، وبورتريه للعالم لويس باستور، والجرّاح ومساعديه في غرفة العمليات، ومنظر على نهر دجلة، و"فرقة الجالغي البغدادي" الموسيقية، ونهر العشار في البصرة، وقطط في سلة.

أما رسوم أنور القيماقجي، فتنوّعت بين رسوم لقطع متحفية في الكلية الطبية الملكية العراقية نفّذها عام 1931، وزملاؤه الأطباء في الكلية بين عامي 1934 و1937، وكاريكاتيرات للممثل كمال المصري والممثل الأميركي أدولف منغو، ووجوه لطبيبات وممرضات في مستشفى روتاندا في دبلن حين ذهب لإكمال دراساته هناك، وجامع الحيدر خانة في بغداد، وغيرها.

دلالات
المساهمون