منذ آلاف السنين والفن المصري القديم يفتن الناس –خاصة المؤرخين-، تأثر به الفنانون اليونانيون والرومانيون واستلهموا تقنياته، ومازال يلهم الثقافات الأخرى حتى اليوم. بالرغم من أن هؤلاء الفنانين القدماء كانوا مجهولين تماماً لشعبهم قبل العالم.
السبب المثير للاهتمام الذي يفسر هذه "الجهالة"، هو أن فناني مصر القديمة كانت هذه وظيفتهم المكلّفين بها من قبل الحكّام، ولم يكن فنهم نابعاً من ذواتهم، لم تكن المتعة الجمالية للفن جزءاً أصيلاً من عملهم. ورغم أن الفن الوظيفي قد يحمل لمسة وطابع الفنان؛ إلا أن هؤلاء لم يكن لهم طابع خاص في العمل، ولا رؤية فنانٍ فردٍ.
الفنانون اليونانيون والرومان كانوا يعلمون الغرض من صنع تمثال لأثينا أو زيوس مثلاً، فكان هدفهم جعل القطعة المنحوتة ممتعة بصرياً، أو جعلها فنية كما يفهم الناس الفن اليوم، وليس لمجرد تأدية عمل وظيفي.
بينما كان الفن المصري القديم يخدم غرضاً عملياً، هو احتجاز روح الإله أو الميت داخل القطعة الفنية. فرسومات المعبد تظهر مشاهد من حياة الشخص على الأرض، حتى تتمكن الروح من تذكّر حياتها السابقة، بعد الانتقال إلى العالم الآخر، أو مشاهد من الجنّة كي يتمكن الشخص الحيّ من معرفة الطريق إلى ذلك، وكيفية الوصول إليه.
التمائم السحرية صُنعت من أجل الحماية من الضرر، والتماثيل صُنعت من أجل تجنّب الأرواح الشريرة والأشباح الغاضبة، ومقابض الأسواط المزخرفة والصناديق والخزفيات وغيرها، كلّها كانت من أجل أغراض عملية أهمها الأكل والشرب.
لا يعني ذلك أن المصريين القدماء لم يتمتعوا بالحس الجمالي، لكن الأمر كان وظيفياً والهدف عملياً بحتاً، وهذا هو السبب في أن المعابد المصرية والقصور والمنازل والحدائق، والتماثيل واللوحات، وخواتم التوقيع والتمائم كلّها صُنعت بتماثل عقلي، وتعكس جميعها قيم المقبرة. إذ اعتقد المصريون أن بلادهم صُنعت على شكل أرض الآلهة، فإذا توفي شخص وذهب إلى الجنّة فسيجدها مألوفة لديه، فمصر التي عاش فيها تماثل الجنة.
الفن المصري دائماً منذ القدم هو قصة النخبة والطبقة الحاكمة، وفي معظم الفترات التاريخية في مصر، لم يكن لأصحاب الطبقات المتوسطة والدنيا ترف صنع أعمال فنية تروي قصتهم، ومن خلال قصة تلك النخب نقل الفن المصري صورة الحضارة وتاريخها، تاريخ المقابر ورسوماتها والمعابد ونقوشها. وحتى معظم الأدب المصري القديم، كان معنياً بحياة الطبقة العليا، ولا يذكر حياة الشعب إلا في سياق رواية حكاية النخبة.
في كل تلك العصور كانت أنواع الفن متعددة، بقدر ما تحتاجه الحياة البشرية، وكذلك الموارد لصنعه متوفرة لمن يستطيع دفع الثمن. كان لدى أثرياء مصر مرايا يدوية مزخرفة ومستحضرات تجميل وجرار من المجوهرات، والسكاكين والسيوف المزخرفة، والأقواس المجدولة والمزينة والصنادل الفاخرة، والأثاث والمركبات والحدائق الغناء، إلى جانب المقابر الفخمة.
وكان لكل جانب من جوانب الإبداع في تلك الأشياء معنى رمزي يشير إلى صاحبها، تماماً كما كان رمز الثور في لوحة الملك "نارمر" يرمز إلى قوة الملك فقط، لذلك كل صورة أو تصميم أو زخرفة أو تفصيل في العمل الفني كان يتعلّق بمالكه، أما الفنان الصانع فمجهول لا توقيع له ولا ذكر أو إشارة، كما لا توجد شخصية فنية تميز عملاً عن آخر.
لم تكن الحياة بالنسبة إلى المصريين القدماء سوى جزء صغير من رحلة أبدية، ويعكس فنهم هذا الاعتقاد. تمثال أو علبة مستحضرات التجميل، أو لوحة حائط أو تميمة، مهما كان نوع العمل الفني، فإنه صُنع ليدوم بعد انتهاء حياة مالكه، وليروي قصة هذا الشخص وكيف عاش، وليعكس أيضاً القيم المصرية والمعتقدات كلّها. وقد نجح الفن المصري القديم في هذا الغرض، فما زالت تلك الحكايات تروى لآلاف السنين.