13 نوفمبر 2024
الأيلولة السورية
توشك الأزمة السورية أن تتحوّل إلى "أيلولة" القرن الحادي والعشرين، لجهة قدرتها على خلط التحالفات الإقليمية والدولية، وإعادة رسمها ليس مرة واحدة، بل مرات عدة. والأيلولة، لمن لا يعرفها، هي حرب الوراثة الإسبانية التي اندلعت عام 1701، واستمرت حتى 1714، وكانت من أعنف حروب القارة الأوروبية وأطولها عمراً في القرن الثامن عشر. وبدأت بوفاة آخر ملوك إسبانيا من سلاله الهابسبورغ، تشارلز الثاني، عام 1700 وتنازع فرنسا والنمسا وبروسيا على وراثة ملكه، لأنه لم يترك وريثاً.
لم تكن إسبانيا دولة مهمة، أو قوة معتبرة في ذلك الوقت، لكن انضمامها إلى أي من الدول المتنازعة كان سيخلّ بشدة بموازين القوة الأوروبية. بناء عليه، دخلت القوى الأوروبية الكبرى، بما فيها إنكلترا، في صراع مرير استغرق 13 عاماً لمنع أي طرفٍ من الظفر بإسبانيا. خلال هذه الفترة، تغيرت التحالفات مرات عديدة، حتى لم تبق قوتان في أوروبا إلا وتحالفتا ضد ثالثةٍ، قبل أن تعودا إلى الاقتتال من جديد. انتهت الحرب باتفاقية راشتات عام 1714، بتقسيم ممتلكات إسبانيا بين المتنازعين، حفاظاً على موازين القوى الأوروبية.
يشبه موقع سورية في موازين القوى الإقليمية موقع إسبانيا في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، ليست مهمةً بحد ذاتها، لكنها تغدو مهمةً جداً بتحالفها مع غيرها. لهذا السبب تحديداً، لم يكن ممكناً تصور أن يندلع صراعٌ على حكم سورية، من دون أن يتحوّل إلى صراع إقليمي، لكن المفاجأة كانت في تحوله إلى صراع دولي أيضاً. ونظراً لأهميتها وحجم الاستثمارات التي ضخها الجميع فيها، غيّرت الأزمة السورية التحالفات الإقليمية والدولية مرات عدة خلال السنوات الست الماضية، وتوشك أن تعيد خلطها اليوم من جديد، من دون ضمانةٍ بأننا وصلنا إلى خط النهاية.
مع بداية الأزمة، كان النظام السوري يتمتع بشبكة تحالفاتٍ إقليمية واسعة، أفسدها بدموية تعاطيه مع الحركة الاحتجاجية، فحوّل أقرب حلفائه خصوماً. خلال هذه الفترة، بدأت تختفي الخطوط الفاصلة بين ما كان يسمى محور الممانعة ومحور الاعتدال، لتظهر تحالفاتٌ جديدةُ جوهرها الموقف من التغيير والثورات العربية. وفيما كان موقف بعض الدول من قضية التغيير واضحاً منذ البداية، ناست دولٌ أخرى بين المحورين، فكانت إيران في المحور الداعم للثورات في تونس ومصر والبحرين وحتى في ليبيا، على الرغم من تحفظها على التدخل الغربي، إلى أن بلغ المد سورية، فنكصت على عقبيها. السعودية التي قادت معسكر الثورة المضادة، وقفت ضد الثورة في المبدأ، إلى أن بلغت سورية، فوقفت معها لاحتواء إيران.
ظهرت للاستقطابات الإقليمية حول المسألة السورية امتدادات دولية، وهذه ظاهرةٌ نادرة، لكنها ليست فريدةً في العلاقات الدولية (أن تتشكل محاور وتحالفات دولية انطلاقا من صراعات إقليمية أو محلية)، فوقفت الولايات المتحدة إلى جانب ثورات الربيع العربي حتى سبتمبر/ أيلول 2012، حين تم اقتحام سفارتها في بنغازي وقتل سفيرها فيها، لتأخذ موقفاً متحفظاً، أو أقرب حتى إلى معسكر الثورة المضادة. أما روسيا، ومعها الصين، فقد وقفت بالمبدأ ضد الثورة، وكانت الأكثر اتساقاً في مواقفها.
ومع احتدام الصراع، دخلت روسيا في علاقة تحالفية مع إيران، لمنع تركيا ودول الخليج العربية من الظفر بسورية التي لم تبد مهمة للأميركان. لكن، وبعد صراعٍ مرير تخلله احتكاك عسكري مباشر، حقّقت تركيا وروسيا تقارباً أقلق الإيرانيين، كما اتضح في اتفاقي حلب وأنقرة. أما السعودية فلم تبد مستاءة من تنامي النفوذ الروسي في سورية، إذا كان يتم على حساب النفوذ الإيراني.
مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، توشك سورية أن تخلط التحالفات من جديد، إذ يتوقع الرئيس الأميركي المقبل من نظيره الروسي أن يساعده في احتواء النفوذين، الإيراني في الشرق الأوسط، والصيني في شرق آسيا، وهو أمر قد لا يجد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غضاضةً في فعله، إذا تمكن ترامب من التغلب على مقاومة "الاستبلشمنت" في واشنطن لتقارب روسي-أميركي، لكن هذا سيعني، في المقابل، تقارباً أكبر بين الصين وإيران. كل هذه وأكثر قد يحدث بانتظار "راشتات" سورية، يتوافق فيها الجميع على بقائها دولةً "واحدةً حرّة مستقلة، ومحايدةً في علاقتها بالقوى المتنافسة".
لم تكن إسبانيا دولة مهمة، أو قوة معتبرة في ذلك الوقت، لكن انضمامها إلى أي من الدول المتنازعة كان سيخلّ بشدة بموازين القوة الأوروبية. بناء عليه، دخلت القوى الأوروبية الكبرى، بما فيها إنكلترا، في صراع مرير استغرق 13 عاماً لمنع أي طرفٍ من الظفر بإسبانيا. خلال هذه الفترة، تغيرت التحالفات مرات عديدة، حتى لم تبق قوتان في أوروبا إلا وتحالفتا ضد ثالثةٍ، قبل أن تعودا إلى الاقتتال من جديد. انتهت الحرب باتفاقية راشتات عام 1714، بتقسيم ممتلكات إسبانيا بين المتنازعين، حفاظاً على موازين القوى الأوروبية.
يشبه موقع سورية في موازين القوى الإقليمية موقع إسبانيا في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، ليست مهمةً بحد ذاتها، لكنها تغدو مهمةً جداً بتحالفها مع غيرها. لهذا السبب تحديداً، لم يكن ممكناً تصور أن يندلع صراعٌ على حكم سورية، من دون أن يتحوّل إلى صراع إقليمي، لكن المفاجأة كانت في تحوله إلى صراع دولي أيضاً. ونظراً لأهميتها وحجم الاستثمارات التي ضخها الجميع فيها، غيّرت الأزمة السورية التحالفات الإقليمية والدولية مرات عدة خلال السنوات الست الماضية، وتوشك أن تعيد خلطها اليوم من جديد، من دون ضمانةٍ بأننا وصلنا إلى خط النهاية.
مع بداية الأزمة، كان النظام السوري يتمتع بشبكة تحالفاتٍ إقليمية واسعة، أفسدها بدموية تعاطيه مع الحركة الاحتجاجية، فحوّل أقرب حلفائه خصوماً. خلال هذه الفترة، بدأت تختفي الخطوط الفاصلة بين ما كان يسمى محور الممانعة ومحور الاعتدال، لتظهر تحالفاتٌ جديدةُ جوهرها الموقف من التغيير والثورات العربية. وفيما كان موقف بعض الدول من قضية التغيير واضحاً منذ البداية، ناست دولٌ أخرى بين المحورين، فكانت إيران في المحور الداعم للثورات في تونس ومصر والبحرين وحتى في ليبيا، على الرغم من تحفظها على التدخل الغربي، إلى أن بلغ المد سورية، فنكصت على عقبيها. السعودية التي قادت معسكر الثورة المضادة، وقفت ضد الثورة في المبدأ، إلى أن بلغت سورية، فوقفت معها لاحتواء إيران.
ظهرت للاستقطابات الإقليمية حول المسألة السورية امتدادات دولية، وهذه ظاهرةٌ نادرة، لكنها ليست فريدةً في العلاقات الدولية (أن تتشكل محاور وتحالفات دولية انطلاقا من صراعات إقليمية أو محلية)، فوقفت الولايات المتحدة إلى جانب ثورات الربيع العربي حتى سبتمبر/ أيلول 2012، حين تم اقتحام سفارتها في بنغازي وقتل سفيرها فيها، لتأخذ موقفاً متحفظاً، أو أقرب حتى إلى معسكر الثورة المضادة. أما روسيا، ومعها الصين، فقد وقفت بالمبدأ ضد الثورة، وكانت الأكثر اتساقاً في مواقفها.
ومع احتدام الصراع، دخلت روسيا في علاقة تحالفية مع إيران، لمنع تركيا ودول الخليج العربية من الظفر بسورية التي لم تبد مهمة للأميركان. لكن، وبعد صراعٍ مرير تخلله احتكاك عسكري مباشر، حقّقت تركيا وروسيا تقارباً أقلق الإيرانيين، كما اتضح في اتفاقي حلب وأنقرة. أما السعودية فلم تبد مستاءة من تنامي النفوذ الروسي في سورية، إذا كان يتم على حساب النفوذ الإيراني.
مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، توشك سورية أن تخلط التحالفات من جديد، إذ يتوقع الرئيس الأميركي المقبل من نظيره الروسي أن يساعده في احتواء النفوذين، الإيراني في الشرق الأوسط، والصيني في شرق آسيا، وهو أمر قد لا يجد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غضاضةً في فعله، إذا تمكن ترامب من التغلب على مقاومة "الاستبلشمنت" في واشنطن لتقارب روسي-أميركي، لكن هذا سيعني، في المقابل، تقارباً أكبر بين الصين وإيران. كل هذه وأكثر قد يحدث بانتظار "راشتات" سورية، يتوافق فيها الجميع على بقائها دولةً "واحدةً حرّة مستقلة، ومحايدةً في علاقتها بالقوى المتنافسة".