الأوطان راحةً للمتعبين

03 يناير 2016
+ الخط -
ربط الحزام/ ولم يعد في قلبه إلا الحنين/ للعدل يحيي أرضه فيعود كل الغائبين/ هل كانت الأوطان إلا راحةً للمتعبين؟.
هكذا تغنّى المنشد المبدع رامي محمد في أنشودته الرائعة "ألمٌ طار"، ويصف فيها حال المغتربين والمهاجرين الذين اضطروا لترك أوطانهم، ويرسم بكلماته الموجعة تصارع المشاعر داخلهم بين حب بلدانهم، واشتياقهم للبقاء فيها، وبين اضطرارهم للخروج منها، وهي كلماتٌ تنكأ جراحاً وتحيي مشاعر يجتهد أمثالنا من المغتربين في دفنها.
لي صديق مصري عزيز، هاجر إلى أميركا طلباً لحياةٍ إنسانية كريمة، لم يجدها في وطنه، وشق طريقه، وتبوأ مركزاً علمياً مرموقاً هناك، ثم نزل مصر في إجازةٍ بعد طول غياب، وعند عودته، بدا لي أن أرسل له هذه المقطوعة، لنتذكّر مشاعر هذه المرحلة، فرد علي صاحبي أن الكلمات رائعة بحق، لكنها، للأسف، لم تكن مشاعره في أثناء رحلة العودة، بل إنه لما نقب في حقيقة مشاعره حينها، فاجأه إحساسه بالراحة والاشتياق للعودة إلى الحياة المنظمة المرتبة في المهجر، وأنه لولا ارتباطه بأهله في مصر وافتقاده لهم، لربما آثر البقاء أغلب وقته في الخارج.
وعندما تطالع طوابير الراغبين في السفر والهجرة أمام السفارات، تدرك بجلاء حقيقة أن كثيراً من أوطاننا العربية صارت، للأسف، طاردةً أبناءها بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية والسياسية. وقد تضاعف هذا التدهور بعد انتكاسات الربيع العربي. ونذكر، مثلاً، كيف كان مصريون كثيرون ممن قضوا سنوات طويلةً في الغربة يفكرون بجدية بعد ثورة يناير 2011 أن يتخذوا قرارا العودة إلى بلدهم، اعتقاداً في تحسن الأحوال في المستقبل القريب، ورغبةً في المساهمة في بناء نهضة بلدهم الوشيكة، كما اعتقدوا، لكنّ الحقيقة المفزعة تجلّت بوضوح، هي أن الأوضاع تدهورت بعنف بسبب تآمر الثورات المضادة وانتقامها من الشعوب التي ثارت على الظلم والفساد، وتواطأت مؤسسات الدولة العميقة على إفشال تجارب ما بعد الثورات، وعادت طوابير الراغبين في الفرار من أوطانهم إلى التراكم، بعد ما فقدوا كل أمل في رؤية نهضة قريبة.
ولعل من آثار انتكاسات الربيع العربي الكارثية فقدان جيل من الشباب للأمل والانتماء والوطنية. وإذا تساءلنا: كيف المخرج من هذه الدائرة المغلقة؟ لن نعجز أن نقرر أن الحل الوحيد وجود نظام عادل يحارب الفساد بكل ضراوة، وكفء يملك تخطيطاً دقيقاً للمستقبل، وهي شروط ليست مستحيلة، فقد تحققت في دول عديدة معاصرة، بدأت في ظروف أسوأ منا، لكن هذه المتطلبات لن تتحقق إلا باستكمال الثورات المنكسرة. وحتى هذا الحين، يحق أن نتساءل: هل مازالت الأوطان حقاً راحةً للمتعبين؟
avata
avata
أحمد سليمان (مصر)
أحمد سليمان (مصر)