الأوسكار.. أن تكون محامي الملاك

27 فبراير 2017
(لقطة من "مونلايت")
+ الخط -

قبل يومين من إعلان أكاديمية فنون وعلوم السينما (أوسكار) عن الأفلام الفائزة بجائزة دورتها التاسعة والثمانين لهذا العام، كتبت الصحافية بيا سنها روي، مقالًا لوكالة رويترز للأنباء تحدثت فيه عن قضية العرقية، التي لا تزال تخيّم على هوليوود رغم ترشيح الملوّنين للجائزة.

سنها روي قالت في مقالها إن أوسكار نالت الثناء هذا العام لأنها "حققت تقدّمًا في ما يتعلق بالتنوع العرقي بعد عامين وُصفت جوائزها بالـ (بيضاء للغاية)". تنقل الكاتبة عن دارنيل هانت، المسؤول عن كتابة التقرير السنوي عن هوليوود والتنوع فيها لصالح جامعة كاليفورنيا قوله: "إن فيلمًا مثل (مونلايت - الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم هذا العام) الذي يناقش صراع صبي أسود لمعرفة هويته الجنسية لم يكن ليُصنع قط في الماضي، ولا أن يرشح بالتأكيد للأوسكار"، في إشارة إلى أن الأيام المقبلة (حفل توزيع الجوائز) ستشهد وضعًا مختلفًا. يضيف هانت -حسب الكاتبة - أنه "سيكون الوضع الأمثل بالطبع أن نحقق الهدفين معاً، كأن يكون فيلم لا لا لاند من بطولة ممثل أسود".

في تاريخ الأوسكار الممتد منذ 89 عامًا، كان الفضل في فوز الممثلين ذوي البشرة السوداء جميعًا تقريبًا بالجائزة السينمائية الكبرى في هوليوود يعود لأدائهم شخصيات تدور حول فكرة العرق، ولم تتخطَّ ترشيحات هذا العام ولا جوائزه الخط العام لهوليوود، وإنما ازدادت حذلقة على حذلقتها.

ففي محاولة منها (هوليوود) لتحسين صورتها، عمدت إلى منح الجائزة لأفلام تناقش قضايا العرقية بشكل منصب حتى أخمص قدميه أكثر من أي وقت مضى، إضافة إلى أن اختيارها فيلم "البائع" للمخرج الإيراني، أصغر فرهادي، لنيل جائزة أفضل فيلم أجنبي على حساب الأفلام الأجنبية الأخرى المرشحة شكّل استثناءً على كافة الصعد. كل هذا يأخذنا إلى أن جائزة هذا العام ممنوحة من قبل سياسيين ومحاضرين في علم الاجتماع أكثر منهم فنانين.

يقول ابن المقفع إن "إثبات التواضع كبرياء".. المرحلة الحالية من تولي ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، وتصاعد خطاب الكراهية، والتنطّع لقضايا العرق والدين، ومظاهرات المثلية الجنسية، وسعي المثقفين والفنانين هنا وهناك إلى الاستعاضة بمناهضتها، على الحديث عن أعمالهم الفنية - كما في خطاب ميريل ستريب في جوائز الغولدن غلوب هذا العام الذي ركز على توجيه الكلام للرئيس الأمريكي المنتخب - جميعها تستدعي وتتطلب أن يفوز فيلم "مونلايت" (أبطاله ذوو بشرة سوداء، ويتحدث عن الهوية الجنسية) بالجائزة؛ درءاً للاشتباه، وفيلم "البائع" لأصغر فرهادي، الذي لم يحضر الحفل مؤازرةً لمواطنيه الذين منعهم قانون حظر الدخول الذي أقره الرئيس الأميركي ترامب مؤخرًا بجائزة أفضل فيلم أجنبي.

أكاديمية فنون وعلوم السينما وقعت حرفيًا في ما تخشاه؛ فبدلًا من أن تُعطى الجائزة لفيلم أكثر استحقاقًا كـ "لالا لاند" على سبيل المثال، وElle دون النظر إلى بشرة الممثل أو المخرج، تم منحها لـ "مونلايت" عينك عينك! أستذكر الآن قول هانت في مقدمة المقال: "سيكون الوضع الأمثل بالطبع أن نحقق الهدفين معًا، كأن يكون فيلم (لالا لاند) من بطولة ممثل أسود"، وكأنه قال: "آه لو كان أبطال فيلم (لالا لاند) من ذوي البشرة السوداء، لكان ضرب عصفورين بحجر".

بهذه الطريقة، ترى هوليوود أنها غير عنصرية أبدًا، إلا أنها في الحقيقة وقعت في ما تحاشته، كمن يقع في عنصريته في الوقت الذي يدافع فيه عن "الآخرين"، وكمن يجد نفسه يمجّد الرجل في الوقت الذي يعمل فيه على الدفاع عن حقوق المرأة، وكمن يحاول إثبات لاطائفيته في حين يبدو إثبات لاطائفيةِ قضيةٍ ما.. طائفيةً؛ وهكذا تدخل امتدادات القياس مَدخل تقديس الشر من أوسع أبوابه، ولا يبقى للون الأبيض أية قيمة من هذا المنطلق، إلا بفضل نقيضه الأسود.

فَوز "مونلايت" بجائزة أفضل فيلم للعام 2017 لم يكن مفاجأة، إنما هو ضرورة من ضرورات المرحلة، كما هو الحال مع الجوائز المقدمة لوثائقيات تناصر قضايا شعب ما سياسيًا.

أضف إلى ذلك أنني البارحة صوّتُّ في مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لصالح فيلم "زوتوبيا" عن فئة الإنيميشن، علمًا بأنني لم أشاهده، وإنما قرأت مقالًا كان يتحدث عن أنه الفيلم الأكثر تركيزًا على قضية التنوع العرقي من بين الأفلام المرشحة لجوائز أوسكار هذا العام، ولتناوله غير المباشر لقضايا النوع والانقسامات العرقية.. لقد فاز الفيلم بالجائزة على أية حال.

أوسكار 2017 سياسية وليست فنية، وهي قبيحة أكثر من أي وقت مضى. يقول تولستوي: "السياسي غير منسجم مع الفنّي، لأنه (السياسي) من أجل أن يبرهن، يتعيّن عليه أن يكون أحاديَّ الجانب، ومتحيزًا".

المساهمون