01 أكتوبر 2022
الأنظمة الفاشلة لا تسقط تلقائياً
بين قمة اليأس وقمة الأمل يتأرجحون. قبل عام، كان ناشط مصري يقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيبقى ثلاثين عاماً، مثل حسني مبارك، لأن "شعب العبيد" يحبه، ثم هو نفسه الآن يتحول إلى النقيض، فأصبح يرى سقوط السيسي محسوماً، مجرد مسألة وقت، لأنه لا يمكن أن يستمر البلد في هذا الوضع.
إليك المفاجأة: يمكن أن تستمر الأنظمة طويلاً في أوضاع أسوأ بكثير. عمر البشير يحكم السودان منذ 1989، وقد أتى بانقلاب على حكومة ديموقراطية، وخرّب كل شيء في الدولة، حتى فقد نصف أرضها بانفصال الجنوب، وحوصر نظامه وشخصه دولياً، وعلى الرغم من ذلك، ما زال يلوح بعصاه، مهدّداً قوى الاستعمار.
الحال نفسه عند رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، الذي وصل إلى الرئاسة عام 1987، ودمرت سياساته بلاده، ووصلت معدلات التضخم الخيالية إلى مستوى أن يحمل المواطنون حقائب ممتلئة بالأموال، لشراء مستلزمات المنزل، وذلك قبل أن يتم وقف العملة الوطنية، ليصبح التعامل بالدولار أو بعملة جنوب أفريقيا. أخيراً، صرح موغابي، البالغ 92 عاماً، بأنه سيبقى في منصبه حتى يبلغ 100 عام.
في كوريا الشمالية، تم توريث الحكم إلى الطفل المعتوه كيم جونغ أون الذي نصح شعبه، أخيراً، بتناول لحوم الكلاب للتغلب على الجوع. وفي أذربيجان، تم توريث الحكم بنجاح من الرئيس حيدر عالييف الذي حكم ثلاثين عاماً إلى ابنه إلهام. وفي الجزائر، ما زال عبدالعزيز بوتفليقة يحكم البلاد (أو لا يحكمها!) من على كرسيه المتحرك. وما زال بشار الأسد باقياً على عرش سورية، أو ما تبقى منها، ما زال يخطب في مجلس نوابه، ويشرف على بيروقراطية وزاراته، وما زالت زوجته توزع الهدايا وتلتقط الصور الأنيقة. حكى لي صديق سوري أنه شارك في المظاهرات في العام 2011، واثقاً من أن النظام سيسقط خلال أسابيع. ثم بعد بدء التسلح كان على يقين من سقوطه خلال أشهر. لم يتوقع أن الاعتمادات الإيرانية والروسية ستكون مفتوحة إلى هذا الحد، العوامل الخارجية هنا تتجاوز العوامل الداخلية.
تؤكد هذه النماذج وغيرها أنه لا يمكن القفز من مقدمات الأوضاع المتدهورة إلى نتائج سياسية مباشرة، يمكن أن ينهار الاقتصاد والأمن، ويغضب الشعب، وتملأ الشتائم مواقع التواصل الاجتماعي. لكن، لن تكون النتيجة بالضرورة أن يحدث التغيير.
تحتاج النتائج السياسية إلى مقدمات سياسية، والتي تشمل طيفاً متنوعاً من وسائل الضغط، وكذلك وسائل امتلاك القوة التنظيمية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والسياسية، وذلك للوصول إلى طيفٍ واسع من سيناريوهات التغيير، يمتد من الثورة الشاملة وحتى الإصلاح الجزئي من داخل النظام.
لدينا عشرات النماذج للتحول الديمقراطي في أميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية وأفريقيا. قد يكون التغيير أحمر على جثث الآلاف، وقد يكون أبيض تماماً، وقد يُحاكم الجناة أو لا يُحاكمون إطلاقاً. المشهد الدرامي للملايين يُسقطون الدكتاتور لم يكن قاسماً مشتركاً، بعضهم سقط باستفتاء أو تفاوض أو بالبرلمان. لا وصفة جاهزة، وليس ثمة دولتان متطابقتان. ولكن، دائماً هناك تفاعلات معقدة وطويلة، وتحتمل المفاوضات والتحالفات والتنازلات.
كان بعض الرفاق يردّدون بثقةٍ أنه لا خوف من عودة الاستبداد بعد الثورة، لأن "الميدان موجود"، كما كان لدى بعضهم يقين عجيب بأنهم آمنون من القمع، حتى بعد أن شاهدوا مئات المتظاهرين يُقتلون بالرصاص. كان أحدهم يتحدث، وهو جالس في مقهى، وكأنه يقود الدبابات بنفسه، وكأنه قادرٌ على سحق "الإخوان المسلمين" فقط، ثم سيُصدر أمراً بعودة الديمقراطية والحريات. يقين لا يستند لأي موازين قوى أو منطق.
بعد أن تهاوى اليقين الزائف عدة مرات، لم يعد منطقياً أن يتكرّر أسلوب التحليل السياسي بالتمني، أو معاملة السياسة بحسابات العواطف، وحماسة الشعارات أو المشاهد الدرامية. لا يقين بالنصر أو بالهزيمة، ولكن أمل عاقل ينبني عليه سعيٌ بإمكانات اللحظة، وبحسابات موازين القوى الداخلية والخارجية. الغضب من دون أدوات السياسة لن ينتهي بتغيير، حتى لو وصل سعر كيلو الأرز إلى مائة جنيه.
إليك المفاجأة: يمكن أن تستمر الأنظمة طويلاً في أوضاع أسوأ بكثير. عمر البشير يحكم السودان منذ 1989، وقد أتى بانقلاب على حكومة ديموقراطية، وخرّب كل شيء في الدولة، حتى فقد نصف أرضها بانفصال الجنوب، وحوصر نظامه وشخصه دولياً، وعلى الرغم من ذلك، ما زال يلوح بعصاه، مهدّداً قوى الاستعمار.
الحال نفسه عند رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، الذي وصل إلى الرئاسة عام 1987، ودمرت سياساته بلاده، ووصلت معدلات التضخم الخيالية إلى مستوى أن يحمل المواطنون حقائب ممتلئة بالأموال، لشراء مستلزمات المنزل، وذلك قبل أن يتم وقف العملة الوطنية، ليصبح التعامل بالدولار أو بعملة جنوب أفريقيا. أخيراً، صرح موغابي، البالغ 92 عاماً، بأنه سيبقى في منصبه حتى يبلغ 100 عام.
في كوريا الشمالية، تم توريث الحكم إلى الطفل المعتوه كيم جونغ أون الذي نصح شعبه، أخيراً، بتناول لحوم الكلاب للتغلب على الجوع. وفي أذربيجان، تم توريث الحكم بنجاح من الرئيس حيدر عالييف الذي حكم ثلاثين عاماً إلى ابنه إلهام. وفي الجزائر، ما زال عبدالعزيز بوتفليقة يحكم البلاد (أو لا يحكمها!) من على كرسيه المتحرك. وما زال بشار الأسد باقياً على عرش سورية، أو ما تبقى منها، ما زال يخطب في مجلس نوابه، ويشرف على بيروقراطية وزاراته، وما زالت زوجته توزع الهدايا وتلتقط الصور الأنيقة. حكى لي صديق سوري أنه شارك في المظاهرات في العام 2011، واثقاً من أن النظام سيسقط خلال أسابيع. ثم بعد بدء التسلح كان على يقين من سقوطه خلال أشهر. لم يتوقع أن الاعتمادات الإيرانية والروسية ستكون مفتوحة إلى هذا الحد، العوامل الخارجية هنا تتجاوز العوامل الداخلية.
تؤكد هذه النماذج وغيرها أنه لا يمكن القفز من مقدمات الأوضاع المتدهورة إلى نتائج سياسية مباشرة، يمكن أن ينهار الاقتصاد والأمن، ويغضب الشعب، وتملأ الشتائم مواقع التواصل الاجتماعي. لكن، لن تكون النتيجة بالضرورة أن يحدث التغيير.
تحتاج النتائج السياسية إلى مقدمات سياسية، والتي تشمل طيفاً متنوعاً من وسائل الضغط، وكذلك وسائل امتلاك القوة التنظيمية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والسياسية، وذلك للوصول إلى طيفٍ واسع من سيناريوهات التغيير، يمتد من الثورة الشاملة وحتى الإصلاح الجزئي من داخل النظام.
لدينا عشرات النماذج للتحول الديمقراطي في أميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية وأفريقيا. قد يكون التغيير أحمر على جثث الآلاف، وقد يكون أبيض تماماً، وقد يُحاكم الجناة أو لا يُحاكمون إطلاقاً. المشهد الدرامي للملايين يُسقطون الدكتاتور لم يكن قاسماً مشتركاً، بعضهم سقط باستفتاء أو تفاوض أو بالبرلمان. لا وصفة جاهزة، وليس ثمة دولتان متطابقتان. ولكن، دائماً هناك تفاعلات معقدة وطويلة، وتحتمل المفاوضات والتحالفات والتنازلات.
كان بعض الرفاق يردّدون بثقةٍ أنه لا خوف من عودة الاستبداد بعد الثورة، لأن "الميدان موجود"، كما كان لدى بعضهم يقين عجيب بأنهم آمنون من القمع، حتى بعد أن شاهدوا مئات المتظاهرين يُقتلون بالرصاص. كان أحدهم يتحدث، وهو جالس في مقهى، وكأنه يقود الدبابات بنفسه، وكأنه قادرٌ على سحق "الإخوان المسلمين" فقط، ثم سيُصدر أمراً بعودة الديمقراطية والحريات. يقين لا يستند لأي موازين قوى أو منطق.
بعد أن تهاوى اليقين الزائف عدة مرات، لم يعد منطقياً أن يتكرّر أسلوب التحليل السياسي بالتمني، أو معاملة السياسة بحسابات العواطف، وحماسة الشعارات أو المشاهد الدرامية. لا يقين بالنصر أو بالهزيمة، ولكن أمل عاقل ينبني عليه سعيٌ بإمكانات اللحظة، وبحسابات موازين القوى الداخلية والخارجية. الغضب من دون أدوات السياسة لن ينتهي بتغيير، حتى لو وصل سعر كيلو الأرز إلى مائة جنيه.