ثارت مخاوف في الأوساط الاقتصادية السودانية من التداعيات السلبية المترتبة على الدعم المقدم من السعودية والإمارات، إذ يؤكد خبراء اقتصاد، لـ"العربي الجديد"، أن المساعدات لها أهداف سياسية، أبرزها وقف الاحتجاجات، والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. في حين يرى آخرون أن التعافي الاقتصادي غير ممكن من دون دعم عربي وخليجي، ولكنهم راهنوا على عدم الرضوخ للدعم الخارجي، والتوجه نحو الاعتماد على الإنتاج والموارد المحلية.
وأعلنت السعودية والإمارات حزمة مساعدات مالية، يصل إجماليها إلى ثلاثة مليارات دولار، منها 500 مليون دولار مقدمة من البلدين كوديعة في البنك المركزي السوداني. وكانت الأزمات المعيشية هي السبب الرئيسي في اندلاع الاحتجاجات الساخطة، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي أدت إلى إطاحة الرئيس السابق عمر البشير وعدد من رموز نظامه.
وقال الخبير الاقتصادي طه حسين لـ"العربي الجديد" إن ضخ الأموال السعودية الإماراتية في السودان إثر إسقاط نظام البشير يصفه محتجون في الشارع بالمؤامرة، ومحاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد عبر هذه المساعدات. وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد التقى، الثلاثاء الماضي، في العاصمة الخرطوم، وفدا سعودياً إماراتياً مشتركاً رفيع المستوي. وأبلغ الوفد البرهان، رسالة شفهية تضمنت استعدادهما لدعم ومساندة السودان وشعبه "في هذه المرحلة التاريخية المهمة". وتساءل الخبير الاقتصادي عبد الله محمود، لماذا تقدمت الدولتان الخليجيتان بدعم اقتصادي في هذه اللحظة؟ مشيراً إلى دخول البلاد، خلال مدة طويلة، في ضائقة اقتصادية صعبة، لم تقدم خلالها هاتان الدولتان الدعم بالصورة المطلوبة. وأرجع خطوة السعودية والإمارات إلى تخوّف الخليج من ثورات الربيع العربي، خاصة في السودان، والتي اقتلعت نظاماً دام ثلاثين عاماً، مشيراً إلى أن الدعم جزء من الاحتواء في المرحلة المقبلة، حسب تعبيره.
وفي السياق، حذّر الأكاديمي في جامعة الخرطوم، إبراهيم أونور، من دخول هذه المنحة للبلاد، قائلاً إن استلامها يثير مخاوف سياسية بسبب عدم رغبة الإمارات والسعودية في سيادة الديمقراطية في العالم العربي. وشدّد أونور، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على عدم وجود مساعدات مالية من دون مقابل، محذراً من تأجيج المساعدات والتدخل في الشؤون الداخلية بالاضطرابات والصراعات في السودان خلال الفترة المقبلة.
وأعرب أونور عن قلقه من خلق هذه الدول أقطابا سياسية متصارعة داخل الحكومة، إلا أنه لفت إلى أثر المنحة الإيجابي على الاقتصاد، مشيرا إلى أنها تقلل من الارتفاع الكبير في الدولار بالسوق الموازي، والذي يشهد انخفاضا مضطردا هذه الفترة لخانة 43 جنيها، مقابل أكثر من 80 جنيها في السابق.
في المقابل، دعا المحلل الاقتصادي هيثم فتحي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى توظيف المساعدات المالية للدولتين الخليجيتين في دعم سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، بالإضافة إلى تنشيط الاقتصاد، والتخفيف من الأعباء التي عاشها المواطن في الفترة السابقة، وإعادة ثقة المستثمرين، ودعم سد العجز في الميزانية العامة. وأشار فتحي إلى أثرها الإيجابي على أسواق العملات والوقود والقطاعات الاقتصادية.
وأكد المحلل المصرفي محمد عبد الرحمن أبوشورة، لـ"العربي الجديد"، أن المنحة ستؤثر إيجابا على الوضع الحالي وتقلل العجز في ميزان المدفوعات، والذي يبلغ نحو 6 مليارات دولار حاليا، وتخفف في المقابل الضغط على سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأخرى، فضلا عن تغطيتها احتياجات البلاد من الوقود والغذاء. مبررا تأخير إعلان الدولتين عن المنحة إلى الفترة التي أعقبت إطاحة البشير مباشرة، لتحفظ الدولتين على النظام السابق، مع أن تلك الفرضية لا تثبتها معطيات كثيرة تفيد بأن الرئيس المخلوع عمر البشير لم يكن بعيداً عن المحور الإماراتي ـ السعودي في العديد من الملفات الإقليمية.
ويرى الاقتصادي التوم إبراهيم، في الدعم السعودي - الإماراتي مخرجاً من الأزمة الراهنة، ولو لفترة محدودة، إلى حين ترتيب الأوضاع. وقال إبراهيم لـ"العربي الجديد": يبدو أن السودان موعود بتحوّل جديد في علاقاته الخارجية، لكنه يشترط في ذلك تبادل المصالح.
وتوقّع تجار العملة في السوق الموازي استمرار انخفاض الدولار بعد وصول المنحة للبلاد، وأشاروا إلى احتمالات انخفاضه إلى أكثر من ذلك، حال استمرار ضخ النقد الأجنبي وتزايد كميات المعروض منه في السوق، مقابل تراجع الطلب عليه. ويقول متعاملون في السوق الموازي، إن الارتباك سيّد الموقف، عقب تدابير اتخذها المجلس العسكري، بالإفصاح الفوري عن رصيد العملات الأجنبية في المصارف، ووقف التعامل بحسابات الوحدات الحكومية السابقة لدى المصارف.