الأموال الساخنة تغادر مصر

30 يوليو 2018
وزير المالية المصري يعلن خروج 5.6 مليار دولار( تويتر)
+ الخط -


يوم الخميس الماضي، قال وزير المالية المصري محمد معيط، في إطار تعليقه على أرقام موازنة العام المالي المنتهي 2017-2018، إن استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المحلية بلغت 17.5 مليار دولار بنهاية شهر يونيو/حزيران الماضي مقابل 23.1 مليار دولار بنهاية شهر مارس/آذار الماضي.

كلام الوزير يعني أن نحو 25% من استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية فرت من البلاد خلال 3 شهور فقط هي إبريل/نيسان ومايو/أيار ويونيو، وأن نحو 5.6 مليارات دولار أموالاً ساخنة مملوكة لمستثمرين أجانب خرجت في 90 يوماً، وأن نحو مليارَي دولار خرجت خلال شهر إبريل فقط.

التوقعات تشير إلى أن نزوح الأموال الساخنة من مصر وغيرها من الأسواق الناشئة سيتواصل خلال الفترة المقبلة، بخاصة مع الزيادة المتوقعة في سعر الفائدة على الدولار من قبل البنك المركزي الأميركي، وهو ما يعني زيادة جاذبية الأسواق الأميركية لأموال صناديق الاستثمار وكبار المستثمرين الدوليين.

كما أن قيام البنك المركزي المصري بخفض سعر الفائدة على الودائع بالعملة المحلية مع تراجع معدل التضخم ورغبة البنك في خفض أعباء الدين العام يمكن أن يدفع في هذا الاتجاه، خاصة وأن أسواقا ناشئة أخرى، منها الأرجنتين، تدفع للمستثمرين الأجانب أسعار فائدة تبلغ 40% سنوياً، أي أكثر من ضعفي ما تدفعه مصر من أسعار فائدة على عملتها المحلية .

قبل شهور، لو أن شخصا نطق بالأرقام الواردة على لسان وزير المالية المصري والمتعلقة بهروب أموال واستثمارات الأجانب الساخنة المستثمرة في الأذون والسندات، أو حتى لمّح إليها من قريب أو بعيد، لأتهم على الفور بتشويه صورة الاقتصاد المصري والعمل على إجهاض "معجزة" البلاد الاقتصادية والمساعدة في نشر شائعات مغرضة، أما وأن تصدر هذه الأرقام وفي هذا التوقيت على لسان المسؤول الأول عن رسم السياسة المالية فلا مجال هنا لتكذيبها.


"الأموال الساخنة خطر فاحذروه، أو على الأقل تفادوا مخاطره الشديدة"، هذا ما قلته في مقالات سابقة آخرها ما نشر يوم 22 مايو الماضي إثر خروج ملياري دولار من مصر وتوجه معظم الأموال الفارة نحو الأرجنتين.

فهذه الأموال تبحث عن الأرباح السريعة والعائدات الضخمة واقتناص الفرص، كما تحرص على وجود ضمانة حكومية لهذه الأموال في حال خروجها من البلاد حتى تضمن درجة أقل من المخاطر، وإذا ما فقد أحد الأسواق هذه المزايا أو بعضها، فإن الأموال تفر منها لأسواق أخرى أكثر ربحية حتى ولو كانت الأسواق الجديدة عالية المخاطر.

ولذا، فإن على حكومات الدول الناشئة ألا تتفاخر دوماً بهذه الأموال الساخنة أو باستثمارات الأجانب المتدفقة على أدوات الاستثمار السريعة والعالية العائد ومنها أذون الخزانة كما فعلت الحكومة المصرية منذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في نهاية عام 2016.

وألا تعتبر الحكومات زيادة هذه النوعية من الأموال في البلاد نجاحا لها، لأن الاستثمارات الساخنة التي تتحرك من سوق لأخرى بشكل سريع خطر على سوق الصرف والعملة المحلية والاحتياطي الأجنبي، ولا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد، ولا تخلق فرص عمل، بل تسبب اضطرابات للعملة وتضعفها كما حدث في مصر خلال الشهور الماضية.

ففي الوقت الذي كان فيه البعض يبشر المصريين بتراجع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري ليصل إلى 16 جنيها للدولار كان لسوق الصرف رأي آخر إذ ارتفعت العملة الأميركية لتقترب من 18 جنيهاً.

على الحكومة المصرية أن تراهن على الاستثمارات المباشرة التي توجه لمشروعات إنتاجية تفيد الاقتصاد وسوق العمل والصادرات الخارجية، وألا تراهن على الأموال الساخنة التي تغادر البلاد بين ليلة وضحاها.

دلالات