الأموال الإيرانية المجمدة... جبهة صراع بين طهران وواشنطن على عشرات مليارات الدولارات

18 فبراير 2019
الاقتصاد الإيراني يدفع ثمن العقوبات وتجميد الأموال (فرانس برس)
+ الخط -
الباحث عن أموال إيران المجمّدة في الخارج يكاد يعجز عن حصرها، نظراً لتضارب الأرقام بحسب مصادرها، وعدم إمكان التأكد مما أُفرج عنه منها بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية والدولية، إثر الاتفاق النووي في 2 إبريل/ نيسان 2015، وما بقي محتجزاً مع إعادة واشنطن فرض عقوباتها أواخر عام 2018.

المخاض الأكثر عُسراً بالنسبة لإيران كان، ولا يزال مع الولايات المتحدة، كما أن أكبر الأرقام المتداولة في تجميد الأموال هو على يد واشنطن، إذ تشير تقارير غربية إلى أن أموال إيران المجمّدة تراوح ما بين 100 مليار دولار و150 ملياراً.

الأحدث على خط طهران - واشنطن هو ما حصل يوم 13 فبراير/ شباط 2019، مع إصدار محكمة العدل الدولية، حكماً يمكّن إيران من البدء بمساعيها لاستعادة مليارات الدولارات من الأصول المجمدة لدى واشنطن، التي تقول إنها يجب أن تذهب لضحايا هجمات تُحمّل إيران مسؤوليتها.

قضاة المحكمة الدولية رفضوا المزاعم الأميركية، بأنه يجب رفض القضية لأن أيدي إيران "ملطخة" بسبب علاقاتها المزعومة بالإرهاب، وأن المحكمة التي مقرّها لاهاي ليس لها السلطة القضائية لبتّ القضية.

ومن المقرر أن تعقد المحكمة الدولية جلسات استماع أخرى، لتقرر ما إذا كان بإمكان إيران استعادة مليارَي دولار كانت قد جمّدتها المحكمة الأميركية العليا عام 2016، وهو قرار قالت إيران إنه يمثل خرقاً لمعاهدة الصداقة الموقعة بين البلدين عام 1955، قبل الثورة الإيرانية عام 1979 التي أدّت إلى قطع العلاقات بينهما.

تضارب الأرقام

قبل نحو عام من التوصل إلى الاتفاق النووي، وتحديداً في فبراير/ شباط 2014، قدّر الرئيس التنفيذي لـ"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية"، مارك دوبويتز، في إفادات أمام الكونغرس حجم الأموال الإيرانية المجمّدة في الخارج بنحو 100 مليار دولار، مشيراً إلى أنها مجمّدة في مصارف أجنبية، وبعضها مجمّد جزئياً أو كلياً، وقد تراكمت في حسابات أجنبية على مدى سنوات.

وأوضح أن الـ100 مليار، منها 20 ملياراً لم يكن موضوع قيود ويمكن للحكومة الإيرانية أن تتصرف به بحرية، في حين يقع 80 ملياراً الآخر تحت طائلة الحظر الجزئي أو الكلي.

يُشار في هذا السياق، إلى أن الحظر النفطي الأميركي السابق على إيران، تشدّد نهاية عام 2012، في منع الدول التي تشتري البترول الإيراني من سداد ثمنه بالدولار أو حتى تحويل الأموال إلى إيران، وألزم الدول بأن تفتح حساباً بالعملة المحلية، تضع فيه قيمة مشتريات النفط الإيراني، ما أدى، تالياً، إلى تراكم المليارات الإيرانية في الحسابات الأجنبية.

وقبل التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، سرت أنباء عن أن حصول الاتفاق سيتيح لإيران الحصول على أكثر من 100 مليار دولار بمجرّد التوقيع، لكن وزير الخزانة السابق، جاك ليو، قال وقتها أمام الكونغرس، إن الحجم الفعلي للأموال الإيرانية يصل إلى 115 مليار دولار، لكنها ستحصل على 56 ملياراً فقط.

لكن طهران كشفت في ذلك الوقت، أن المحاكم الأميركية قدّمت دعاوى تعويضات عن أضرار تتجاوز قيمتها 56 مليار دولار ضد إيران، على خلفية تورّطها المفترض في أعمال إرهابية وقعت تحديداً خارج الولايات المتحدة، ما يعني أن الأضرار المطلوبة تعادل عملياً ما يمكن لإيران الحصول عليه، بموجب تصريح وزير الخزانة الأسبق، أي إن طهران لن يصلها شيء في حال صدور أحكام ضدها في محاكم الولايات المتحدة.

بعد الاتفاق النووي

التضارب في الأرقام لم يقتصر على المرحلة التي سبقت الاتفاق النووي في إبريل/ نيسان 2015، بل إن الجدل استمر حول قيمة المبالغ المحجوزة بعد أشهر من التوقيع، لا بين واشنطن وطهران فحسب، بل داخل إيران نفسها.

ففي يوليو/ تموز، تضاربت تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول الرقم الحقيقي للأرصدة المجمدة بسبب العقوبات الدولية، التي كان سيُفرج عنها بموجب اتفاق فيينا، إذ نُقل حينها، عن مصادر إيرانية بأن قيمة الأموال تراوح ما بين 100 مليار دولار و120 ملياراً، قبل أن ينفي البنك المركزي الإيراني صحة تلك التقديرات.

البنك المركزي الإيراني قال حينذاك، إن الأموال التي سيُفرج عنها مباشرة وفي غضون 5 إلى 6 أشهر، تبلغ 29 مليار دولار، منها 23 ملياراً محجوزة في الإمارات واليابان وكوريا، و6 مليارات من عائدات النفط مجمّدة في الهند.

وما لبثت وزارة الاقتصاد الإيرانية أن نفت بدورها رقم الـ 120 مليار دولار، الذي نشرته بعض وسائل الإعلام الإيرانية، لتقول إن الأموال المجمدة من عائدات النفط تناهز 35 مليار دولار من شركة نفط إيران إنترترايد (نيكو) المستثمرة في تنمية المشاريع النفطية، إضافة إلى 22 مليار دولار محجوزة في الصين كوثائق مالية.

ووفقاً لوكالة "فارس" الإيرانية، فإن مجموع الأرقام التي أعلنها المسؤولان الإيرانيان تصل إلى 86 مليار دولار؛ كأموال النفط وأرصدة البنك المركزي والذهب الإيراني وغيرها من الأموال، في حين أن رقم 100 مليار دولار يعود إلى الأشهر الأولى من العقوبات الدولية عام 2006.

لا أرقام دقيقة

ولا ينحصر غموض الأرقام على طبيعة الأرصدة المحتجزة خلال سنوات طويلة، بل أيضاً بالمبالغ التي تم سدادها عملياً، والأرصدة الباقية في الحسابات الخارجية التي لا يمكن لإيران أن تستفيد منها.


ففي يناير/ كانون الثاني 2016، أعادت واشنطن 1.7 مليار دولار من الأموال المجمّدة، لإنهاء قضية مرتبطة ببيع معدّات عسكرية منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. وكانت إيران دفعت 400 مليون دولار لشراء معدّات عسكرية، لكن جُمّدت هذه الأموال بعد الثورة عام 1981، قبل أن تعيد واشنطن المبلغ المذكور مضافاً إليه 1.3 مليار دولار كتسوية على فوائد المبلغ الأصلي.

سويسرا وألمانيا... و"الفيفا"

ولئن كان الخلاف السياسي الأساسي قائماً بين طهران وواشنطن، إلا أن الضغوط الأميركية تفرض جدول أعمالها على العالم بأسره، بأدوات مختلفة تؤثر حتى في صناعة القرار داخل أروقة الأمم المتحدة.

ومع رفع العقوبات الدولية عن إيران بعد الاتفاق النووي، أفرجت سويسرا في يناير/ كانون الثاني 2016، عن أموال إيرانية كانت قد جُمّدت في مصارفها بين عامَي 2007 و2012، على خلفية إعلان الاتحاد الأوروبي رفع عقوباته الاقتصادية عن طهران. وأوضحت وزارة الاقتصاد السويسرية أن الحكومة أفرجت عن 11.8 مليون دولار، تعود لشخصيات وشركات ومؤسسات رسمية إيرانية.

ولإيران في ألمانيا مليارات مجمدة غير معلومة القيمة على وجه التحديد، ودُفع جزء منها إلى إلى من اعتبروا "ضحايا" أعمال إرهابية، وبلغت قيمته 1.9 مليار دولار تسلمه مدّعون في الولايات المتحدة بعد أمر قضائي صادر عام 2013، إضافة إلى مليارَي دولار تخضع للمزيد من إجراءات التقاضي من جانب مدّعين أميركيين في الولايات المتحدة ولوكسمبورغ.


وفي يناير/ كانون الثاني 2018، رفع البنك المركزي الإيراني دعوى في لوكسمبورغ بحق وحدة "كليرستريم" التابعة للبورصة الألمانية، لاستعادة أصول قيمتها 4.9 مليارات دولار والفوائد المستحقة عليها.

لكن سفير واشنطن لدى برلين، ريتشارد غرينيل، طلب في يوليو/ تموز 2018، من برلين منع إيران من سحب مبلغ نقدي ضخم من حسابات مصرفية في ألمانيا، لمواجهة تداعيات عقوبات مالية أميركية جديدة عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

وجاء تدخل السفير، في وقت كانت السلطات الألمانية تدرس طلباً من إيران لسحب 300 مليون يورو (350 مليون دولار) من حسابات مصرفية لديها وتحويلها إلى إيران.

أما بالنسبة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، فقد أعرب وزير الرياضة والشباب الإيراني، مسعود سلطاني فر، في يونيو/ حزيران 2018، خلال بطولة كأس العالم في روسيا، أمله باستعادة الاتحاد الوطني لكرة القدم الأموال المجمّدة بأسرع وقت ممكن.

وسبق ذلك في مارس/ آذار 2017، أن أبلغ رئيس "الفيفا"، جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الإيراني، مهدي تاج، قرار الاتحاد الدولي رفع الحظر عن أموال الاتحاد الإيراني والأندية الإيرانية المجمّدة.

إنفانتينو أوضح، وقتها، أن نحو مليون فرنك سويسري سيتم إيداعها في حساب الاتحاد الإيراني في أحد البنوك الإيرانية في مدينة برن السويسرية، مشيراً إلى أن الدفعة الثانية من الأموال التي سيتم الإفراج عنها تتعلق بناديي "برسبوليس" و"استقلال"، وتبلغ نحو مليون و400 ألف دولار سيتم إيداعها قريباً على شكل دفعات متعددة في أحد حسابات الاتحاد الإيراني.

أرقام إيرانية

بالرجوع إلى موقع وزارة الخارجية الإيرانية، يتبين في إبريل/ نيسان 2017، أن الوزارة قدمت إلى مجلس الشورى تقریرها الفصلي الخامس حول الاتفاق النووي، وتخلص فيه إلى أن الشبكة المصرفیة الإيرانية قد أنشأت 704 خطوط للوساطة المالیة مع 249 بنكاً حول العالم، منذ دخول الاتفاق النووي حیّز التنفیذ وحتى نهایة العام الإيراني 1395 (انتهى في 20 مارس/ آذار 2017).


ويفيد التقرير بأنه علاوة على الإفراج عن 12 ملیار دولار من الأموال المجمّدة في الفترة بین الاتفاق المؤقت في جنیف حتى عقد خطة العمل المشترك الشاملة، تم الإفراج عن 25.7 ملیار دولار من احتیاطيات النقد الأجنبي منذ تنفیذ الاتفاق النووي حتى نهایة العام الإيراني 1395، منها 9.3 ملیارات تم الإفراج عنها في آخر 3 أشهر.

لكن يبقى من غير المعلوم إجمالي الأموال المفرج عنها حتى الآن، وما يبقى منها سواء في مصارف الولايات المتحدة أو في غيرها من الدول بشكل حاسم، ولا سيما مع عودة العقوبات الأميركية النفطية والمصرفية والمالية المشددة، والضغوط الهائلة التي تمارسها واشنطن على المستوى الدولي. وما الآلية الأوروبية المالية المتعثرة للتجارة مع إيران إلا دليل على صعوبة الموقف الذي تواجهه السلطات الإيرانية.

المساهمون