كلّما انهمرت الأمطار في تونس، يتكشّف من جديد سوء البنى التحتية في البلاد. وتعلو الأصوات المطالبة بإيجاد حلّ للأزمة قبل حلول فصل الشتاء.
بعد أسابيع من تصريحات مسؤولين تونسيين حول انخفاض منسوب المياه في السدود والمشكلات التي يخلّفها ذلك في إطار التزوّد بمياه الشرب، شهدت المحافظات التونسية بمعظمها خلال الشهر الماضي هطول كميات كبيرة من الأمطار. وفي حين استبشر الفلاحون بتلك الأمطار الاستثنائية السابقة أوانَها، فإنّ ذلك كشف كما في كلّ مرة سوء البنى التحتية في مدن عدّة من البلاد، فقد تسببت الأمطار الأخيرة في تشكّل سيول جارفة أغرقت معظم شوارع المدن، خصوصاً حيث انهمرت كميات كبيرة من الأمطار. وقد طاولت تلك السيول المحلات والمنازل، فعطّلت حركة المرور في حين أصيب كثيرون بالذعر بسبب تسرّب مياه الأمطار إلى بيوتهم بعدما عجزت مجاري تصريف المياه عن استيعابها، خصوصاً في محافظات نابل وبنزرت وقفصة وسوسة.
تحوّلت بيوت كثيرة إلى خراب بعدما غمرتها المياه، في حين تضرّرت محلات عدّة على خلفية فشل مشاريع تهيئة الأودية وبرامج مجابهة الكوارث لا سيّما في الأودية القريبة من المجمّعات السكنية. وقد أعاد متخصصون الأمر إلى سوء البنى التحتية وانسداد قنوات تصريف المياه التي تعود إلى زمن الاستعمار، الأمر الذي أدّى بالتالي إلى تحوّل معظم الشوارع إلى مجار مائية خلال دقائق فقط مع قطع طرقات عدّة وعزل أحياء سكنية بالكامل. وتنكشف الأوضاع الكارثية للبنى التحتية. ولأنّ ثمّة مدناً، باختلاف مواقعها الجغرافية، تشهد هطول كميات كبيرة من الأمطار في معظم المواسم الشتوية، فإنّ الأمر يدفع إلى التساؤل حول الإجراءات الاستباقية التي أعدها كلّ من الديوان الوطني للتطهير والبلديات ووزارة التجهيز ووزارة الفلاحة باعتبارها الجهات المعنية في تهيئة البنى التحتية وتنظيف الأودية.
أولى المناطق التي عرف أهاليها أياماً عصيبة بسبب السيول الجارفة التي طاولت منازلهم كانت منطقة بوعرقوب في محافظة نابل، الأمر الذي تطلب تدخل أعوان الحماية المدنية وأعوان ديوان التطهير لجهر بالوعات الصرف الصحي، بحسب ما يقول معتمد المنطقة رؤوف الكلابي لـ"العربي الجديد". يضيف أنّ "هطول كميات كبيرة من الأمطار في وقت قليل أدّى إلى تسرّب المياه إلى المنازل وانقطاع حركة المرور في شوارع عدة على مدى يوم كامل، نتيجة عدم قدرة المجاري على استيعاب تلك الكميات".
لم يختلف المشهد كثيراً في محافظة بنزرت، إذ شهدت المنطقة فيضان أودية عدّة قريبة من المجمعات السكنية، الأمر الذي أدّى إلى تسرّب كميات كبيرة من المياه التي أغرقت المنازل وتسببت في أضرار مادية لعدد كبير من السكان. ويفيد المدير الجهوي للتجهيز زهير العزعوزي "العربي الجديد"، بأنّ "الوزارة استعدت لجهر الأودية، إذ إنّ الأمر من صلاحياتها، وسوف يصار التركيز على فتح منافذ جديدة للأودية بهدف تسهيل مرور مياهها إلى البحر". يضيف أنّ "مساكن عشوائية كثيرة شيّدت بالقرب من الأودية أو حتى في مجاري الأودية، الأمر الذي عطّل مرور مياه تلك الأودية نحو مجراها وأدّى إلى تسرّبها إلى المنازل". وعن مجاري الصرف الصحي، يشير العزعوزي إلى أنّ "كل الأطراف المتدخلة، من وزارة تجهيز وبلديات وديوان تطهير، عمدت إلى شفط مياه الأمطار من البيوت أوّلاً ثمّ من الشوارع بالإضافة إلى تنظيف مجاري الصرف الصحي وجهر الأودية تجنّباً لتكرار المشكلة نفسها، خصوصاً وأنّ الأمطار التي تشهدها تونس اليوم استثنائية سابقة أوانَها". ويلفت إلى "تأليف لجنة تنفّذ زيارات ميدانية لتقييم الأضرار التي لحقت بالمباني وتقديم تعويضات للسكان".
فرج شافعي من سكان المنطقة، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "وادي حفر المهر كان أكثر الأودية المتسببة في سيول كبيرة طاولت مئات المنازل وتسببت في أضرار مادية كبيرة لعشرات العائلات"، موضحاً أنّ "مشكلة الوادي ليست جديدة بل هي مستمرة منذ سنوات، لكنّ السلطات لم تجد الحلول إلا بعد وقوع الكارثة". ويشير شافعي إلى أنّ "مشكلة بنزرت على غرار معظم المدن التونسية، لا تتمثل فقط في وجود أودية إنّما كذلك بقدم شبكة الصرف الصحي التي تهالكت ولم تعد قادرة على استيعاب لا مياه الأمطار ولا مياه الصرف اليومي". يضيف أنّ "التعويضات المخصصة للأهالي لا تكفي لوحدها، ولا جهر الأودية أو المجاري قد يكون حلاً. الحلّ يتمثل في تغيير معظم شبكات الصرف الصحي، خصوصاً الرئيسية منها في الشوارع الرئيسية من المنطقة".
منطقة دار علوش في بلدية الهوارية بمحافظة نابل تشكو هي شبه غياب في من البنى التحتية بسبب عدم مدّ قنوات للصرف الصحي وعدم تعبيد الطرقات، الأمر الذي تسبب في أضرار كبيرة لكثيرين من الأهالي وعلى مدى سنوات. ويخبر رئيس لجنة الصحة والنظافة في بلدية الهوارية عدنان غرس الأحمر "العربي الجديد" أنّ "الأمطار الأخيرة التي شهدتها نابل تسبّبت في أضرار كبيرة لعدد من الأهالي، في حين أنّ ثمّة مناطق تعاني من غياب شبكات الصرف الصحي، الأمر الذي يعني تجمّع المياه لأيام في الأحياء والشوارع. يُضاف إلى ذلك تلوّث واد في منطقة سيدي مذكور بمياه الصرف الصحي بالقرب من المنازل".
تجدر الإشارة إلى أنّ تونس وقّعت اتفاقية مع الوكالة الفرنسية للتنمية في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 بقيمة 25 مليون دولار أميركي، ويندرج هذا المشروع الذي تمتد فترة إنجازه ما بين عام 2015 وعام 2019، في إطار برنامج الاستثمار الذى ينفّذه الديوان الوطني للتطهير بهدف تحسين نسب الربط بشبكات التطهير في الأحياء الشعبية، في المناطق الداخلية خصوصاً.