الألفاظ المسيئة ليست عنفاً في غزة

25 يوليو 2015
الإنسان ينادي من يحبّهم بأسماء محببة (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -

"يا مرة. يا بنت. ولي. يا شيخة. يا ولية. يختي. يا هبلة، إلخ". اعتاد مصطفى الشاعر أن ينادي زوجته بألفاظ كهذه، على الرغم من إدراكه أنه ينتقص من قيمتها. أحياناً، تراهُ يحاول تبرير سلوكٍ منتشر بين كافة شرائح المجتمع الغزّي، قائلاً إن المرأة هي من تُجبر الرجل على استخدام ألفاظ كهذه معها. يضيف "لطالما ردّد أبي هذه الكلمات. لم تكن أمي تبدي أي ردة فعل أو انزعاج، حتى صرت وغيري نقولها بعفوية، وإن كانت مقصودة في أحيان أخرى. مع الوقت، أدركت مدى قبح مثل هذه الألفاظ وأثرها السيئ على المرأة".

في المجتمع الغزّي عاداتٌ وتقاليد راسخة منذ القدم في نفوس المواطنين، ويصعب فصلها تماماً عن العيش في ظل الاحتلال الإسرائيلي. ففي غياب المقوّمات الأساسية للحياة، بالإضافة إلى الأخطار التي دائماً ما تعصف بالنسيج الاجتماعي، صار الهمّ الاجتماعي والمشاكل أهم من البحث في أي أمور أخرى. وللمرأة أيضاً مشاكلها الكثيرة. وعلى الرغم من أن هذه الألفاظ تعكسُ استهزاءً واستخفافاً بمكانة المرأة وقيمتها وكرامتها، تحاولُ العديد من المؤسسات النسوية، سواء كانت حكومية أو خاصة، إيجاد حلول لها.

"حينَ أسيرُ في الشارع، يقول لي السائق: اطلعي يا بنت". هذا ما تقوله الحاجة أم يوسف، وهي في العقد السادس من عمرها. تستغربُ مخاطبتها بهذه الطريقة، وتشعرُ بأنه يقلّل من احترامها. تسأل: "شو فيها لو نادى علي يا عمتي أو خالتي أو يا حاجة؟". ترى أنه يصعب تغيير مثل هذه العادة في المجتمع؛ فقد تربى الشباب عليها منذ الصغر. كذلك، ليس هناك توعية في المدارس أو البيوت حول مدى تأثير هذه الألفاظ على نفسية المرأة التي تسمعها.
إذاً ليس مستغرباً أن يعتمد الرجل هذه اللغة مع المرأة في قطاع غزة. لكن تكمنُ الغرابة في أن تكون متداولة بين النساء أنفسهن، اللواتي لا يدركن أنهن يُسئن إلى بعضهن البعض. في السياق، تقول عفاف دياب، وهي طالبة جامعية، إنه أمر عادي أن تنادي الصديقات بعضهن البعض بألفاظ كهذه. علماً أنها تندرج في إطار الصداقة والمحبة والمرح، وهي دليل على التقارب في ما بيننا. الأهم ما نحمله في قلوبنا".
وعن رأيها في ما إذا كانت هذه الألفاظ تكرس دونية المرأة، تقول إن الأمر مبالغ فيه، لكنه منوط بطبيعة العلاقة بين طرفين. على سبيل المثال، "أدرك أن زوجي يستخدمها من باب الحب والمرح".

وتعزو أستاذة علم النفس، فاطمة عبدالله، استمرار استخدام هذه الألفاظ إلى كونها موروثاً اجتماعياً، حتى إن بعض النساء يستخدمن تلك الألفاظ مع بعضهن البعض. وتشرح لـ"العربي الجديد" أن استخدام الألفاظ السيئة يعكس عدم الاكتراث بمشاعر الشخص الآخر. تضيف أن استخدام ألفاظ على غرار "ولي، ويا بنت، ويا مرة"، يعني أن المرأة في مجتمعنا لا تُحترم، مشيرة إلى أن الإنسان ينادي من يحبّهم بالأسماء المحببة إليهم. كما أن انتقاء الألفاظ من قبل أي شخص يعكس نفسيته، ومن يحملُ القيم الإيجابية يختار الأسماء الطيبة والعكس صحيح.

تتابع أن استخدام ألفاظ كهذه يعكس النظرة الدونية التي يحملها كثير من الرجال نحو المرأة، الذين يسيئون لها، سواء أدركوا الأمر أو لم يفعلوا. فللكلمة أثر كبير في النفس البشرية. وتوضح أن الرجل لا يستطيع الغوص في نفسية المرأة ليعرف فيما تفكر أو تشعر حين تسمع من زوجها أو والدها ألفاظاً كهذه. لكنها تشعر بالدونية، أو أنها أقلّ شأناً من الرجل مهما حصلت على درجات علمية.

من جهتها، تقول الناشطة النسوية، تهاني قاسم، إن الألفاظ السيئة التي اعتاد كثير من الرجال على مخاطبة نسائهم بها تندرج تحت مسمى "العنف اللفظي"، وتهدف إلى التقليل من شأن المرأة، وتؤثّر عليها سلباً. وترى أن الرجل الذي يتلفظ بها يهدف إلى التقليل من مكانتها في المجتمع. وتشير إلى أن أسوأ ما في الأمر أنها صارت عادات متوارثة لدى العديد من الرجال والنساء في مجتمعنا. تضيف أن المرأة لا تطالب بحقوقها لأسباب عدة، منها الثقافة الذكورية، لتجد النساء أنفسهن مجبرات على قبول الواقع وعدم التمرد عليه.

وتلفتُ قاسم التي تعمل في مركز للأبحاث والاستشارات القانونية الخاصة بالنساء في قطاع غزة، إلى أن المركز يتلقى العديد من الشكاوى المتعلقة بالعنف. وبعد مناقشة العنف اللفظي ضمن ورشات العمل والدورات التدريبية، "لاحظتُ أن العديد من النساء لا يعتبرنه عنفاً، وهذا هو السبب الرئيسي في عدم اختفاء هذه الظاهرة".

اقرأ أيضاً: مراكز إيواء النساء المعنفات مخابئ مؤقتة
المساهمون