الألغام في اليمن.. العائدون إلى أحياء الموت

20 ديسمبر 2016
(مخلفات النزاع في اليمن، تصوير: صالح العبيدي)
+ الخط -
لم يكن يعلم أحمد ابن الخمسة عشر ربيعًا، أن الحرب التي هدأت بعد تراجع الحوثيين لم تتوقّف بعد، وأن عودته إلى منزله في حي الجحملية بمحافظة تعز رفقة أسرته ستفقده إحدى ساقيه، وأن المقاومة الشعبية والجيش اليمني وإن تمكنوا من تحرير المنطقة من سيطرة المليشيات، فهم بحاجة إلى سنوات أخرى لتحريرها من قبضة آلاف الألغام.

مطلع الشهر الماضي، كان أحمد وأسرته قد قرّروا العودة إلى منزلهم بعد مرور عام من النزوح والتشرّد، حيث جاء قرار العودة، بعد تمكن المقاومة الشعبية والجيش الوطني من تحرير الحي الذي يقع فيه منزلهم من مليشيا الحوثي وصالح، بعدما ضمّته إلى ساحات القتال منذ أكثر من سنة.

أُجبرت المليشيات على الانسحاب من كثير من الأحياء السكنية بعد معارك شرسة، الأمر الذي جعل المئات من أهالي الحي النازحين يفكّرون في العودة إلى بيوتهم، فمليشيا الحوثي وصالح لم تكتف بالدمار والخراب الذي خلفته في منازلهم، وتسبّبهم في قتل وجرح المئات الذين لم يتمكنوا من النزوح وأجبروا على البقاء تحت سيطرتها، بل سعت نحو زرع الألغام في جميع أرجاء الحي، وتفخيخ البيوت بالمتفجرّات، ما جعل سكّان هذه الأحياء أمام حرب من نوع آخر.

"إنها لحظات صعبة لم أصدق ما حدث مع ابني"، يقول والد أحمد الذي شاهد بأم عينيه كيف اهتز ابنه تحت عبوة انفجرت تحت ساقيه، وهم في طريق العودة إلى منزلهم، وهي من الألغام التي تركتها مليشيا الحوثي قبل خروجها من حي الجحملية في تعز.


حرب إبادة
أحمد الذي فقد رجله ليس حالة نادرة، إنما قصّة معاناة تتكرّر بين الحين والآخر، في مختلف أرجاء تعز، خاصة بعد تحرير المقاومة الشعبية لمناطق كثيرة كانت مليشيات الحوثي قد سيطرت عليها.

يقول الناشط الحقوقي ياسين العقلاني في حديثه إلى "جيل"، إن مليشيا الحوثي تعمل باستمرار على زرع الطرقات والشوارع، بالألغام، وتفخخ المنازل بالعبوات الناسفة، في المناطق التي تُجبر فيها على التراجع، ما تسبب في قتل وإصابة العشرات من المدنيين.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، في حي الجحملية بمدينة تعز، يؤكّد العقلاني؛ أنه رغم المحاولات الحثيثة للفرق الهندسية، والإمكانات التقليدية للجيش الوطني، مازالت عاجزة عن انتزاع كل تلك الألغام وتفكيك شبكات المتفجرّات التي زرعت بطرق مختلفة، لقد اتضح أن المليشيات زرعت مئات الآلاف من الألغام في مختلف مناطق البلاد، وهذا خطر يهدّد حياة المدنيين، وستبقى هذه المشكلة قائمة مستقبلًا أيضًا على حدّ قوله.


ألغام إيرانية
معاناة اليمنيين من زراعة الألغام ليست جديدة، وهو سلوك استخدمه نظام صالح في حروب كثيرة شهدها اليمن خلال العقود الماضية، بدءًا من حرب المناطق الوسطى التي كان نظام الرئيس صالح أحد أطرافها، مرورًا بحرب صيف 1994 التي قادها صالح على جنوب البلاد، وصولًا إلى حروب صعدة والحرب التي يقودها صالح مع مليشيا الحوثي على المدنيين اليوم.

يقول الكاتب الصحافي والناشط الحقوقي؛ عبد العالم بجاش "السلوك الإجرامي للمليشيا الموالية لإيران، له جذور في تاريخ اليمنيين الحديث، فالنظام السابق ذو النزعة (الإرهابية)، زرع المناطق الوسطى في سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي بآلاف الألغام، وضحاياها من المواطنين الأبرياء بالآلاف أيضا. وهذا يعني أن ثقافة قتل المدنيين متجذّرة في شمال الشمال، أو ما يسمى في اليمن (هضبة الشر)، وهذا السلوك يمثل شكلًا من جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية طبقًا لمواد تضمنها ما يعرف بقانون روما، وإن كانت زراعة الألغام فعلا تجرّمه كل القوانين".

ويتابع بجاش حديثه إلى "جيل"، أن اللافت في الأمر هو أن النظام السابق مسؤول عن آلاف الضحايا، فقد أقدم خلال هذه الفترة على زراعة أكثر من 100 ألف لغم في مدينة تعز طبقًا للفرق الهندسية التابعة للجيش الوطني، على حدّ تعبيره.

يشدّد حقوقيون على أنه لا تفلت أن يفلت رموز الانقلاب من العقاب هذه المرّة، حتى لا تتكرّر زراعة الألغام في المستقبل، هنا، يشير بجاش إلى أن الألغام المستخدمة مصدرها إيران، وأن تصفية المدنيين بهذه الطريقة استخدمتها مليشيات إيران في دول أخرى.


معاناة قادمة
يقول طاهر حميد، العميد الركن المهندس، رئيس شعبة الهندسة في محور تعزّ: "بالنسبة للألغام الموجودة في تعزّ، هي طبعًا تهدد العائدين الآن إلى منازلهم والمناطق المحرّرة، ومعركة الألغام تكون عادة بعد انتهاء المعارك، والنازحون يعودون إلى بيوتهم ويجدونها مفخخة بأخطر الألغام والعبوات الناسفة التي قد تؤدي إلى تدمير البيت على آخره".

المناطق الأكثر تضررًا من الألغام في تعز بحسب حميد؛ هي منطقة ثعبات شرقي المدينة، وحي الجحملية، وحارة قريش، وحي الزهراء، وحي بازرعة، وحول القصر الجمهوري، وما حول معسكر الأمن المركزي، والحارات المتاخمة لهذا المعسكر، وهي الصياحي، ومنطقة الصلو، ونافع، وميلاد، كلها قرى أيضًا اكتشف الفريق الهندسي أنها ملغمة، وحتى المدارس تم تفخيخها بالألغام، وهي تهدّد الآن الأطفال والنساء.

طاهر، وهو خبير عسكري أيضًا، يقول إن اليمنيين سيعانون من مخلفات الحرب الدائرة في بلادهم لعقود قادمة، والمعاناة لن تطاول المواطنين الذين قد يصابون بانفجار مفاجئ بسبب مخلفات الحرب هذه، موضّحًا أنها ستطاول البيئة أيضًا، فالذخائر لدى انفجارها تخلف بقايا كيميائية تسبب تلوثًا للماء والهواء.

ويستطرد الخبير أن التكلفة اللازمة لإزالة مخلفات الحرب هذه لا يمكن تحديدها، بسبب انتشارها في كل مكان، معتبرًا أن الأمر لن يقتصر على إزالة الألغام المزروعة في الأرض فقط، بل على كم كبير من الأسلحة ومخلفاتها.

الفترة الزمنية التي سيحتاج لها اليمنيون للتخلّص من الألغام قد تمتد لسنوات أخرى، وسيكون الفريق الهندسي في البلاد حينها بحاجة الى كتائب هندسية متكاملة ومعدّات كشف ألغام لا تتوفر الآن حاليًا في البلاد بالشكل المطلوب، وهو ما يجعل الأمر معقدًا للغاية، كما يؤكد المعنيون بنزع الألغام في البلاد.

المساهمون