الألغام المموهة... سلاح "داعش" لقتل المدنيين في الباب السورية

06 مارس 2017
ألغام مختلفة لـ"داعش" بحسب صورة تداولها ناشطون (العربي الجديد)
+ الخط -
"ربما تجلس على حجر لترتاح من عناء الطريق، لكن ذلك الحجر قد يودي بك إلى الموت. بكل بساطة قد يكون لغماً على شكل حجر زرعه تنظيم داعش". بهذه العبارات يلخص أحد المدنيين في مدينة الباب لـ"العربي الجديد"، معاناة الأهالي نتيجة الأشكال المتعددة التي زرعها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قبل انسحابه من مدينة الباب في ريف حلب الشرقي تحت ضربات "الجيش السوري الحر". وقد أدت هذه الألغام إلى مقتل عدد من المدنيين. كما أنها باتت تحول دون عودة الأهالي إلى منازلهم، والتي كانوا قد اضطروا إلى النزوح عنها نتيجة سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة.

من جهته، يوضح قائد قطاع أعزاز في مديرية الدفاع المدني السوري في حلب، عبد الكريم بلاو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن فرق الدفاع المدني تعمل بشكل مستمر من الصباح حتى المساء منذ طرد "داعش" من مدينة الباب، على إزالة الألغام والتي يقدر عددها بالمئات.

ويلفت بلاو إلى أن "داعش" وزّع الألغام في منازل المدنيين والطرقات والمحال التجارية والمدارس والمعامل. ولم يترك زاوية في مدينة الباب إلا ووضع فيها لغماً. ويقول إن "داعش تفنن في القتل، وزرع ألغاماً مختلفة الأشكال ومموهة على شاكلة حجر وأثاث منزل". ويشير إلى أن الدفاع المدني "وجد ورشة لصناعة قوالب الألغام إذ يقوم التنظيم بصناعة أجسام من الجص لتمويه ألغامه"، معتبراً أن هذا الأسلوب يجسد "فن القتل"، على حد وصفه. 
 
وعلى الرغم من كثافة الألغام، يشكو قائد قطاع أعزاز في مديرية الدفاع المدني السوري في حلب، من عدم وجود سوى "شخص واحد يقوم بتفكيك الألغام أمام فرق الدفاع المدني، وهو شاب له خبرة سابقة في الأمر ومن أبناء مدينة الباب".

ويصف بلاو الوضع في المدينة قائلاً: "نعمل من الصباح حتى المساء ونقوم بالبحث عن جثث الضحايا التي أوقعها القصف على المدينة". ويشير إلى أن "المدينة مدمرة بنسبة 60 في المائة، والحركة صعبة"، إذ إنه "في كل حركة غير مدروسة هناك حالة موت، على غرار ما حصل يوم الجمعة الماضي حين قضى شخص مدني أمام أعين عناصر الدفاع المدني الذين لم يتمكنوا من إنقاذه"، على قوله.


وبحسب رواية بلاو "فقد جاء هذا الشخص مسرعاً عبر دراجة نارية، ولم يلتفت إلى نداء الدفاع المدني، واصطدم بشريط لغم فانفجر به، ما أدى إلى احتراقه مع دراجته النارية أمام أعين المسعفين". ويشير بلاو إلى أن "المسعفين لم يكن بمقدورهم أن يقوموا بشيء لإنقاذه سوى إطفاء جسده عن بعد عبر خرطوم سيارة الإطفاء"، وفق تعبيره.

ويلفت قائد الدفاع المدني إلى أن "هناك كل يوم ضحية في مدينة الباب على الرغم من التحذير من وجود الألغام". ويضيف "قمنا بنشر مقاطع فيديو وصور عن أشكالها، لكن المدنيين لا يلتفتون أحياناً إلى تحذيرنا"، وفق تعبيره. ويلفت إلى أنه "لو كان هناك فرق لإزالة الألغام في مدينة الباب، لم نكن لنفقد مدنياً أو عسكرياً"، مشدداً على ضرورة "تكاتف الجميع والمساعدة" لحل هذه المشكلة.

في السياق نفسه، يتحدث عدد من أهالي المدينة عن صعوبة في العيش داخل المدينة. يقول أبو محمد، وهو أحد العائدين إلى المدينة، في حديث مع "العربي الجديد": "لقد أتيت إلى منزلي وكان فيه لغم، لم ألمسه وقام الدفاع المدني بتفكيكه، ومع ذلك لا يمكنني أن أقيم في المنزل لأنه شبه مدمر ولا يوجد مياه في المدينة، ولا أي خدمات حتى الآن". ويلفت إلى أن "الدفاع المدني يعمل على تمشيطها من الألغام". ويشير إلى أنه "قبل يومين قتل اثنان من أهالي المدينة بعد دخولهما إلى منزلهما، كان هناك لغم، ولم يصغيا إلى تحذير الدفاع المدني"، بحسب قوله.

ويؤكد الدفاع المدني لـ"العربي الجديد" أنه لا توجد حصيلة رسمية لعدد القتلى جراء انفجار الألغام في مدينة الباب، فيما تقول تنسيقية المدينة إن 400 مدني قتلوا في المدينة جراء القصف والألغام بينهم عائلات بأكملها.
ودامت الحملة العسكرية التي شنتها قوات "الجيش السوري الحر"، بدعم الجيش التركي للسيطرة على مدينة الباب، 108 أيام، قتل خلالها 132 من عناصر "الجيش الحر" و27 جندياً تركياً جراء الاشتباكات وانفجار الألغام.

وتؤكد مصادر من مدينة الباب أن تنظيم "الدولة الإسلامية" شرّد قرابة 100 ألف مدني منذ استيلائه على المدينة التي تعد معقل التنظيم في محافظة حلب، ودمّر معظم البنى التحتية فيها. ولم يكتفِ بزرع الألغام داخلها إنما ملأ محيطها أيضاً لمنع المدنيين من الخروج. واتهمت المعارضة السورية المسلحة والجيش التركي تنظيم "داعش" باتخاذ المدنيين دروعاً بشرية عبر احتجازهم في المدينة ونقل مقراته العسكرية إلى المناطق التي يقيم فيها المدنيون، مما أدّى لوقوع عشرات الضحايا.

وتعد مدينة الباب المركز الاقتصادي والتجاري في ريف حلب الشرقي، وهي أكبر مدن الريف قبل اندلاع الثورة السورية ضد النظام السوري في مارس/آذار 2011. وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" بسط سيطرته على مدينة الباب عندما كان يعرف بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، في 14 يناير/كانون الثاني عام 2014، بعد هجوم على المعارضة السورية في المدينة، قام إثره بإعدام قرابة 60 عنصراً من المعارضة بعد استسلامهم.
المساهمون