الأطفال والصراعات المسلحة و"قائمة عار" الأمم المتحدة

20 يونيو 2020
ما زال صغيراً على حمل السلاح (ستيفاني غلينسكي/فرانس برس)
+ الخط -

الأطفال في ظلّ الصراعات المسلحة... عنوان موضوع شائك لم يتمكّن أحدٌ أو أي جهة من معالجته حتى يومنا. ما زال الصغار يسقطون ضحايا الصراعات، إمّا قتلى أو جرحى أو مجنّدين أو من جرّاء اعتداءات جنسية أو غيرها.

عبّرت منظمات دولية عدّة تُعنى بحقوق الإنسان عن صدمتها وخيبة أملها من استمرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بحماية الدول النافذة المسؤولة عن قتل الأطفال، وعدم إدراجها في "قائمة العار" التي يتضمّنها تقريره السنوي المقدّم إلى مجلس الأمن الدولي حول حماية الأطفال في الصراعات المسلحة. ومن بين تلك الدول أو الجهات الحكومية، إسرائيل لجرائمها في فلسطين، والتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لجرائمه في اليمن، وروسيا لجرائمها في سورية، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والحكومة الأفغانية لجرائمهما في أفغانستان وغيرها. وما زاد الطين بلّة في تقرير غوتيريس الصادر أخيراً والذي يغطي عام 2019 وسيناقشه مجلس الأمن في نهاية الشهر، أنّه أزال اسم التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات كلياً من القائمة، بعدما كان قد أُدرِج في السنوات الأخيرة فيها إنّما من ضمن الدول التي تتعاون مع الأمم المتحدة من أجل اتّخاذ خطوات تحمي الأطفال في حملاتها العسكرية.

وبدأ غوتيريس ذلك التقسيم، أي إضافة قائمة فرعيّة من ضمن "قائمة العار" تُدرَج فيها أسماء الدول المتعاونة مع المنظمة، عند تولّيه منصبه في عام 2017. وقد وُجّهت له انتقادات حادّة لأنّه يتيح لتلك الدول إمكانية التهرّب من مسؤوليتها والادّعاء أمام الإعلام بأنّها "تتعاون" في الوقت الذي يستمرّ فيه قتل الأطفال وتشويههم وتجنيدهم وتجويعهم. يُذكر أنّ التقرير يوثّق أكثر من أربعة آلاف انتهاك خطير في حقّ أطفال اليمن في خلال العام الماضي، ارتكبتها كلّ أطراف النزاع، بما في ذلك قتل 1447 طفلاً يمنياً وتشويههم، وتجنيد أكثر من 600، واحتجاز عشرات، والتحرّش والاعتداء الجنسيان بآخرين. وعلى الرغم من أنّ هذه الجرائم التي ارتُكبت من قبل الأطراف المشاركة في النزاع، فإنّ التقرير يدرج جماعة الحوثيين كما الحكومة اليمينية وجهات من دول أخرى في "قائمة العار"، لكنّه يعفي التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.

ويُطرَح السؤال حول الفائدة من تضمين التقرير السنوي في آخره "قائمة" أو "قائمة عار". هل هي فقط لتشكيل ضغط إعلامي على تلك الدول أم أنّ لذلك تبعات قانونية تدخل في مجال تخصّص مجلس الأمن وتتعلق بالأمن والسلم الدوليَّين؟ في حديث خاص لـ"العربي الجديد" في نيويورك، تشرح مديرة الدفاع عن حقوق الطفل في منظمة "هيومان رايتس واتش" جو بيكر أنّ "مجلس الأمن الدولي ينظر منذ عشرين عاماً في أمور متعلقة بالأطفال والنزاع المسلح. وفي عام 2003، طلب المجلس من الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي أنان حينها) أن يقدّم قائمة في آخر تقريره تشمل أسماء الحكومات والجهات التي ترتكب انتهاكات في حقّ الأطفال وتخرق القانون الدولي في النزاعات المسلحة. في البداية، كان من المفترض أن تشمل القائمة فقط أسماء الدول التي ارتكبت انتهاكات في ما يخصّ تجنيد الأطفال، لكن مع مرور السنوات طلب مجلس الأمن من الأمين العام أن يوسّع القائمة لتشمل انتهاكات إضافية في حقّ الأطفال بما في ذلك القتل والتشويه والخطف والهجوم على مستشفيات وغيرها". وحول أهميّة هذه القائمة، تقول بيكر إنّه "عند إدراج دولة ما في القائمة يتطلب ذلك من الأمم المتحدة البدء في اتخاذ تدابير منهجية للمراقبة والبحث عن التجاوزات وإرسال تقارير حول الموضوع للأمين العام للأمم المتحدة والجهات المختصة. كذلك يُتوقّع من الجهة التي أُدرجت أن توقّع مع الأمم المتحدة اتفاقية تتخذ استناداً إليها تدابير معيّنة لإنهاء تجاوزاتها". وتشدد بيكر على أنّ "أهمية ذلك تعود إلى أنّه يخلق سبلاً للمحاسبة ويحفّز تلك الدول على اتخاذ تدابير تؤدّي إلى إزالة أسمائها من القائمة"، مضيفة أنّ "ثلاثين جهة، ما بين جهات حكومية وأطراف نزاع في مناطق مختلفة من العالم، عمدت مع مرور الوقت إلى توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة حول الموضوع. وهو ما يعني أنّ إدراج أسماء تلك الجهات في القائمة كانت له أهمية كبيرة وتأثير فعلي، وليس فقط رمزياً وإعلامياً".



وتلفت بيكر الانتباه إلى أنّ "التقرير السنوي الذي يتناول مناطق الصراع وحماية الأطفال يشير إلى خروقات جسيمة تصل إلى الآلاف، ويرصد التقرير الأخير على سبيل المثال 25 ألف انتهاك جسيم في حقّ الأطفال حول العالم في العام، جزء كبير منها مرتكب من قبل أكثر من جهة. لكنّ ما يرد في التقرير لا يعكس ما يقرّر الأمين العام إدراجه في القائمة، وتؤكّد بيكر بالتالي أنّ "النتيجة هي معايير مزدوجة، إذ تُدرَج جهات وتُعفى أخرى. وحتى في ما يخص الجهات التي تُدرَج، فإنّ ثمّة تفاوتات بين الأدلة والاستمرارية. وقد لاحظنا هذه المشكلة مع مرور الوقت، لكنّ الوضع هذا العام وصل إلى مستويات غير مسبوقة". وتشرح بيكر أنّ "الأمين العام لم يكتفِ بعدم إدراج أطراف مثل القوات الروسية في سورية التي تقتل وتشوه الأطفال هناك أو القوات الأميركية في أفغانستان أو القوات الإسرائيلية فحسب، بل أزال اسم التحالف بقيادة السعودية من القائمة بشكل كامل، على الرغم من أنّ تقريره يشير إلى أنّهم مسؤولون عن قتل وتشويه 222 طفلاً في اليمن في خلال العام الماضي". وتصف بيكر ما أتى به الأمين العام للأمم المتحدة بأنّه "مخيّب للأمل ومؤسف جداً"، قائلة إنّه "يعوّق عمل مجلس الأمن بمحاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات وحماية الأطفال في جزء من المناطق التي تشهد أسوأ الصراعات في العالم".

وغوتيريس أسقط اسم التحالف بحجّة أنّ "نسبة تلك الانتهاكات انخفضت مقارنة بالسنة الأولى"، بحسب تصريحات الممثلة الخاصة المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة، فرجينا غامبا، في تعليق لـ"العربي الجديد" في نيويورك. وتقول بيكر في هذا السياق إنّه "في عام 2009 طلب مجلس الأمن الدولي من الأمين العام (بان كي مون حينها) أن يضع معايير واضحة للدول التي يقرّر إدراجها في القائمة. وفي العام الذي تلاه، ردّ الأمين العام بأنّ ثمّة شرطَين. الأوّل أن ينفّذ الطرف المعني خطة العمل التي وقّعها مع الأمم المتحدة، والثاني ألا تُسجَّل أيّ انتهاكات لمدّة عام واحد على أقلّ تقدير. ومن الواضح أنّ التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لم يستوفِ تلك الشروط". تضيف أنّ "الأمين العام الحالي وضع شروطاً خاصة به وتنصّ فقط على انخفاض في نسبة الانتهاكات. لكن ثمّة أطرافاً أخرى خفضت كذلك من نسبة العنف من دون أن يشطبها الأمين العام من القائمة".



وتتابع بيكر: "ما هي الرسالة التي يبعث بها الأمين العام للأمم المتحدة إلى الأطفال حول العالم، عندما لا يضع الأطراف القوية وذات النفوذ، كالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وروسيا والسعودية والإمارات، المسؤولة عن قتلهم على قائمة العار؟ أظنّ أنّ الرسالة سلبية جداً وهي أنّ الجهات القوية محميّة ولا تُدرَج في القائمة". وتشير إلى أنه "منذ عام 2006، أي منذ 14 عاماً، يثبت التقرير بشكل مستمر انتهاكات حقوق الأطفال الفلسطينيين وقتلهم وتشويههم على يد إسرائيل من دون أن يدرجها في القائمة".