تكاد معاناة اللاجئين لا تنتهي، حتى بعد وصولهم إلى بلد آمن مثل الدنمارك. بعضُ هؤلاء ما زالوا عاجزين عن لمّ شمل أسرهم بسبب القوانين المتشدّدة
"كيف يمكن لزوجتي وأطفالي تلبية مطالب دائرة الهجرة والأجانب في الدنمارك، وتقديم فحص الحمض النووي للسفارة الدنماركية في الأردن؟". سؤال يطرحه محمد عدوان، الذي ينتظر لمّ شمل عائلته (زوجته وأطفاله الثلاثة)، منذ أكثر من عام ونصف العام.
يشير عدوان إلى أن "دائرة الأجانب في كوبنهاغن لا تكترث بالحال الذي وصلت إليه عائلتي، علماً أنني لم أرها منذ عام 2014". يضيف: "يريدون التأكد من أن الصغار أطفالي. لكن كيف يكون كذلك، وعائلتي مطالبة بالذهاب إلى بلد آخر غير الأردن، تتوفر فيه عملية التثبت من النسب؟". هذا الطلب التعجيزي لا يشمله وحده. يقول: "يريدون من زوجتي وأطفالي الصغار اجتياز الحدود والتوجّه إلى دولة أخرى بطريقة غير قانونية لإجراء الفحص، بدلاً من مساعدة العائلة على التثبت من النسب بطريقة بسيطة"، لافتاً إلى أن "حكومة الدنمارك يمكنها التحقق من الأمر في سفارتها في حال أرادت ذلك".
اقتراح عدوان لحلّ مشكلة معلّقة لا يبدو أنه يلقى آذاناً صاغية لدى موظفي البلدية. في هذا السياق، يقول الموظّف في قسم الدمج في البلدية، سورن غونتر، لـ "العربي الجديد": "أتفهّم الإحباط الذي يشعر به عدوان وغيره، خصوصاً بعد مرور وقت طويل. هذا بالتأكيد يؤثّر عليهم سلباً. لكنّ القرار ليس في يدنا".
يشير غوتنر إلى سوريين وصلوا إلى الدنمارك كلاجئين منذ نحو عامين. آخرون وصلوا في سبتمبر/أيلول الماضي، وينتظرون مرور عام قبل السؤال عن لمّ الشمل. في هذا السياق، يقول علي الأحمد (45 عاماً) لـ "العربي الجديد": "هناك أزمة حقيقية. قد لا يكون الأمر واضحاً بالنسبة لأولئك الذين يطبقون القانون الصارم. لكن يوماً ما سيتأكدون من أن الأطفال أطفالي". ويسأل: "ما هو الثمن الذي سأدفعه؟ بناتي في سنّ المراهقة، وبتن لا يثقن بي وأنا أقدّم وعوداً فارغة. أخشى أن يمرّر الموظّفون في دائرة الأجانب الوقت حتى تصبح البنات في سن الثامنة عشرة. حينها، لا يحقّ لي لمّ شملهن. هذا الواقع يجعلني عاجزاً عن التركيز في أي شيء".
بالعودة إلى عدوان، تقول زوجته المقيمة في الأردن لـ "العربي الجديد" إن "أطفالي صغار، لكنّهم يدركون أن والدهم وعدهم بالسفر إليه". تضيف: "صرنا مثل طابة ضائعة بين إجراءات معقّدة وتعجيزية. في السفارة، يطلبون منا إجراء فحص الحمض النووي. ولأنه لا يمكن إجراؤه في الأردن، يطالبونني بالذهاب إلى بلد آخر. أسألهم كيف نغادر إلى بلد آخر ونحن لم نستطع جلب أي أوراق معنا من سورية؟". ترى أن "هؤلاء الموظّفين لا يهتمون بالجانب الإنساني. هم موظّفون يطبّقون التعليمات. أشعر أننا عالقون منذ عام 2014".
من جهته، يستغرب عدوان ما يقوله بعض الموظفين. "كأن بعضهم لا يعرف شيئاً عن الجغرافيا. يقولون لي لماذا لا تذهب زوجتك إلى لبنان وتجري الفحوصات. أليس على الحدود مع الأردن؟ أستغرب هذا الجهل والتعجيز في الوقت نفسه. لو تبين أنهم ليسوا أبنائي، يمكن للدنمارك إعادتهم إلى الأردن فوراً. فهنا تظهر نتائج الفحص خلال ساعات".
في هذا الإطار، ينتقد الأستاذ في كليّة الحقوق في جامعة آرهوس، ينس فيدستيدهانسن، هذه الإجراءات الصارمة. يقول: "لا يمكن مطالبة عائلة سورية لاجئة بالمغادرة إلى بلد آخر بطريقة غير شرعية، خصوصاً أنها لا تملك الأوراق اللازمة للسفر. هذا الطلب بحد ذاته مخالف للقوانين". أما المستشار القانوني في منظمة العفو الدولية، كلاوس يول، فيقول إنّ دائرة الأجانب تتصرف بما يتنافى مع المعاهدات الأوروبية لحقوق الإنسان، مضيفاً أن هناك "حديثا عن رجال جاؤوا كلاجئين هرباً من الحرب، وحصلوا على إقامات، ولديهم زوجات وأطفال في الأردن. وما يطالبون به هو نوع من سلب لحقوقهم في لم شمل أسرهم". يتابع أنه "يمكن لهذه الأسر الحضور وإجراء الفحص هنا. وإذا ثبت العكس يمكن ببساطة إعادتهم إلى عمان، علماً أن السلطات تمنع إعادة الرجال الحاصلين على إقامات مؤقتة إلى سورية إلى حين انتهاء الحرب في بلادهم".
اقــرأ أيضاً
تواصلت "العربي الجديد" مع دائرة الأجانب في كوبنهاغن. وكان الردّ بالعودة إلى الإجراءات القانونية التي يتضمنها الموقع الرسمي للدائرة. أخيراً، بدأت قضية هؤلاء تلقى اهتماماً قانونياً وسياسياً. في هذا السياق، تقول ترينا يوهانسن، وهي من حزب البديل اليساري، لـ "العربي الجديد"، إن "قضية هؤلاء الرجال والعائلات التي يطلب منهم إجراء فحص الحمض النووي تعدّ مقلقة، لما تحمله من انعكاسات غير قانونية وغير إنسانية".
ووفقاً لأرقام رسمية صادرة عن دائرة الأجانب، فقد طلب خلال الفترة الممتدة من العام 2014 وحتى فبراير/شباط العام 2016، من نحو 500 شخص تقديم تلك الفحوصات لإتمام إجراءات لم الشمل. وعلى الرغم من إجراء 230 شخصاً الفحوصات في دول أخرى، يبقى على الآخرين انتظار فرج قانوني أو إنساني. هذا ما يقوله الأحمد الذي يتواصل مع أحزاب سياسية وبرلمانيين عبر منظمة مساعدة اللاجئين، لطرح هذه القضية بعد إجازة الصيف البرلمانية في كوبنهاغن.
القوانين الأوروبية الخاصة بحقوق الأفراد للعيش مع أسرهم تجاوزتها الدنمارك منذ أن توقفت في بداية العام 2012 عن منح المقيمين والمواطنين من أصول سورية حق لم شمل آبائهم حتى. وتنصّ المادة الثامنة من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، على وجوب احترام حق كل فرد في حياة خاصة والعيش مع عائلته بما يتوافق مع القوانين والإجراءات في المجتمعات الديمقراطية، بالإضافة إلى الحق في حماية عائلاتهم. ويمنع على الدول خرق هذه الحقوق، ويتوجب عليها الامتناع عن الإجراءات التي تتعارض مع ذلك، على غرار تقسيم العائلات وغيرها. بالتالي، على الدول المساهمة في تطبيق إجراءات تمنح البشر الحق في التواصل حتى بين الأهل المنفصلين وأبنائهم.
ويأمل اللاجئون المتزوجون بأن تحل مشكلة لمّ الشمل، ومناقشة هذه القضية في البرلمان الدنماركي. في ختام حديثه، يحاول عدوان أن يكون إيجابياً. وحتى تحقّق لمّ الشمل، سيظلّ يطمئن عائلته.
يشار إلى أنّ عدد طالبي اللجوء في الدنمارك، تراجع بشكل كبير، منذ فرض رقابة حدودية مع ألمانيا في يناير/ كانون الثاني الماضي، وفقاً لأرقام رسمية للشرطة. كذلك، يعاني المهاجرون من صعود الدعوات اليمينية ضدهم، خصوصاً المسلمين، منذ هجوم كوبنهاغن في فبراير/ شباط 2015.
عالقون بين كمّاشتين
يشعر مئات السوريين وغير السوريين، من طالبي اللجوء أو اللاجئين الحاصلين على إقامات مؤقتة، بأن القوانين الصارمة والمتشددة باتت تؤثر في نفسياتهم. كان هؤلاء قد اعتقدوا بأن الحلّ يكمن في طلب اللجوء في هذه البلدان، ليتبين لاحقاً أننا "أصبحنا عالقين بين كماشة البصمة الأوروبية والتشدد السياسي"، كما يقول بعضهم.
اقــرأ أيضاً
"كيف يمكن لزوجتي وأطفالي تلبية مطالب دائرة الهجرة والأجانب في الدنمارك، وتقديم فحص الحمض النووي للسفارة الدنماركية في الأردن؟". سؤال يطرحه محمد عدوان، الذي ينتظر لمّ شمل عائلته (زوجته وأطفاله الثلاثة)، منذ أكثر من عام ونصف العام.
يشير عدوان إلى أن "دائرة الأجانب في كوبنهاغن لا تكترث بالحال الذي وصلت إليه عائلتي، علماً أنني لم أرها منذ عام 2014". يضيف: "يريدون التأكد من أن الصغار أطفالي. لكن كيف يكون كذلك، وعائلتي مطالبة بالذهاب إلى بلد آخر غير الأردن، تتوفر فيه عملية التثبت من النسب؟". هذا الطلب التعجيزي لا يشمله وحده. يقول: "يريدون من زوجتي وأطفالي الصغار اجتياز الحدود والتوجّه إلى دولة أخرى بطريقة غير قانونية لإجراء الفحص، بدلاً من مساعدة العائلة على التثبت من النسب بطريقة بسيطة"، لافتاً إلى أن "حكومة الدنمارك يمكنها التحقق من الأمر في سفارتها في حال أرادت ذلك".
اقتراح عدوان لحلّ مشكلة معلّقة لا يبدو أنه يلقى آذاناً صاغية لدى موظفي البلدية. في هذا السياق، يقول الموظّف في قسم الدمج في البلدية، سورن غونتر، لـ "العربي الجديد": "أتفهّم الإحباط الذي يشعر به عدوان وغيره، خصوصاً بعد مرور وقت طويل. هذا بالتأكيد يؤثّر عليهم سلباً. لكنّ القرار ليس في يدنا".
يشير غوتنر إلى سوريين وصلوا إلى الدنمارك كلاجئين منذ نحو عامين. آخرون وصلوا في سبتمبر/أيلول الماضي، وينتظرون مرور عام قبل السؤال عن لمّ الشمل. في هذا السياق، يقول علي الأحمد (45 عاماً) لـ "العربي الجديد": "هناك أزمة حقيقية. قد لا يكون الأمر واضحاً بالنسبة لأولئك الذين يطبقون القانون الصارم. لكن يوماً ما سيتأكدون من أن الأطفال أطفالي". ويسأل: "ما هو الثمن الذي سأدفعه؟ بناتي في سنّ المراهقة، وبتن لا يثقن بي وأنا أقدّم وعوداً فارغة. أخشى أن يمرّر الموظّفون في دائرة الأجانب الوقت حتى تصبح البنات في سن الثامنة عشرة. حينها، لا يحقّ لي لمّ شملهن. هذا الواقع يجعلني عاجزاً عن التركيز في أي شيء".
بالعودة إلى عدوان، تقول زوجته المقيمة في الأردن لـ "العربي الجديد" إن "أطفالي صغار، لكنّهم يدركون أن والدهم وعدهم بالسفر إليه". تضيف: "صرنا مثل طابة ضائعة بين إجراءات معقّدة وتعجيزية. في السفارة، يطلبون منا إجراء فحص الحمض النووي. ولأنه لا يمكن إجراؤه في الأردن، يطالبونني بالذهاب إلى بلد آخر. أسألهم كيف نغادر إلى بلد آخر ونحن لم نستطع جلب أي أوراق معنا من سورية؟". ترى أن "هؤلاء الموظّفين لا يهتمون بالجانب الإنساني. هم موظّفون يطبّقون التعليمات. أشعر أننا عالقون منذ عام 2014".
من جهته، يستغرب عدوان ما يقوله بعض الموظفين. "كأن بعضهم لا يعرف شيئاً عن الجغرافيا. يقولون لي لماذا لا تذهب زوجتك إلى لبنان وتجري الفحوصات. أليس على الحدود مع الأردن؟ أستغرب هذا الجهل والتعجيز في الوقت نفسه. لو تبين أنهم ليسوا أبنائي، يمكن للدنمارك إعادتهم إلى الأردن فوراً. فهنا تظهر نتائج الفحص خلال ساعات".
في هذا الإطار، ينتقد الأستاذ في كليّة الحقوق في جامعة آرهوس، ينس فيدستيدهانسن، هذه الإجراءات الصارمة. يقول: "لا يمكن مطالبة عائلة سورية لاجئة بالمغادرة إلى بلد آخر بطريقة غير شرعية، خصوصاً أنها لا تملك الأوراق اللازمة للسفر. هذا الطلب بحد ذاته مخالف للقوانين". أما المستشار القانوني في منظمة العفو الدولية، كلاوس يول، فيقول إنّ دائرة الأجانب تتصرف بما يتنافى مع المعاهدات الأوروبية لحقوق الإنسان، مضيفاً أن هناك "حديثا عن رجال جاؤوا كلاجئين هرباً من الحرب، وحصلوا على إقامات، ولديهم زوجات وأطفال في الأردن. وما يطالبون به هو نوع من سلب لحقوقهم في لم شمل أسرهم". يتابع أنه "يمكن لهذه الأسر الحضور وإجراء الفحص هنا. وإذا ثبت العكس يمكن ببساطة إعادتهم إلى عمان، علماً أن السلطات تمنع إعادة الرجال الحاصلين على إقامات مؤقتة إلى سورية إلى حين انتهاء الحرب في بلادهم".
تواصلت "العربي الجديد" مع دائرة الأجانب في كوبنهاغن. وكان الردّ بالعودة إلى الإجراءات القانونية التي يتضمنها الموقع الرسمي للدائرة. أخيراً، بدأت قضية هؤلاء تلقى اهتماماً قانونياً وسياسياً. في هذا السياق، تقول ترينا يوهانسن، وهي من حزب البديل اليساري، لـ "العربي الجديد"، إن "قضية هؤلاء الرجال والعائلات التي يطلب منهم إجراء فحص الحمض النووي تعدّ مقلقة، لما تحمله من انعكاسات غير قانونية وغير إنسانية".
ووفقاً لأرقام رسمية صادرة عن دائرة الأجانب، فقد طلب خلال الفترة الممتدة من العام 2014 وحتى فبراير/شباط العام 2016، من نحو 500 شخص تقديم تلك الفحوصات لإتمام إجراءات لم الشمل. وعلى الرغم من إجراء 230 شخصاً الفحوصات في دول أخرى، يبقى على الآخرين انتظار فرج قانوني أو إنساني. هذا ما يقوله الأحمد الذي يتواصل مع أحزاب سياسية وبرلمانيين عبر منظمة مساعدة اللاجئين، لطرح هذه القضية بعد إجازة الصيف البرلمانية في كوبنهاغن.
القوانين الأوروبية الخاصة بحقوق الأفراد للعيش مع أسرهم تجاوزتها الدنمارك منذ أن توقفت في بداية العام 2012 عن منح المقيمين والمواطنين من أصول سورية حق لم شمل آبائهم حتى. وتنصّ المادة الثامنة من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، على وجوب احترام حق كل فرد في حياة خاصة والعيش مع عائلته بما يتوافق مع القوانين والإجراءات في المجتمعات الديمقراطية، بالإضافة إلى الحق في حماية عائلاتهم. ويمنع على الدول خرق هذه الحقوق، ويتوجب عليها الامتناع عن الإجراءات التي تتعارض مع ذلك، على غرار تقسيم العائلات وغيرها. بالتالي، على الدول المساهمة في تطبيق إجراءات تمنح البشر الحق في التواصل حتى بين الأهل المنفصلين وأبنائهم.
ويأمل اللاجئون المتزوجون بأن تحل مشكلة لمّ الشمل، ومناقشة هذه القضية في البرلمان الدنماركي. في ختام حديثه، يحاول عدوان أن يكون إيجابياً. وحتى تحقّق لمّ الشمل، سيظلّ يطمئن عائلته.
يشار إلى أنّ عدد طالبي اللجوء في الدنمارك، تراجع بشكل كبير، منذ فرض رقابة حدودية مع ألمانيا في يناير/ كانون الثاني الماضي، وفقاً لأرقام رسمية للشرطة. كذلك، يعاني المهاجرون من صعود الدعوات اليمينية ضدهم، خصوصاً المسلمين، منذ هجوم كوبنهاغن في فبراير/ شباط 2015.
عالقون بين كمّاشتين
يشعر مئات السوريين وغير السوريين، من طالبي اللجوء أو اللاجئين الحاصلين على إقامات مؤقتة، بأن القوانين الصارمة والمتشددة باتت تؤثر في نفسياتهم. كان هؤلاء قد اعتقدوا بأن الحلّ يكمن في طلب اللجوء في هذه البلدان، ليتبين لاحقاً أننا "أصبحنا عالقين بين كماشة البصمة الأوروبية والتشدد السياسي"، كما يقول بعضهم.