الأصوات اليمنيّة الشابة... استعارة لهجة "الأقوى" في مسابقات الغناء

02 ابريل 2018
سهى المصري (يوتيوب)
+ الخط -
أتت مسابقات الغناء بهدف اكتشاف المواهب الشابَّة على القنوات الفضائية، وكان للفضائيات السعودية النصيب الأكبر منها. واعتقد اليمنيون أنها قد تكون فرصة كي تخرج أصوات من بلدهم إلى الضوء والنور. لقد صار هذا الزمن محكوماً بالمادة وأدوات التواصل الفضائية التي صارت تصل إلى بيوت الناس من المحيط إلى الخليج بسرعة الضوء والصوت. ولو بقي الشاب اليمني الموهوب أسير وسائل إعلامه البطيئة للغاية، فلن يصل. 

في السنوات السابقة وقبل اختراع هذه الفضائيات، هاجر يمنيون كثر، وفي زمن قصير صاروا نجوماً في أرض الحجاز، بل وأصبحوا على رأس هرم الطرب الخليجي وشبه الجزيرة العربية. لقد صاروا نجوماً بسبب موهبتهم الكبيرة والواضحة. من هؤلاء وأبرزهم، اليمني أبو بكر سالم بلفقيه، الراحل قبل أشهر. لكن تبدو نقطة هامّة قد يجوز الالتفات إليها في سيرة "أبو أصيل"؛ لقد سار على نغمته اليمنية الحضرمية ولم يبتعد عنها كثيراً، بل كان يفرض نغمته الخاصة التي قام بتربيتها طوال مسيرته، بل وفوق ذلك، صنع لصوته سلطة.

منذ تاريخ طويل، والعلاقات اليمنية السعودية ليست طبيعية، من المفترض أن تكون بين بلدين جارين. كانت الأخيرة تنظرُ إلى اليمن بنظرة أدنى، هي لغة المال والنفط. لكن أبو بكر سالم بلفقيه قرّر، في يوم ما، أن يُغني لبلده الأصلي، أن يفعل عملاً يُرجعه إلى الأرض التي سقط رأسه فيها وما يزال يحن إلى ترابها. لقد عمل ملحمته "أمي اليمن". في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ذهب إلى القاهرة لتسجيلها، ومن هناك تسرّب خبرها. وصله اتصال من سلطات عليا سعودية أن يوقف تسجيلها، لقد وصلهم معناها المقصود وكلماتها: "مَن يشبهك مَن؟ / إنتِ الحضارة إنتِ المنارة/ إنتِ الأصل والفصل والروح والفن/ في داخل القلب حبك في الفؤاد استبى/ من قبل بلقيس وأروى والعظيمة سبأ/ يا كاتب التاريخ: سجّل بكل توضيح: إنتِ الأصل والفصل والروح والفن".



لا يمكن أن تمرّ أغنية مثل هذه، بكل ما تحمله من ثورة ومعنى، مرور الكرام. كأنها ضربت البلاد التي حمل أبو أصيل جنسيتها في مضرب. كأنهم قالوا: "لقد خاننا من فتحنا له ديارنا". لكنه لم يلتفت. أعلن أنه سيغنيها وفي صنعاء، وكانت حفلات كثيرة شهيرة ما تزال مسجّلة على التلفزيون اليمني إلى اليوم. وفوق هذا، لقد ارتدى بدلة في كل الحفلات التي أقامها في قلب صنعاء، في كل الحفلات. لم يقم بارتداء أي زي خارج السياق اليمني.

لكن يبدو أن أصوات الجيل الجديد من مواهب اليمن متعِبة ولا تريد أن تبذل مجهوداً كي تفرض نبرة صوتها اليمنية. تريد فقط أن تصل بسهولة إلى منصات التتويج، ولو بنبرة مُستعارة غير التي تربّت عليها. أن تُغني بأي نبرة كانت، ولو كان ذلك على حساب أصوات التصويت اليمنية التي رفعتها كي تفوز بتلك المسابقات التي أوصلتهم إلى الخليج.

صارت الأصوات تغني بنبرة غير يمنية خالصة، وتقول "ما أبغي، وذبحني هواك، وأنا مِن بعدك رماد، وشلون حياتي، تدري حياتي بقربك كثير"، وهذه مفردات لا علاقة لها، لا بالكلام اليمني ولا بمفردات أُغنيات اليمن. ثم كيف أن السعودية التي تسرق تراث اليمن الغنائي ولم تتوقف إلى اليوم، ليأتي شاب يمني ليقول غناءً باللهجة السعودية! كيف تترك ما هو بين يديك وتذهب إلى ما هو من حق الناس الآخرين! كما أنك لن تتقن لهجة غيرك مهما حاولت. اللهجة الأصلية لا يتقنها غير أهلها. إلا لو أخذنا هذه المسألة في سياق أن الفرد الضعيف يحاول تقمّص لهجة الفرد الأقوى منه.

من الأمثلة على ذلك، فؤاد عبد الواحد، الشاب الذي فاز بلقب "نجم الخليج" عام 2010، وصار صوته الجميل مسموعاً. حين أتى إلى صنعاء (وهو من مواليد مدينة تعز شمال صنعاء) استقبله الناس بأعداد كبيرة في المطار. رفعوا صوره على سياراتهم، فهو ينتمي لمدينة الثقافة اليمنية، تعز، التي ينحدر منها مطرب وملحن النشيد الوطني اليمني، أيوب طارش.
وحصل أن صدر الألبوم الأول لهذا الشاب اليمني عام 2016 بلهجة غير يمنية. وقبل الحديث عن الأغنيات التي قام بها، علينا الانتباه للزي الذي صار يظهر به على الفضائيات، وهو أيضاً زي غير يمني. وبعد ذلك هذه عناوين أغنياته: "ليل ومغرب"، "صوت الباب"، "بغير جو"، و"أنا لحالي"، "ولا يهمك"، "قلبي الصغير"، "دكتور نفسية"، "بزعمك"، "أنا من يوم"، "ناوي شر"، "لا تكابر، "جيناكم خطاب"، "خصام الوقت"، "حبك غريب"، "حيل الله"، "رشيق القد"، "كذاب"، "ويش ضامة". نحو 22 أغنية، ولا أغنية واحدة تنتمي إلى اللهجة ولا إلى التراث اليمني الثري والغني والكبير. أيعقل من شخص وصل بأصوات يمنية فقيرة دفعت له مالاً من مصروف يومها كي يصعد أن يصبح بعيداً عن الصوت الذي انطلق منه.



اليوم، هناك حالة جديدة، متسابقة جديدة اسمها سهى المصري، المنطلقة من مدينة ذمار (شمال صنعاء) وهي مدينة الثقافة اليمنية. سهى ما تزال في المراحل المتقدمة من المسابقة الجديدة "ذا فويس" على قناة إم بي سي. كان ظهورها الأول يحمل طابعاً يمنياً، عبر صوتها وزيّها. ينتظر أهل اليمن أن تبقى سهى بنت ذمار على طريقها.




المساهمون