في الثامن من شهر فبراير/ شباط الماضي، توجهت قافلة عسكرية تابعة للجيش العراقي إلى بغداد، آتية من البصرة وتحمل نحو 16 طناً من الأسلحة والمعدات العسكرية التي قدمتها دولة أوروبية للعراق. وصلت هذه المساعدات العسكرية عبر ميناء أم قصر في البصرة، المطل على الخليج العربي. لكن سرعان ما فُقِد جزء من شحنة السلاح هذه على الطريق، حيث تعرضت الشاحنات التي تنقل تلك الأسلحة إلى عملية سرقة، على الرغم من وجود قوات كبيرة خُصّصت لحمايتها. بعد أيام قليلة، أغلقت الحكومة التحقيق بالحادث، إذ توصلت إلى أن الجزء المفقود ذهب لصالح مليشيات "الحشد الشعبي" وتحديداً خلال مرورها بمحافظة بابل، جنوبي بغداد، والتي تعد واحدة من أبرز معاقل مليشيات "الحشد" بالوقت الحالي. وتحاول حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، التحفظ على الموضوع، كما أن الكتل السياسية تخشى التحدث عن هذا الملف، علماً بأنها ليست المرة الأولى التي تتسلل فيها الأسلحة الغربية للمليشيات على الرغم من أن الجهة الموجهة إليها هي الجيش العراقي.
وتسلم العراق خلال العامين الماضيين مساعدات عسكرية كبيرة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وتشيكيا والسويد وفرنسا وروسيا ودول أخرى في إطار الدعم المقدم للعراق في الحرب الحالية الدائرة ضد "داعش". كما أرسلت دول عربية عدة شحنات أسلحة، قال عن إحداها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، العام الماضي، إنها اختفت قبل وصولها للجيش العراقي، دون أن تعلق الحكومة على مطالبته بفتح تحقيق في الموضوع.
وأضاف المسؤول العسكري العراقي نفسه، الذي اتهم أمين السر لدائرة التموين بوزارة الدفاع، اللواء ثامر العكيلي، بالضعف والخوف من المليشيات وبعدم منعها من الاستحواذ على قسم من المساعدات العسكرية الغربية، أن مليشيات "حزب الله" و"النجباء" و"بدر" و"العصائب" هي أكثر الفصائل تورطاً في الاستيلاء على السلاح الغربي بدون وجه حق. وتابع أنه من غير المستبعد أن تنقل المليشيات هذا السلاح إلى سورية. ولفت إلى أنه "حتى قاذفات أي تي-4 الأميركية التي جهز بها الجيش العراقي أخيراً تحوّل قسم غير قليل منها إلى أيدي تلك المليشيات، كما أن بنادق أم-16 متوفرة وبكثرة لديها على عكس الجيش العراقي وباقي القوات النظامية"، بحسب تأكيده. وذكر أن كل "من يحاول أن يثير الموضوع أو يعترض سيقتل أو يقال من منصبه أو تلفق له تهمة فساد إداري أو يقع تحت طائلة المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب النافذ في العراق"، على حد تعبيره.
وفي هذا الصدد، انتقد العضو بـ"التحالف الكردستاني"، حمة أمين، ما سمّاه تعامل الحكومة مع قوات أخرى تتشارك معها الهدف نفسه. وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة لا تعطي "البشمركة" أيّ من تلك المساعدات في الوقت الذي تفتح فيه أبواب مخازن الجيش أمام المليشيات، كما أنها تحاصر مقاتلي العشائر الذين اشتروا أخيراً سلاحاً من السوق السوداء على نفقتهم الخاصة، وفق تأكيده. وخلص إلى أن "هذا الملف جزء من النهج الطائفي والعنصري الذي ورثته حكومة العبادي عن حكومة نوري المالكي ولم تتخل عنه"، على حد قوله.