الأسطى حسن إسكافي بالوراثة..

26 سبتمبر 2015
الأسطى حسن في مشغله (العربي الجديد)
+ الخط -
في حارة صغيرة متفرعة من شارع شريف في وسط القاهرة، وفي ورشة تنخفض عن مستوى الشارع أربع درجات يجلس الأسطي "حسن الشماع"، مسن في العقد الثامن من عمره.
رفع رأسه من وسط الجلود والنعال والأحذية نصف المصنعة حين سمع وقع خطواتنا على درجاته المتهالكة، ثم وقف وصافحنا بيده المشحمة وملابسه الملطخة بأصبغة الأحذية. "حسن الشماع".. هو كل ما تبقى من عالم صناعة الأحذية يدوياً، بعد رحيل صنايعية ورواد الصناعة، وإحجام الأجيال الجديدة عن تعلم الصنعة.


تزدحم الورشة الضيقة بجلود طبيعية "بقر"، وهي المادة الخام التي يستخدمها "الشماع" لصنع الحذاء، "أحذيتي كلها جلد طبيعي"، وقوالب خشب لشد الجلد عليها، وأزواج من الأحذية مكتملة الصنع وأخرى لم تكتمل، ونعال طبيعية، وموقد وصمغ ومسامير وكذا ماكينة صغيرة للسنفرة، وأرقام هواتف لزبائن كثر على كل مساحة ممكنة.


يحكي الأسطى حسن وهو يرتشف قهوته، أن أجداده تعلموا صناعة الأحذية يدويا من الأرمن حين كانوا يعيشون في مصر، وكانوا يصنعون أحذية الملك فاروق، ورغم دراسته وحصوله على بكالوريوس التجارة، إلا أنه عمل مع والده منذ الصغر "كنت بأذاكر على الطرابيزة الصغيرة دي"، تعلم في تلك الورشة وتشرب الصنعة جيدا، وعندمااإطمئن والده بأنه سلم ما لديه لولديه.. مات.

أقرأ أيضًا:نعال "الرافيا" بالمغرب

تسلم الأسطى حسن وأخوه مصطفى الورشة بعد رحيل والدهم، طورا الصنعة وافتتحا فرعا آخر وكثر الزبائن من صفوة المجتمع.

يتعامل الأسطى حسن مع واحدة من المدابغ الموثوق فيها، على حد قوله، لينتقى أفضل الجلود البقرية الطبيعية للحذاء والنعل، ثم يعطيها لـ"المكنجي" الذي يعمل معه، ويقوم الآخر بدوره في رسم تصميم الحذاء الذي يريده الزبون على ورق الباترون، ويقوم بشد الجلد على القالب لأخذ المقاس، ثم يقوم بقصه وتخريم الحذاء حسب التصميم، ويكمل الأسطى حسن ما بدأه المكنجي.

يستخدم الأسطى حسن كثيراً من المفردات الغامضة، ثم يتوقف لتوضيحها "بطمة وعظمة، بلغتنا يعني خيط كتان وإبرتين وأخيط بهم الحذاء على أيدي، مش زي شغل المصانع دلوقتي بالمكابس، والمكن"، وبعد 15 يوما يصبح الحذاء جاهزا.



يقوم الأسطى حسن بصنع أحذية للحالات الطبية وذوي الاحتياجات الخاصة، ويخرج من جانبه زوج من الأحذية الرجالي، أحدهما مستقيم بانحناءة خفيفة من الأمام، والآخر ملفوف من جهة الأصابع إلى الداخل كثيرا، ويقول "ده حذاء رجل مهم ومعروف جدا في البلد، عنده مشكلة في رجله اليمين، وأنا بأصنع له جزمه من وهو صغير بالشكل ده".


يخشى الأسطى حسن من اندثار تلك الصناعة، بخاصة بعد موت أخيه والصنايعي الذي ظل يعمل معه، قائلا: "أنا الوحيد إللي لسه فاضل، كل صناع الأحذية اليدوي خلاص ماتوا، ومفيش جيل جديد عايز يتعلم صنعة، خصوصا إن تفصيل الجزم محتاج فن ودماغ وأيد حلوة"، مضيفا "كل الناس دلوقتي عايزة تلبس بدلة وكرافتة وتقعد على مكاتب".

أقرأ أيضًا:11 نصيحة للأناقة في مكان العمل
دلالات
المساهمون