الأسطورة محمد علي..كيف قهر خصومه ذهنياً قبل الحلبة؟

12 ديسمبر 2015
+ الخط -

"عبقرية محمد علي تكمُن في عقله، ولم تكن في قوته العضلية، كان يُحجّم خصمه، ويلعب على العامل العقلي أكثر من العامل البدني، لم يدرس أسلوب سوني ليستون في الملاكمة فقط، بل لاحظ ودرس أي شخص كان ليستون خارج الحلبة".. كلمات مقتضبة من كارول دويك، دكتورة علم النفس في جامعة "ستانفورد" الأميركية، تصف فيها عبقرية الملاكم الأعظم في تاريخ اللعبة في كتابها "النمو العقلي".

في قديم الأزل كانت تستخدم بعض الاختبارات البدنية لمعرفة مدى نجاح الملاكم وهل سيحظى بمسيرة ناجحة أم سيختفي سريعاً عن طريق قياس حجم قبضة اليد وقوتها، امتداد الصدر، والكتلة العضلية، والوزن، وكانت المفاجأة في توقع المتابعين وخبراء اللعبة أن محمد علي لن يستمر طويلاً بناءً على نتائج الاختبارات البدنية التي بدا فيها صاحب اللكمة الأسرع في التاريخ "فاشلاً"، إلا أن التطور العقلي والنفسي لمحمد علي كان أحد أهم أسرار تفوّقه الكبير في اللعبة على نظرائه الأقوى بدنياً، وهو ما يمكن تلخيصه في ما فعله "كاسيوس مارسيلوس كلاي" - اسمه في ذلك الوقت - مع بطل الوزن الثقيل سابقاً سوني ليستون في المباراة التي صنفتها مجلة "سبورتس إليستراتد" الأميركية كرابع أعظم لحظة رياضية في القرن العشرين.

كان سوني ليستون بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل قبل مواجهة محمد علي، فتّاكاً ومرعباً يخشاه الخصوم مثل البطل البريطاني هنري كوبر الذي يخشى حتى أن يقابله في الشارع، كما صرح وكيل الأخير من قبل.

لم يكن أحد مستعداً لملاقاته، لكن محمد علي بعمر الـ 22 فقط قرر مواجهة ليستون "المرعب" في عام 1964. كل المعطيات تؤكد أن الملاكم الذي لا يُظهر أية إشارة للألم سيفوز بسهولة ودون عناء وأن "المُندفع" محمد علي سيندم على قراره وقتما يجد نفسه في نفس الحلبة مع ليستون صاحب الخبرة العريضة.

لم يكن أحد يتخيل أن هناك فائزاً في هذه المباراة سوى ليستون وهو الأكثر قسوة من جو فرايزر ومايك تايسون، بحسب جوني توكو المدرب الذي عمل مع الملاكمين الثلاثة. قد يتعجب الكثيرون من إجابة محمد علي عن كيفية استعداداته للمباراة التي هزت العالم حينما قال "لقد قرأت كل مقابلاته في كل مكان، تحدثت مع كل المحيطين به، بل وكل من تحدث معه شخصياً، جمعت كل التفاصيل وكنت أرقد على السرير أُركّب كل الأجزاء مع بعضها وأفكر فيها وأحاول أن أخلق صورة لكيف كان عقله يعمل في ذلك الوقت".

ويكمل حديثه قائلاً "كان عليّ أن أوصل رسالة إلى ليستون أنني مجنون حقاً وأستطيع فعل أي شيء، لم يستطع رؤية أي جزء مني سوى "فمي"، وهو الجزء الذي أردت أن يراه". آمن محمد علي بأن عليه أن يسيطر على عقل خصمه الفتاك قبل أن يهزمه في الحلبة وكان عليه أن يسيطر على كل تفاصيل حياة ليستون "المدمر" قبل أن يسيطر عليه في الحلبة.

وبالعودة إلى كتاب "النمو العقلي"، تُفسر الدكتورة كارول دويك "لماذا قد يبدو محمد علي مجنوناً قبل كل مبارياته؟"، مشيرة إلى أن كل ما كان يفعله محمد علي كان جزءاً من الحرب النفسية، وأن محمد علي كان يتغلب على خصمه في عقله قبل أن يتغلب عليه في الحلبة.

لم يكن يتخيل أحد ما فعله محمد علي قبل المباراة المرتقبة، حتى ليستون نفسه، إذ فوجئ الأخير بأن محمد علي استأجر حافلة وكتب عليها "ليستون سيُقضى عليه في 8"، في إشارة منه إلى 8 جولات، ولم يكتفِ بذلك بل وتوجه بالحافلة إلى المنطقة التي يسكن بها ليستون.

ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد بل كانت تصريحات محمد علي أكثر جنوناً من أفعاله عندما قال "سوني ليستون لا شيء. الرجل يحتاج إلى دروس لتعلُّم الملاكمة، وبما أنه سيواجهنني فهو بحاجة لدروس لتعلّم السقوط"، أو أن ينعته بـ "الدب الكبير القبيح".

استمرت المباراة بين ليستون ومحمد علي 6 جولات قبل أن يستسلم الأول في بداية الجولة السابعة، بعد أن أنهكه محمد علي "المتحرك كالفراشة، اللاسع كالنحلة" ليصرخ صاحب الـ22 ربيعاً آنذاك "لقد صدمت العالم.. لقد صدمت العالم".

وتتضح من هذه المباراة القوة الذهنية والعقلية التي يتمتع بها محمد علي، فبدلاً من أن يقول "لست جيداً كفاية لأكون بطلاً"، قال "سأسلك طريقاً مختلفاً لتحقيق النجاح"، وهو الفارق الكبير والعامل الحاسم الذي رجح كفة محمد علي في مباراته أمام ليستون رغم تمتع الأخير بقوة بدنية وجسمانية كبيرة جداً، ناهيك عن الخبرة الكبيرة لدرجة توصيفه قبل المباراة بأنه "لا يقهر".

حرب فيتنام
تحوّل محمد علي لحديث الساعة في جميع وسائل الإعلام في عام 1966 بعدما رفض الانضمام إلى الجيش الأميركي في حرب فيتنام، قائلاً "لماذا يسألونني أن ألبس زياً وأن أذهب 10 آلاف ميل بعيداً عن الديار لألقي القنابل والرصاص على الشعب الفيتنامي على الرغم من أن أصحاب البشرة السمراء هنا يعاملون كالكلاب ويتم تجريدهم من أبسط الحقوق.

لا لن أسافر 10 آلاف ميل لأقتل وأحرق أناساً بريئين، إذا كنت أعتقد أن هذه الحرب ستعطي الحرية لـ22 مليوناً من أهلي، سأنضم غداً إليهم، ليس لدي شيء أخسره بالدفاع عن معتقداتي.. سيُزج بي في السجن؟ ما المشكلة؟ نعيش في سجنٍ منذ 400 عام".

وفي عام 1967 في قمة انتصاراته في عالم الملاكمة، تم سحب اللقب منه بسبب رفضه الالتحاق بالجيش الأميركي في هذه الحرب قبل أن يعود للملاكمة مرة أخرى عام 1970 في مباراة وصفت بأنها (مباراة القرن) ضد جو فريزر، ليبرهن محمد علي مرة أخرى على قوته العقلية والذهنية التي مكنته من مواجهة الحرب الإعلامية آنذاك خلال مدة إيقافه دون التراجع عن موقفه ولا التزحزح عن مبادئه التي كانت السبب الرئيسي في حرمانه من أفضل أعوام أي ملاكم في مسيرته الرياضية.

اقرأ أيضا..
محمد علي يلقّن ترامب درساً عن الإسلام

دلالات
المساهمون