الأزياء والتلوّث: من صناعة النسيج للاقتصاد الدائري

10 سبتمبر 2019
Esprit من العلامات التجاريّة الموقّعة على الاتفاق (Getty)
+ الخط -
تمثّل صناعة الأزياء أحد أكبر الاقتصادات في العالم، كونها تشمل القطاعات الزراعيّة والصناعيّة وريادة الأعمال والتسويق، ويبلغ رأسمالها العالميّ حوالي 287 مليار دولار. في الوقت نفسه، تعتبر هذه الصناعة مصدراً هائلاً لانبعاث الغازات الدفيئة، بسبب كمية الإنتاج الكبيرة للثياب، لتكون ثاني أكبر صناعة ملوّثة على الأرض بعد قطاع النفط. وقدّرت مؤسسة "إيلين ماك آثر" التي تهتم باقتصاد النسيج، أنه في عام 2015، أصدرت صناعات النسيج ما يقدّر بـ1,2 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون. أي ما يعادل انبعاث غازات دفيئة من سيارة تحركت لأكثر من 413 مليون كيلومتر، إلى جانب تلويث 20 في المائة من المياه، بسبب ما يُسمّى "تطوير صناعة النسيج". وهنا قدمت المؤسسة نموذجاً يسعى لتحويل قطاع النسيج إلى ما يسمى بالاقتصاد الدائري المسؤول، والذي تتحول فيه المهملات إلى موارد جديدة. 

دفعَت خطورة تلك الأرقام الأمم المتحدة ومعها علامات تجارية كبيرة ورائدة في مجال صناعة الأزياء، إلى التوقيع خلال "المؤتمر الرابع والعشرين لأطراف اتفاقية المناخ COP24" في بولندا عام 2018، على ميثاق، يتعهدون فيه بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030، إلى جانب العمل والتعاون لخلق تغيير منهجي في صناعة الأزياء، يشمل المستهلكين والمصنعين على حدّ سواء.

ومن العلامات الموقعة على الاتفاقية Esprit، وPatagonia، الشركتان الرائدتان والمبادِرتان في تحويل صناعة الأزياء إلى صناعة مستدامة قادرة على "فهم" تغيرات العالم، ولا تسبب الأذى ضمنه. فكلتا العلامتين تعملان منذ تسعينيات القرن الماضي على إيجاد حلول عملية للمشكلات المناخية والمشكلات الاستهلاكية وقضايا أخرى، وذلك عبر تحويل طرق الإنتاج لتصبح أكثر وعياً، وابتكار طرق مختلفة لتقديم المنتجات، كالاعتماد على القطن الطبيعيّ بصورة كاملة، وتحسين شروط العمل، وتصنيع أزياء ذات عمر طويل وجودة عالية لا حاجة لاستبدالها بسبب تلفها. لكن، يمكن لأي متابع لمنتجات الشركة، أن يلاحظ أن أزياءها محايدة، ولا تثير الانتباه، إذْ تبدو عملية ورياضية وكفيلة بإبقاء الشخص أنيقاً لا خلاباً. وهذا ما يشكل تهديداً للشركة كونها لا تخاطب "ذوق" المستهلكين، بل "أخلاقهم" و" مسؤوليتهم الاجتماعية"، وهذا ما نراه في حملة "تجارة عادلة" التي أطلقتها Patagonia، والتي تهدف إلى تحسين شروط الإنتاج، وخصوصاً في المشاغل خارج الولايات المتحدة.

ومن العلامات التجاريَّة الموقعة أيضاً nditex (مالك Zara) وH&M وAdidas وBurberry وLevi's وGuess وGap وPuma و"ستيلا ماكارتني" و Kering (مالك "غوتشي" و"إيف سان لوران"، إضافة إلى علامات أخرى) ودور أزياء عريقة وشهيرة. كما وقعت شركة Target Box لمتاجر التجزئة الكبيرة في الولايات المتحدة على الاتفاقيّة. كذلك حال شركة الخدمات اللوجستية العالمية Maersk، ومنظمات مثل "المجلس الوطني للمنسوجات والملابس" في الصين، و"التحالف المستدام للملابس". ويشجع هذا الميثاق المفتوح على انضمام شركات أخرى إليه. كما أن هناك الكثير من العلامات الأخرى الجديدة والقديمة، والتي تعتبر نفسها صديقة للبيئة وصديقة للصناعة المستدامة كـeverlane وreformation وuniqlo وmango، والكثير من العلامات المهتمة بالثياب الرياضية.

في السياق، أطلقت شركة "إتش إن إم" مبادرة لإعادة تدوير الملابس القديمة، إذ يمكن لأي شخص تقديم ملابسه لأي متجر معتمد من الشركة لإعادة تدويرها. وتفخر الشركة في تقريرها السنوي بكمية الثياب التي تلقتها عبر المبادرة، والتي بلغت أكثر من 20 ألف طن. كما خصصت قسماً كاملاً من التقرير للإعلان عن نسبة استخدام القطن المعاد تدويره في منتجاتها والتي بلغت 95 في المائة.

واعتبرت ستيلا مكارتني، وهي من بين الموقعين على الميثاق السابق، والمصممة المعروفة بالدفاع عن الاستدامة في الموضة، أن مشكلة تغير المناخ "تحتاج فعلاً إلى قادة يعملون معاً كقوة يمكنها تغيير السياسة وسن القوانين والتشريعات"، وجاء ذلك أثناء حديثها في مؤتمر Business Fashion's Voices يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين تم الإعلان عن الميثاق لأول مرة. وأضافت لاحقًا في لقاء معها، أن "الاستدامة" في الأزياء تتمحور عادة حول المصانع واليد العاملة وأثر المواد الكيميائية على البيئة، في حين يتم نسيان الأثر الذي تتركه الفراء والجلود، فالحصول عليها يعتبر أيضاً تهديداً للبئية، بل إن البعض يدّعي أن الجلد هو الأقل ضرراً، لأنه طبيعيّ، وهذا ما تراه ستيلا خاطئاً، فحسب قولها: "جلد الحيوان يتفكك بصورة طبيعيّة حين يكون خارجاً، لا معلقاً في الخزانة بعد معالجته كيميائياً"، والأمر ذاته ينطبق على الجلود الاصطناعيّة التي يدخل في تكوينها "البوليستر" و"الأكرليك".

ويستطيع المستهلك الفرديّ أيضاً المشاركة في تخفيف ضرر الصناعات النسيجيَّة، من خلال تقديم الملابس القديمة إلى جمعيات أو أفراد بدل رميها في القمامة، أو إلى شركات ك H&M، وتبادلها عبر جلسات بين الأصدقاء. وهناك، أيضاً، طريقة شراء الثياب المستعملة، أو الـvintage والتي أصبحت أيضاً إحدى أكثر الطرق العصرية في التسوق.
المساهمون