الأزهر والرئاسة.. الخلاف يتفاقم

01 مايو 2017
(في حديقة الأزهر، تصوير: إيستر ميرمان)
+ الخط -

لم يعد سرًا في مصر، أن هناك خلافًا بين مؤسستي الأزهر والرئاسة، لكن أحدًا لم يكن يعلم حجم وعمق هذا الخلاف، فحتى أيام قليلة مضت، لم يكن الخلاف (الظاهر) يتجاوز محاولات إحراج علنية متبادلة بين الطرفين.

أخيرًا، طرأ تطور خطير على المشهد، وشى بعمق الخلاف بين الطرفين. تمثل هذا التطور في قيام النائب البرلماني محمد أبو حامد، باقتراح مشروع قانون لـ"إعادة تنظيم الأزهر"، يهدف إلى الإطاحة بالإمام الأكبر أحمد الطيب وإخضاع الأزهر للسلطة السياسية. فما الذي أوصل الأمور إلى هذه النقطة؟


جذور الخلاف
كان أول خلاف بين نظام 3 يوليو/ تموز 2013 ومؤسسة الأزهر، عقب أحداث الحرس الجمهوري، إذ أصدر شيخ الأزهر أحمد الطيب بيانًا أدان فيه أحداث العنف، وطالب بإعلان نتائج التحقيقات أولًا بأول على الشعب المصري حتى تتضح الحقائق، وهدد بالاعتكاف في بيته.

تكرر الخلاف أيضًا في لحظة مفصلية، وهي مذبحة رابعة العدوية، حيث خرج شيخ الأزهر ببيان أكد فيه على حرمة الدماء، وأعلن أسفه وحزنه على سقوط ضحايا، وقدم العزاء والرحمات لأسرهم، كما طالب بإجراء حوار سياسي جاد وعاجل للخروج من الأزمة.

كان هذا البيان خروجًا عن الرواية الرسمية للنظام التي تنكر المذبحة، وتُحمل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية أحداث العنف وتتهمهم بحمل السلاح ومهاجمة مؤسسات الدولة.


أزمة تجديد الخطاب الديني
سعى الرئيس السيسي، منذ توليه مقاليد الحكم، إلى تقديم نفسه محليًا ودوليًا كممثل للإسلام السني الوسطي المسالم، ومن أجل هذا الإطار تحدث كثيرًا عن ضرورة تجديد الخطاب الديني ودعى الأزهر إلى تولي هذه المهمة.

لم تجد هذه الدعوة صدى يذكر لدى مؤسسة الأزهر، التي حرصت في مواقف مختلفة على اتخاذ مواقف رأى أنصار النظام أنها لا تتفق مع دعوة الرئيس السيسي لتجديد الخطاب الديني، ومن هذه المواقف:

- رفض تكفير تنظيم "داعش" بدعوى أن علماء الأمة "لا يستطيعون أن يحكموا على مؤمن بالكفر مهما بلغت سيئاته، بل من المقرر في أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد".

- رفض الخطبة الموحدة التي فرضتها وزارة الأوقاف على جميع المساجد في مصر، حيث رأت هيئة علماء الأزهر أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تجميد الخطاب الديني والتلبيس بآيات القرآن والأحاديث النبوية على أفهام عوامِّ المسلمين.

- رفضت هيئة كبار العلماء دعوة الرئيس إلى عدم الاعتراف بالطلاق الشفوي، ووجهت له كلمات شديدة اللهجة كان منها "على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم".

وجد النظام في تفجيرات أحد الشعانين الأسود، التي سقط فيها عشرات القتلى والجرحى، فرصة للهجوم على مؤسسة الأزهر، فشنت وسائل إعلام، معروفة بدعمها للنظام، هجومًا حادًا على مؤسسة الأزهر وشيخها أحمد الطيب، ووصل الأمر إلى اتهام الأزهر بأنه "مفرخة لتخريج الإرهابيين".

كان الاعتقاد السائد أن الهجمة الإعلامية على الأزهر مجرد حملة عادية تسعى لتحميل طرف ما -غير السلطة السياسية وأجهزة الأمن- مسؤولية التفجيرات، لكن يبدوا أنها كانت تمهيدًا لأمر أكبر؛ قانون جديد للأزهر يفرض سيطرة السلطة السياسية عليه.


أبرز نصوص القانون الجديد
بعيدًا عن العبارات الرنانة التي ذكرت في القانون عن الأزهر ودوره، هناك العديد من المواد التي تهدف إلى إخضاع الأزهر إلى الرئيس من أجل تقليم مخالبه، ومن هذه النصوص:

- تحديد مدة مشيخة الأزهر بـست سنوات مع جواز تجديدها لمرة واحدة فقط، وهو ما يخالف الوضع الحالي الذي يجعل مدة شياخة الأزهر مفتوحة، إذ لا يتم اختيار إمام أكبر جديد إلا حال خلو المنصب بالوفاة أو الاستقاله.

- جواز إحالة شيخ الأزهر إلى لجنة تحقيق "حال إخلاله بواجبات وظيفته" مع ترك تعريف الإخلال بواجبات الوظيفة دون توضيح وتخصيص.

- جواز إدانة شيخ الأزهر بعد التحقيق معه وتوقيع عقوبات عليه تتدرج من الإنذار إلى اللوم إلى عدم الصلاحية.

- توسيع قاعدة الجماهير التي تنتخب شيخ الأزهر لتشمل هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بعد أن كانت مقصورة على هيئة كبار العلماء.

- إدخال وزير الأوقاف ومفتي الديار المصرية ونقيب الأشراف وشيخ مشايخ الطرق الصوفية في تشكيل المجلس الأعلى للأزهر بعد أن كان خاليًا منهم.

- توسيع القاعدة التي تختار أعضاء هيئة كبار العلماء، فبعد أن كان اختيار أعضاء الهيئة مسؤولية شيخ الأزهر عند أول تشكيل لها، ثم عبر ترشيح داخلي من الهيئة نفسها بعد ذلك، أصبح اختيار أعضاء الهيئة يتم بالمشاركة بين الإمام الأكبر ورئيس جامعة الأزهر ومفتي الديار المصرية ووزير الأوقاف ونقيب الأشراف وشيخ مشايخ الطرق الصوفية والمجلس القومي للمرأة والمجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم ووزير الشباب والمجلس القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.

يبدو أن الهدف من التعديل الأخير تحديدًا هو التحكم في اختيار الشخصية التي ستتولى منصب شيخ الأزهر، عبر التحكم في الهيئة التي تختاره.

الأمر ليس مجرد مشروع قانون تم تقديمه إلى البرلمان لمناقشته قد يمر وقد لا يمر، ولكنه مشروع قانون موقع من 135 برلمانيًا، ومقدمه عضو بالمكتب السياسي لائتلاف "دعم مصر"، أكبر ائتلافات البرلمان الموالية لنظام الرئيس السيسي، وهو ما يعني أن تمرير القانون أمر مفروغ منه حال أرادت السلطة السياسية ذلك.