القاسم المشترك بين تحليلات عدد من السياسيين المنتمين إلى قوى سياسيّة مختلفة، هو التخوّف من توتر الأوضاع الأمنيّة في البلاد وعودة لغة الاغتيالات. بدأ سياسيّون في فريق 8 آذار بإشاعة معلومات عن وجود تحضيرات لأعمال أمنيّة في البلد، ويتهم هؤلاء السعوديّة بدعم هذه الأعمال. يقول هؤلاء إن السعوديّة تُريد أن تعوّض في الشمال اللبناني ما خسرته في "البقاع وعرسال، خصوصاً مع سيطرة حزب الله على القلمون الغربي وبالتالي إلغاء قدرته على تهريب السلاح والمقاتلين إلى الداخل السوري". وتطول السيناريوهات التي يرويها سياسيّو 8 آذار، ويصل الأمر بهم إلى إعلان هزيمة السعوديّة.
في المقابل، يتخوّف سياسيّون في 14 آذار من عودة الاغتيالات إلى الساحة اللبنانيّة، ومن استخدام العنف لضرب فريقهم "كما حصل مراراً من عام 2004 حتى اليوم". لكن التخوّف الأبرز الذي يُبديه أحد نواب تيّار المستقبل من الإجراءات الخليجية، هو أنها "ذكرتني بالانسحاب الخليجي من لبنان في العام 1981".
ويؤكّد النائب في كتلة المستقبل أحمد فتفت، أن الإجراءات الخليجيّة مستمرة، وأن الجديد منها سيكون في الجانب الاقتصادي، ويُشير إلى أن إمكانية الوصول إلى تسوية لبنانيّة في هذا المجال، غير قائموة حالياً، بسبب رفض الفريق الآخر التراجع عن مواقفه الحادة. ويلفت إلى أن التصعيد السياسي سيكون عبر وقف الحوار الثنائي مع حزب الله، وهو يرى أن الجلسة التي عُقدت مساء الأربعاء الماضي، كانت أقرب إلى مجاملة من الرئيس سعد الحريري لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُعقد الحوار برعايته. كما يؤكّد فتفت أن استقالة الحكومة لا تزال مطروحة للنقاش، وإمكانية حصولها واردة، ويُذكر بأن رئيس الحكومة تمام سلام، اعتبرها خيارا مطروحا.
اقرأ أيضاً: الإجراءات الخليجية ضد حزب الله قد تقود لمواجهة مفتوحة
ولا تبدو الصورة أكثر تفاؤلاً لدى القوى المسيحيّة والحزب التقدمي الاشتراكي. وتُشير مصادر مطلعة على أجواء اللقاء الأخير بين الحزب الاشتراكي بزعامة وليد جنلاط والقوات اللبنانيّة بزعامة سمير جعجع، إلى أن هناك حرصاً من الطرفين على ضرورة تجنيب جبل لبنان آثار أي تصاعد في الصراع بين حزب الله وتيار المستقبل، أي بين "السنة والشيعة". وتلفت مصادر في القوات اللبنانيّة إلى أن التفاهم مع التيار الوطني الحرّ، سحب إمكانيّة أن تكون الساحة المسيحيّة إحدى ساحات هذا الصراع، "وأدى إلى هدوء في خطاب التيار تجاه السعوديّة". ولربما كانت العبارة التي قالها الوزير السابق سليم جريصاتي خلال قراءته بيان تكتل التغيير والإصلاح الأخير أكثر من معبّر عن هذا الأمر، إذا قال جريصاتي: "لن نقع في الفخاخ المنصوبة لنا على طريق استحقاقاتنا وفي مواقع تحالفاتنا القائمة والمستجدة"، وذلك في إطار "تبرئة" فريقه السياسي من "اتهامه" بالمسؤوليّة عن توتير العلاقة مع السعودية. وهذه العبارة تُشير إلى كثير من الحذر لدى التيار العوني، إن لجهة العلاقة مع القوات اللبنانيّة وحزب الله، أو لجهة الحرص على عدم الإضرار بترشيح النائب ميشال عون للرئاسة. وهو ترشيح يعتقد الكثيرون أنه بات أولى ضحايا التصعيد المستجد. في المقابل، يؤكّد أحد المقربين من عون أن جوهر الخطوات الخليجيّة هو فكّ الارتباط بين عون وحزب الله، وفي جلسة 2 مارس/آذار المخصصة لانتخاب رئيس، "سيكتشفون أنهم لم يُحققوا هدفهم".
إلى جانب وجود قناعة عند الكثيرين بأن التصعيد السياسي قد يصل إلى بعض أشكال العنف، فإن الكثيرون لم يستطيعوا بعد فهم الخطوات الخليجيّة وسط تساؤلات عدة من بينها: هل هي تخلّ عن لبنان أم مواجهة في لبنان؟ هل هي رسالة لتيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري أم دعم له؟ ما هو أفق المواجهة بين السعودية وحزب الله، بعد إعلان السعوديّة واليمن عن وجود وثائق تُثبت دورا للحزب في تدريب الحوثيين والمشاركة في القتال في اليمن؟
يتخوّف البعض في تيار المستقبل من خطوة ما بعد استقالة وزير العدل أشرف ريفي. يقولون إنه يسعى لإقامة حركة سياسيّة. انتشر هذا التخوف في دائرة الحلفاء، الذين لم تعد هناك قناعة لديهم بأن الحريري يُمثّل السعوديّة. ففريق 14 آذار، لم يكن على علم بالخطوات الخليجيّة. وفي جلسة مجلس الوزراء التي صدر عنها البيان الذي أُريد منه إعادة ترتيب العلاقة مع السعوديّة، فإن رئيس الحكومة تمام سلام، اتصل بالحريري الذي أكّد له أن الصيغة التي اتفق عليها مقبولة، بحسب ما ينقل أحد الوزراء لـ"العربي الجديد". لكن الأمر لم يكن كذلك. في المقابل، يقول مسؤولون في تيار المستقبل إن الحريري كان يُدرك أن البيان غير كافٍ وأنه قبل باعتماده لإصراره على الخروج ببيان موحّد، "والفريق الآخر لم يقبل غير ذلك، ولهذا السبب أطلق الحريري عريضة التضامن مع السعودية"، بحسب ما يقول مسؤول في تيار المستقبل.