الأزمة الخليجية: الرياض تعطّل وساطة ترامب

10 سبتمبر 2017
لقاء أمير الكويت وترامب ربما أقنعه بتبني الوساطة(ألكس وونغ/Getty)
+ الخط -
سيبقى ما حصل في ساعات ما بعد منتصف ليل الجمعة ــ السبت، على صعيد الاتصالات الخليجية ــ الخليجية، والخليجية ــ الأميركية، ومسارعة السلطات السعودية إلى سحب موافقتها على مباشرة حوار ثنائي مع دولة قطر لحل الخلافات، شاهداً على عرقلة الرياض، لأسباب تنوعت تفسيراتها، مبادرة أميركية كانت الأكثر جدية حتى الآن لدفع الأطراف المعنية بأزمة حصار قطر، إلى الحوار. فبعد دقائق من موافقة السعودية بضغط أميركي على تسمية مبعوث في مقابل تسمية قطر لممثلها لتحضير جلسات حوار، بحسب ما اتفق عليه في اتصال هاتفي أجراه أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني مع ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، ليل الجمعة ــ السبت، سحبت الرياض موافقتها، وجمدت الاتصالات مع الدوحة، وبررت ذلك بمضمون بيان وكالة الأنباء القطرية الذي أشار إلى أن اتصال تميم بن حمد بمحمد بن سلمان جاء بتنسيق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبالاتفاق مع الأميرين القطري والسعودي، وذلك بعد جولة اتصالات أجراها ترامب مساء الجمعة مع كل من ولي عهد السعودية وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وأمير قطر الذي هاتفه الرئيس الأميركي مرتين في غضون يومين، تم الاتفاق خلالهما على ما يبدو على صيغة أن يقوم أمير قطر بالمبادرة إلى الاتصال بمحمد بن سلمان. 

وعزت مصادر متابعة للاتصالات الأخيرة حول الملف الخليجي، تراجع السعودية، إلى أحد الأسباب التالية أو إلى جميعها مجتمعة: إما أن يكون محمد بن سلمان قد وافق في البداية على مبدأ الحوار نزولاً عند ضغط ترامب، ليتعرض بعدها إلى ضغط كبير مضاد لعرقلة المبادرة بتحريض إماراتي ــ مصري. وإما أن القيادة السعودية غير مقتنعة بعد بضرورة حل الأزمة الخليجية، فقررت التهرب من الاستحقاق وتحججت بما جاء في بيان وكالة الأنباء القطرية لناحية أن اتصال أمير قطر حصل بناء على طلب أميركي. أو أن التضارب بين الموافقة على مبدأ الحوار ثم رفضه، ناتج عن خلافات داخل القيادة السعودية نفسها. في المحصلة، فإن النتيجة تبقى نفسها، ومفادها أن السعودية عرقلت مبادرة أميركية يمكن أن تفتح باباً لتفاهم يقوم على الحوار السياسي حول الاتهامات الموجهة إلى قطر، التي بدورها صار لديها مجموعة اتهامات لمعسكر دول الحصار.

وكانت تطورات ما بعد منتصف الليل قد بدأت ببيان صدر عن وكالة الأنباء السعودية، ورد فيه أن "ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، تلقى اتصالًا هاتفيًا من أمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني الذي أبدى رغبته بالجلوس على طاولة الحوار لحل الأزمة الخليجية، بما يضمن مصالح جميع الأطراف، الأمر الذي رحب به ولي العهد السعودي". وأضافت الوكالة أن "التفاصيل سيتم الكشف عنها لاحقاً، بعد تفاهم الرياض مع أطراف الأزمة الأخرى؛ الإمارات والبحرين ومصر". ولم تمر إلا دقائق بعد أن نشرت وكالة الأنباء القطرية بياناً ركز على تلقي أمير قطر اتصالاً من ترامب، هو الثاني بينهما في يومين اثنين، قالت فيه "أطلع الرئيس الأميركي أمير قطر خلال الاتصال على نتائج اتصاله مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والمباحثات التي أجريت في هذا الشأن مع أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح ضمن الوساطة الكريمة التي يقودها". بحسب ما جاء في البيان القطري، حتى كشف البيان عن أن أمير قطر "أجرى اتصالاً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتنسيق من الرئيس الاميركي ترامب" أكد فيه الطرفان "ضرورة حل هذه الأزمة من خلال الجلوس إلى طاولة الحوار لضمان وحدة واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي". وختم البيان بأن أمير قطر "رحب باقتراح ولي العهد السعودي خلال الاتصال، تكليف مبعوثين لحل الأمور الخلافية بما لا يمس سيادة الدول". بيان تحججت السعودية بما ورد في متنه، لتنشر فجر السبت وكالة أنبائها بياناً آخر تعلن فيه الرياض "تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح توضح فيه موقفها بشكل علني؛ وأن تكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به". وذكر المصدر السعودي في تصريحاته لوكالة الأنباء السعودية أن "ما نشرته وكالة الأنباء القطرية (حول الاتصال الهاتفي بين تميم وبن سلمان) هو استمرار لتحريف السلطة القطرية للحقائق"، من دون توضيح ما هو المقصود بالضبط بالتحريف. وتابع المصدر السعودي: "يدل ذلك بشكل واضح أن السلطة القطرية لم تستوعب بعد أن السعودية ليس لديها أي استعداد للتسامح مع تحويرها للاتفاقات والحقائق وذلك بدلالة تحريف مضمون الاتصال الذي تلقاه ولي العهد من أمير قطر بعد دقائق من إتمامه".

وكانت مبادرة ترامب واتصالاته بأطراف الأزمة قد شكلت نقلة نوعية في موقفه المنحاز إلى الرواية السعودية ــ الإماراتية، وصولاً إلى دور الوسيط الذي أعرب عن رغبته بتأديته يوم الخميس في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع أمير الكويت، صباح الأحمد الصباح. وتفيد مصادر متابعة، بأن هذا التحول جاء نتيجة جلسات عديدة عقدها ترامب مع وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي يبدو انه أقنع رئيسه بضرورة حل الأزمة سريعاً عبر تشجيع أطرافها على الحوار. كما أن اجتماعات ترامب مع أمير الكويت ربما أدت دوراً في قرار التدخل بشكل وسيط لا كطرف.

وفي حين أوحت الدقائق التي تلت اتصال أمير قطر بولي عهد السعودية بأن أجواء حل ربما تلوح في الأفق، عاد البيان السعودي الأخير فجراً ليعيد الأمور إلى نقطة الصفر، مع محاولة دول الحصار الإيحاء بأنها تمكنت من فرض شروطها على قطر، بدليل اتصال أمير قطر بولي عهد السعودية، وهو ما ينفيه المسؤولون القطريون الذين يجزمون بأن كل ما تخلله الاتصال المذكور كان بتنسيق بين ترامب والأميرين القطري والسعودي، وبرغبة قطرية بالحوار لحل الخلافات، من دون إملاءات أو حتى نقاش يمس بالسيادة.

وفي القاهرة، تحدثت مصادر دبلوماسية رسمية مصرية، عن غضب في دوائر السلطة نتيجة "تهميش وتجاهل الدور المصري فيما يتعلق بالاتصالات" التي شملت معظم الأطراف المعنية، ما عدا المصرية منها. غضب ترجم تحريضاً ربما من مصر لمحمد بن سلمان، وهو ما ظهرت بوادره في حملة شتائم انطلقت في منصات إعلامية مصرية فور الإعلان عن اتصال تميم ــ بن سلمان. وأكدت المصادر "أن التعامل المصري مع الجهود الأخيرة جاء بتنسيق مع الإمارات، التي لا يروق لها حل الأزمة وترى فيها معارضة لمصالحها بالمنطقة، خاصة في ضوء العلاقات الوطيدة بينها وبين السعودية في الوقت الراهن". من جهته، وصف خبير بارز في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، بن سلمان بـ"قليل الخبرة"،  متابعاً في تصريح لـ"العربي الجديد": "وهذا ما يجعله يتأرجح بالقرار السعودي في خطوات حادة"، وذلك في تفسيره لتراجع السعودية عن الموافقة على الحوار مع قطر. وفي السياق، كشفت مصادر إعلامية خاصة، لـ"العربي الجديد"، عن تسريب تم بعد دقائق من إعلان وكالة الأنباء القطرية، يتضمن تعليقاً مسيئاً صادراً عن المستشار بالديوان السعودي، سعود القحطاني، بحق أمير قطر، حاول تمريره إلى المكتب الإقليمي لوكالة أنباء أجنبية في القاهرة، لكنها لم تقم بنشره، وهو ما يجعل البعض يتحدثون عن انقسام داخل القيادة السعودية حيال فكرة الحوار مع قطر. 

المساهمون