18 فبراير 2020
الأردوغانية إلى أين؟
مع طي صفحة أحمد داود أوغلو، وقدوم بن علي يلدرم إلى رئاسة الحكومة وحزب العدالة والتنمية، دخلت تركيا مرحلةً جديدة، يمكن تسميتها بالأردوغانية، تعبيراً سياسياً مكثفاً عن المشهد الذي آل إليه حكم حزب العدالة والتنمية، وبالتالي، هوية تركيا نفسها في المرحلة المقبلة، في ظل الأجندة المعلنة للرئيس رجب طيب أردوغان، والتي تتمثل في الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي.
عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، جاء وفقاً لقواعد اللعبة الديمقراطية، من خلال صناديق الاقتراع. حرص الحزب وقتها على تقديم نفسه حزباً إصلاحياً، يلتزم بالأسس الديمقراطية والعلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية. لكن، ما أن تمكّن من تثبيت أقدامه في الحياة السياسية، حتى بدأ يحول خطواته التكتيكية إلى استراتيجيةٍ للاستحواذ على الحكم. وهكذا، نجح في الوصول إلى الرئاسات الثلاث (الحكومة، البرلمان، الجمهورية)، ليبدأ بعد ذلك بمرحلة تغيير النظام السياسي من الداخل، عبر سلسلة من الخطوات المتكاملة، فقد نجح في وضع القضاء والمحاكم والتعليم والإعلام والاقتصاد، وحتى الجيش، تحت سيطرته. وكثيراً ما اتخذ هذا التغيير مسارين متناقضين. الأول: الإصلاح الذي هدف، بشكل أساسي، إلى إعادة هيكلة الحكم والنظام السياسي. الثاني: الحرب على ما يسمى التنظيم الموازي، بهدف القضاء على الخصوم السياسيين، سواء في داخل الجيش، حيث تم اعتقال عشرات الضباط، بتهمة التحضير لانقلاب، قبل أن يتم الإفراج عن معظمهم، بسبب عدم ثبوت الاتهامات، أو من خلال استهداف الخصوم السياسيين والاجتماعيين، ولاسيما حركة فتح الله غولن، واسعة النفوذ في مرافق عديدة في الدولة ومؤسساتها. وهكذا، نجح الحزب في وضع يده على كل مفاصل الحياة العامة في البلاد، قبل أن ينتقل إلى مرحلة الأردوغانية التي بدأت عملياً مع تسلم رجب طيب أردوغان رئاسة الجمهورية عام 2014، في انتخابات مباشرة من الشعب للمرة الأولى، بعد أن كان انتخاب الرئيس يتم من داخل البرلمان، حيث يعتقد أردوغان أن هذه الانتخابات أعطته الشرعية الشعبية، للتدخل في مختلف تفاصيل الحياة السياسية والحزبية في البلاد، خلافاً للدستور الذي يمنع رئيس الجمهورية من مزاولة أي نشاطٍ حزبي. ومن هذه النقطة بالذات، بدأت الخلافات بينه وبين أحمد داود أوغلو، ومع تراكمها، وإصرار أردوغان على المضي في أجندته حتى النهاية، لم يجد أوغلو مناصاً من الاستقالة، لتدخل تركيا مرحلة الأردوغانية من أوسع أبوابها، والتي من أهم ملامحها الانتقال من مرحلة قيام حكم حزب العدالة والتنمية على المؤسسات إلى القيادة الشخصية لأردوغان، بعد أن بات الأخير يقود الحزب عملياً، ويحدّد سياساته، ويعين كبار قادته، وأعضاء لجنته المركزية، بما يشكله ذلك كله من خطر على الحزب نفسه، لاسيما إذا تعرض زعيمه (أردوغان) لغيابٍ تحت هذا الظرف أو ذاك.
وثمّة من يرى أن أحمد داود أوغلو كان آخر رئيس وزراء فعلي لتركيا، ولن يكون لهذا المنصب، بعد اليوم، أي دور مؤثر في المرحلة المقبلة، وأن جل مهمة رئيس الوزراء الجديد هو تنفيذ أجندة أردوغان، من أجل تحقيق رؤيته لتركيا عام 2023، تحت عنوان "العمل من أجل تركيا جديدة"، والتي هي وضع نهاية للجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، والإعلان عن تركيا جديدة في ذكرى مرور مائة سنة على إلغاء حكم الخلافة العثمانية. وعليه، فإن حكومة يلدرم محددة سلفاً بمجموعة من الأجندة، لعل أهمها: الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ووضع دستور جديد للبلاد يضع نهاية للذي وضعه العسكر عقب انقلاب 1980، على أن يلحظ الدستور الجديد، إضافة إلى النظام الرئاسي، إعادة تعريف بالعلمانية، بما تسمح بإدخال الدين في الحكم والقضاء ومجمل الحياة العامة، ومواصلة الحرب على الحليف القديم، أي جماعة غولن، باسم القضاء على التنظيم الموازي، وعلى حزب العمال الكردستاني، باسم مكافحة الإرهاب، إلى جانب إعطاء أهمية للاقتصاد، وإعطاء دفعة قوية للمشاريع العمرانية والخدمية الضخمة شبه المتوقفة.
من شأن المسار الذي وضعه أردوغان لقطار الحياة السياسية التركية في المرحلة المقبلة، وضع تركيا أمام جملة من التحدّيات الداخلية والخارجية. على صعيد الداخل، لعل من أولى نتائج هذه السياسة وضع نهاية للمعارضة السياسية في البلاد، بما في ذلك الموجودة في البرلمان، والصدام مع المكوّن الكردي، خصوصاً بعد رفع الحصانة عن النواب، بما يرشح ذلك كله تركيا لمرحلة من عدم الاستقرار، في ظل التطورات الدراماتيكية التي يشهدها محيط تركيا الجغرافي، ولاسيما المناطق الكردية في سورية والعراق، واستفادة حزب العمال الكردستاني منها. وعلى صعيد الخارج، فإنه، بعيداً عن علاقات تركيا المتوترة مع مصر وروسيا والعراق والنظام السوري، فإن السياسة التركية تجاه أوروبا وأميركا تعاني من جملة استحقاقات، في مقدمتها اتفاق اللاجئين الذي بات يترنّح على وقع شروط كل طرف. وفي ظل هذا كله، بات الغرب ينظر إلى التطورات الداخلية في تركيا على أنها ترسم صورة جديدة لها، هي صورة الرجل الذي يقضي على التعدّدية والديمقراطية لصالح حكمه الفردي، كما أنه ينظر إلى توجهات أردوغان المستقبلية على أنها تشكل قطيعةً عنه، بعد عقود من الوجود التركي، في منظومته الأمنية والسياسية، وبالتالي، خيارات تركيا وهويتها.
عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، جاء وفقاً لقواعد اللعبة الديمقراطية، من خلال صناديق الاقتراع. حرص الحزب وقتها على تقديم نفسه حزباً إصلاحياً، يلتزم بالأسس الديمقراطية والعلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية. لكن، ما أن تمكّن من تثبيت أقدامه في الحياة السياسية، حتى بدأ يحول خطواته التكتيكية إلى استراتيجيةٍ للاستحواذ على الحكم. وهكذا، نجح في الوصول إلى الرئاسات الثلاث (الحكومة، البرلمان، الجمهورية)، ليبدأ بعد ذلك بمرحلة تغيير النظام السياسي من الداخل، عبر سلسلة من الخطوات المتكاملة، فقد نجح في وضع القضاء والمحاكم والتعليم والإعلام والاقتصاد، وحتى الجيش، تحت سيطرته. وكثيراً ما اتخذ هذا التغيير مسارين متناقضين. الأول: الإصلاح الذي هدف، بشكل أساسي، إلى إعادة هيكلة الحكم والنظام السياسي. الثاني: الحرب على ما يسمى التنظيم الموازي، بهدف القضاء على الخصوم السياسيين، سواء في داخل الجيش، حيث تم اعتقال عشرات الضباط، بتهمة التحضير لانقلاب، قبل أن يتم الإفراج عن معظمهم، بسبب عدم ثبوت الاتهامات، أو من خلال استهداف الخصوم السياسيين والاجتماعيين، ولاسيما حركة فتح الله غولن، واسعة النفوذ في مرافق عديدة في الدولة ومؤسساتها. وهكذا، نجح الحزب في وضع يده على كل مفاصل الحياة العامة في البلاد، قبل أن ينتقل إلى مرحلة الأردوغانية التي بدأت عملياً مع تسلم رجب طيب أردوغان رئاسة الجمهورية عام 2014، في انتخابات مباشرة من الشعب للمرة الأولى، بعد أن كان انتخاب الرئيس يتم من داخل البرلمان، حيث يعتقد أردوغان أن هذه الانتخابات أعطته الشرعية الشعبية، للتدخل في مختلف تفاصيل الحياة السياسية والحزبية في البلاد، خلافاً للدستور الذي يمنع رئيس الجمهورية من مزاولة أي نشاطٍ حزبي. ومن هذه النقطة بالذات، بدأت الخلافات بينه وبين أحمد داود أوغلو، ومع تراكمها، وإصرار أردوغان على المضي في أجندته حتى النهاية، لم يجد أوغلو مناصاً من الاستقالة، لتدخل تركيا مرحلة الأردوغانية من أوسع أبوابها، والتي من أهم ملامحها الانتقال من مرحلة قيام حكم حزب العدالة والتنمية على المؤسسات إلى القيادة الشخصية لأردوغان، بعد أن بات الأخير يقود الحزب عملياً، ويحدّد سياساته، ويعين كبار قادته، وأعضاء لجنته المركزية، بما يشكله ذلك كله من خطر على الحزب نفسه، لاسيما إذا تعرض زعيمه (أردوغان) لغيابٍ تحت هذا الظرف أو ذاك.
وثمّة من يرى أن أحمد داود أوغلو كان آخر رئيس وزراء فعلي لتركيا، ولن يكون لهذا المنصب، بعد اليوم، أي دور مؤثر في المرحلة المقبلة، وأن جل مهمة رئيس الوزراء الجديد هو تنفيذ أجندة أردوغان، من أجل تحقيق رؤيته لتركيا عام 2023، تحت عنوان "العمل من أجل تركيا جديدة"، والتي هي وضع نهاية للجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، والإعلان عن تركيا جديدة في ذكرى مرور مائة سنة على إلغاء حكم الخلافة العثمانية. وعليه، فإن حكومة يلدرم محددة سلفاً بمجموعة من الأجندة، لعل أهمها: الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ووضع دستور جديد للبلاد يضع نهاية للذي وضعه العسكر عقب انقلاب 1980، على أن يلحظ الدستور الجديد، إضافة إلى النظام الرئاسي، إعادة تعريف بالعلمانية، بما تسمح بإدخال الدين في الحكم والقضاء ومجمل الحياة العامة، ومواصلة الحرب على الحليف القديم، أي جماعة غولن، باسم القضاء على التنظيم الموازي، وعلى حزب العمال الكردستاني، باسم مكافحة الإرهاب، إلى جانب إعطاء أهمية للاقتصاد، وإعطاء دفعة قوية للمشاريع العمرانية والخدمية الضخمة شبه المتوقفة.
من شأن المسار الذي وضعه أردوغان لقطار الحياة السياسية التركية في المرحلة المقبلة، وضع تركيا أمام جملة من التحدّيات الداخلية والخارجية. على صعيد الداخل، لعل من أولى نتائج هذه السياسة وضع نهاية للمعارضة السياسية في البلاد، بما في ذلك الموجودة في البرلمان، والصدام مع المكوّن الكردي، خصوصاً بعد رفع الحصانة عن النواب، بما يرشح ذلك كله تركيا لمرحلة من عدم الاستقرار، في ظل التطورات الدراماتيكية التي يشهدها محيط تركيا الجغرافي، ولاسيما المناطق الكردية في سورية والعراق، واستفادة حزب العمال الكردستاني منها. وعلى صعيد الخارج، فإنه، بعيداً عن علاقات تركيا المتوترة مع مصر وروسيا والعراق والنظام السوري، فإن السياسة التركية تجاه أوروبا وأميركا تعاني من جملة استحقاقات، في مقدمتها اتفاق اللاجئين الذي بات يترنّح على وقع شروط كل طرف. وفي ظل هذا كله، بات الغرب ينظر إلى التطورات الداخلية في تركيا على أنها ترسم صورة جديدة لها، هي صورة الرجل الذي يقضي على التعدّدية والديمقراطية لصالح حكمه الفردي، كما أنه ينظر إلى توجهات أردوغان المستقبلية على أنها تشكل قطيعةً عنه، بعد عقود من الوجود التركي، في منظومته الأمنية والسياسية، وبالتالي، خيارات تركيا وهويتها.