في "يوم تاريخيّ" في الأردن وبعد مطالبات امتدت سنوات، ألغيت أخيراً المادة 308 من قانون العقوبات التي تحمي المغتصب في حال تزوّج من ضحيّته.
بعد سنوات من مطالبات المجتمع المدني والحركة النسوية التي وُوجهت بمقاومة من السلطة التشريعية، طوى الأردن الثلاثاء الماضي صفحة المادة 308 من قانون العقوبات لينتهي جدال كبير أشغل الشارع الأردني طويلاً. لكنّ ذلك فتح جدالاً جديداً تحت عنوان "لماذا الآن؟ وماذا بعد الإلغاء؟".
المادة التي ألغيت وسط تصفيق حار من مناهضيها، مثّلت لسنوات طوق نجاة لمرتكبي بعض الجرائم الجنسية مكّنهم الإفلات من العقاب في حال أقدموا على الزواج من ضحاياهم. وكانت منظمات حقوقية وحركات نسوية رأت في المادة امتهاناً لكرامة النساء ومكافأة وتشجيعاً للجناة على مواصلة ارتكاب جرائمهم، فيما عدّها المدافعون باباً من أبواب "السترة" وحماية للنساء/الضحايا من القتل بذريعة "حماية الشرف"، مستندين في موقفهم إلى دراسة رسمية تشير إلى أنّ المادة تطبّق على أربعة في المائة من مجموع الجرائم الجنسية الواردة في القانون. تجدر الإشارة إلى أنّ مناهضي المادة استندوا من جهتهم إلى دراسة أعدتها جمعية معهد تضامن النساء الأردني ونشرت نتائجها في عام 2015، تكشفت أنّ أكثر من 70 في المائة من عيّنة الدراسة مع الإلغاء الكامل للمادة.
"اغتصبني وتزوّجني ببلاش"، واحد من أكثر الشعارات مساهمة في خلق رأي عام مناهض للمادة الجدلية أو المادة "سيّئة الصيت" مثلما باتت توصف بعد إلغائها. لكنّ عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، مصطفى ياغي، الذي عارض بشدّة إلغاء المادة يصف الشعار بـ"المضلل"، يشير إلى أنّ المادة كانت تستثني المغتصب من الإفلات من العقاب حتى لو تزوّج من الضحية.
وكان تعديل قد أجري على المادة في أبريل/ نيسان من عام 2016 وصفته الحكومة يومها بـ"الجوهري"، حظر فيه إفلات المغتصب من العقاب وإنْ تزوّج المغتصبة، مع الإبقاء على الإفلات في حالات المواقعة بالتراضي، وهو ما قوبل بترحيب محدود من قبل منظمات المجتمع المدني التي واصلت تمسكها بـ"الإلغاء الكامل".
أمّا في أبريل/ نيسان الماضي، فقد قرّرت الحكومة الأردنية إلغاء المادة 308 كلياً من قانون العقوبات، بناءً على توصية لجنة ألّفها الملك عبدالله الثاني في أكتوبر/ تشرين الثاني 2016 بهدف تطوير جهاز القضاء وتعزيز سيادة القانون.
في حين لاقى القرار الحكومي ترحيباً من منظمات المجتمع المدني، فإنّ ثمّة معارضة سُجّلت من قطاعات اجتماعية وكذلك قضائية وتشريعية. وخالفت اللجنة القانونية في مجلس النواب قرار الحكومة، متمسكة بالمادة وحاصرة تطبيقها في ثلاث حالات هي مواقعة قاصر بين 15 و18 عاماً، وهتك عرض ذكر أو أنثى من دون تهديد بين 15 و18 عاماً، وجريمة خداع بكر بوعد الزواج. واشترطت اللجنة استمرار الزواج ما بين سبعة وعشرة أعوام بحسب الجرم، مع الاحتفاظ بالحق في ملاحقة الجاني في حال الطلاق من دون سبب شرعي.
وكانت منظمات المجتمع المدني والحركة النسوية قد أطلقت واحدة من أكبر الحملات لصالح الإلغاء الكامل، ونفّذت خلال الأيام التي سبقت مناقشة المادة وبالتزامن مع مناقشتها ما يُشبه عاصفة إلكترونية تحت عنوان #إلغاء_308. وتقول المستشارة القانونية في اتحاد المرأة الأردني، هالة عاهد، إنّ "الحملة أدّت دوراً كبيراً في نجاحنا بإلغاء المادة".
لكنّ متابعين لجلسة النواب التي شهدت إلغاء المادة، راحوا يشيرون إلى إقدام رئيس المجلس عاطف الطراونة على مخالفة النظام الداخلي خلال عملية التصويت التي جرت وسط حالة من الفوضى وتبادل للاتهامات. ويقولون إنّ الطراونة تعجّل في رفع الجلسة، الأمر الذي أثار شكوكاً حول صحة التصويت، في حين سُجّلت ضغوط على أعضاء في المجلس.
بعيداً عن جدال التصويت الذي تبعته استقالات من اللجنة القانونية، تقول عاهد إنّ "إلغاء المادة مثّل إنجازاً مهماً في منظومة العدالة الجنائية من جهتَين، عدم إفلات الجاني من العقاب وإنصاف ضحايا الاعتداءات".
أما ياغي الذي يعدّ ما جرى تحت قبّة البرلمان بـ"اغتصاب للنظام الداخلي"، فيقول إنّ "إلغاء المادة في الأردن جاء بالتزامن مع إلغائها في لبنان وتونس وذلك استجابة لضغوط أميركية". وتردّ عاهد أنّ "الانتصار جاء نتيجة تكاتف جهود الحركة النسوية والحقوقية، خلافاً لما يشاع عن وجود مطلب خارجي بإلغاء المادة. وقد نجحت الحركة النسوية في وضع الملف على أجندات المنظمات الدولية وكذلك اللجنة الملكية لتطوير القضاء وتعزيز سيادة القانون، وقد كسبت تأكيد غالبية نيابية".
ووسط احتفال منظمات المجتمع المدني والحركة النسوية بالإنجاز الذي يصفونه بـ"التاريخي"، تُطرح عشرات الأسئلة حول مصير الضحايا والوصمة الاجتماعية التي سوف تطارد العائلة وطرق إثبات نسب الطفل في حال حدوث الحمل واحتمال حلّ الحكام الإداريين قضايا الاعتداء بالزواج بعيداً عن أروقة المحاكم بما يلحق أضراراً أكبر بالضحايا.
بالنسبة إلى عاهد، فإنّ "إلغاء المادة 308 هو البداية وليس النهاية والإلغاء كان أبسط المطالب"، مشيرة إلى أنّ المطالبة بإلغاء المادة تضمّنت منذ تقديمها مطالبات بإعادة النظر في موضوع الإجهاض في حالات الاغتصاب، وأخرى تتعلق بإثبات النسب، وكفّ يد الحكام الإداريين عن معالجة قضايا الاعتداءات الجنسية خارج إطار المحاكم. وترى أنّ المهمة الأكبر اليوم هي في تكثيف برامج دمج الضحايا وإعادة تأهيلهنّ وتأمين الحماية لهنّ"، مؤكدة أنّ "منظمات المجتمع المدني تنظر إلى القضية من منظور شامل يحقق العدالة ويحمي الضحية".