الأردن وفلسطين وانتفاضة الأقصى

29 أكتوبر 2015
فلسطينيات يدخلن إلى المسجد الأقصى (فرانس برس)
+ الخط -
أجرى الأمير حسن بن طلال، قبل أسبوعين، مقابلة بالإنجليزية مع محطة سكاي نيوز البريطانية، تعرّض فيها إلى عدد من قضايا الساعة المهمة في العالم العربي.
ومن أهم ما يجب التركيز عليه في الظرف الحالي هو الأوضاع في القدس، وفي الضفة الغربية وغزة المحتلتين، مع وقوف خاص عند موضوع الأماكن المقدسة الإسلامية داخل أسوار القدس الشريف.
وفي موضوع الأماكن المقدسة الإسلامية، وقع كل من الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقاً، قبل سنتين، سُمي اتفاق "الوصاية والسيادة"، منح الملك عبدالله الثاني آل هاشم حق الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية في مدينة القدس، مقابل تأكيد الملك للرئيس عباس أن السيادة ستؤول للفلسطينيين بعد الاحتلال.
واستند الاتفاق في المقدمة الاستهلالية إلى أن أهل فلسطين أعطوا تلك الوصاية إلى ملك العرب آنذاك، الشريف الحسين بن علي، عام 1924. وقد انتقلت تلك الوصاية من الشريف الحسين إلى الملك عبدالله الأول، فالملك طلال بن عبدالله، فالملك الحسين بن عبدالله الأول، فالملك عبدالله الثاني بن الحسين. وأكد الاتفاق أن المقصود بالأماكن الإسلامية في القدس هو كل الأماكن الموجودة داخل سور القدس بمساحة تبلغ 144 دونماً، وتشمل قبة الصخرة، والمسجد الأقصى، ومسجد عمر، والساحات الخارجية، والمدرسة العمرية، واسطبلات سليمان، وكذلك الأبواب والمقامات داخل تلك المباني وخارجها، ضمن المساحة المذكورة. وقد فسر الاتفاق بأنه تجديد للوصاية الهاشمية المتمثلة في شخص الملك عبدالله الثاني، بصفته حامل اللواء الهاشمي ووريث العرش.

ولم يشر الاتفاق إلى اتفاقية السلام الموقّعة بين الأردن وإسرائيل عام 1994 في وادي عربة، والتي ورد في المادة التاسعة منها تأكيد على أن إسرائيل ستسمح بدور للأردن في إطار المفاوضات النهائية حول القدس، فيما يتعلق بالأماكن الإسلامية المقدسة.
وقد أشار هذا النص تحديداً إلى أن الدعوة إلى مؤتمر مدريد لمفاوضات السلام أجّلت موضوع القدس إلى المراحل النهائية في التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومنذ انطلاق احتجاجات الفلسطينيين، في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبعد خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة يوم 30 سبتمبر/أيلول الماضي، انطلقت أصوات إسرائيلية سياسية وإعلامية، تتهمه بإشعال نار الانتفاضة الجديدة (انتفاضة الأقصى).
ويسعى الجانب الإسرائيلي إلى تمييع الانتفاضة وأهدافها، ووضع أهدافها وغاياتها وحجمها داخل أطر ضيقة، تحول هذا الصراع والنضال على أنه مجرد خلاف بين جانب فلسطيني يمكن وصفه بالإرهاب، وجانب إسرائيلي ليس له هم إلا حماية الشعب المغلوب على أمره من هؤلاء الفتيان الإرهابيين.
وكذلك يسعى الجانب الإسرائيلي إلى تقزيم القضية الخلافية في الأماكن المقدسة إلى نزاع بين طرف يسمى المكان المقدس له بجبل الهيكل، مدعياً أن هذا الهيكل مقام على بقعة المسجد الأقصى نفسها. ولذلك، فهم يقولون إن القضية الجدلية تاريخية حول منطقة ضيقة. ويتناسون بذلك أن المجمع الإسلامي في القدس أوسع بكثير من مكان الهيكل، وأن المسلمين في أنحاء العالم يقولون إن الأماكن المقدسة تشكل مساحة 144 دونماً، أو ما يساوي 144 ألف متر مربع.

اقرأ أيضا: قوائم سوداء لمكاتب عمل أردنية تُصدّر عمالة للاحتلال

وقد فشل الإسرائيليون منذ عام 1967 في العثور على أي أثر يدل على وجود الهيكل. وهذا ينطبق مع كتابات الراحل كمال صليبي، وكذلك المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند الذي اعتبر أن كل ما كتب عن التاريخ اليهودي وضع بعد إنشاء الحركة الصهيونية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وأن الأحداث التاريخية تنكر كثيراً من المزاعم المختلفة حول ذلك التاريخ. ولذلك، يستثمر الإسرائيليون الخلافات العربية، وتآكل صلاحيات السلطة الفلسطينية، من أجل إيجاد أمر واقع جديد.

وواضح أن السياسة الأردنية التي يتولاها الملك عبدالله الثاني هي ما شرحه الأمير الحسن في مقابلته التلفزيونية قبل ثلاثة أسابيع. فالأردن يملك مقومات أساسية سياسية وقانونية، تمكنه من التصدي لمحاولات إسرائيل، فهنالك مثلاً اليونسكو التي اتخذت قراراً باعتبار الأماكن المقدسة الإسلامية (المسجد الأقصى والحرم الشريف) تراثاً عالمياً لا يجوز المساس به على الإطلاق.
ويدّعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه لم يخالف تعهده بعدم المساس بالأماكن المقدسة، أو السعي إلى تغيير معالمهما. ولكن مرجعية كل مرة يتعهد فيها هي ما كان عليه الحال في اليوم الذي سبق تصريحه. أما الأردن فموقفه واضح، وهو أنّ عدم التغيير يعني إبقاء الحال على حاله، كما كان يوم الرابع من يونيو/حزيران عام 1967.
وكذلك، فإن إسرائيل، بقيادة رئيس حكومتها، تعمل سياسياً وإعلامياً على صعيدين: الأول الإساءة بالكذب والبهتان، وحتى بتجاهل الحقائق التاريخية، إلى تشويه صورة الشباب المنتفضين على أنهم إرهابيون، وتمزيق صورة الشعب الفلسطيني بأنه حاول، من خلال المفتي أمين الحسيني، تحريض أدولف هتلر على حرق اليهود، في وقتٍ كان يخطط فيه هتلر لتهجير اليهود وحسب.
ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل تسعى إلى إقناع الإدارة الأميركية ووزير الخارجية، جون كيري، بأن الأولوية يجب أن تعطى لحل الأزمة الحالية، وليس إلى حلها من جذورها. ويتمسك الجانب الأردني بهذا الخيار، ويقول ما عاد الأمر يحتمل حلولاً احتوائية وإدارة أزمات، بل يجب حل المشكلة كلها.
ومن الواضح أن موقف الإدارة الأميركية الحالي لم يكن مبالياً بالقضية الفلسطينية، ولم يرد أي كلمة عنها في خطاب باراك أوباما في الأمم المتحدة، لكن اندلاع انتفاضة الأقصى، أو ما يقترب من الانتفاضة، جعل الإدارة الأميركية تتحرك. ولكن، ضمن إطار احتواء الأزمة، وليس حل القضية.
وما لم يوجد حل شامل للقضية، فإن استمرار ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرشح للتصاعد، ولسفك مزيد من الدماء.

اقرأ أيضا: إسرائيل تخنق المقدسيين اقتصادياً وحملات انتقامية ضد التجار
المساهمون