الأردن: نخاف أن يأكلنا الذئب

03 يوليو 2016
(تصوير: محمد أبو غوش)
+ الخط -

صيف عام 2013؛ اختفى جهاد الغبن عن ساحة الحراك الشبابي الأردني بعدما كان واحدًا من أبرز نشطائه منذ انطلاقته عام 2011، ليظهر على الساحة السورية، حاملًا بيده اليُمنى علمًا أسود كُتبت عليه الشهادتان.

ترك جهاد دراسته الجامعية في كلية الآداب في الجامعة الأردنية، وعوّض حقيبة الظهر التي اعتاد حملها بسلاح أوتوماتيكي، وعُبّئ بأفكارٍ متشدّدة لم يكن رفاقه معتادون على سماعها منه قبل ذلك، حينما كان يفترش ساحة المسجد الحسيني في عمّان، مقتسمًا ظروف الحياة الصعبة مع فقراء ومتشردين ينامون في العراء.

محمد، أحد أصدقاء جهاد، أطلع "جيل العربي الجديد" على شخصية هذا الشاب قبل اعتناقه أفكاراً متشددة. يقول: "لم يكن جهاد متشددًا، كان يناقش ويحاور جميع أطياف المُكوّن السياسي والشبابي في الأردن، بحثًا عن مستقبل أفضل للفقراء والمحرومين بغض النظر عن دينهم وأصلهم. إلّا أن قمع الحراك الشبابي الأردني بعد هبّة تشرين، واضطراره الانسحاب من الشارع؛ شكّل نقطة تحول بالنسبة لجهاد، والذي شعر بأن ما قدّمه بالهتاف والاعتصام لم يحقق أي شيء يُذكر".

في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014، شوهد جهاد للمرة الأخيرة على شاشة التلفاز السوري، وكان قد فارق الحياة أثناء معارك في محافظة حماة. منذ ذلك الوقت، ومع ازدياد خطر التنظيمات المتشددة في الآونة الأخيرة، وتعرّض الأردن لعدة هجمات من قبل خلايا تكفيرية، والأردنيون مشغولون بالبحث عن الأسباب الكامنة وراء اعتناق الشباب لأفكار متطرفة، والحلول التي يمكن أن تحمي رؤوسهم.

ويبلغ عدد الأردنيين الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات المتشددة حوالي 2400 مقاتل، ويرى الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنيّة، أن من أهم عوامل تنامي ظاهرة التطرف في الأردن؛ حالة الإنكار التي تمارسها الدولة في ما يتعلق بوجود خطر إرهابي في الداخل، رغم توافر كافة الظروف المؤسسة لحالة عنف بُنيوي في صفوف الشباب، والمتمثّلة بمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة؛ فيما تكتفي الدولة بتعزيز المنظومة العسكرية والأمنية دون معالجة الأمر.

يوضح أبو هنية، في ندوة عُقدت في العاصمة عمّان (الأربعاء 28-06)، أن الأردن من أكثر الدول العربية المصدرة للإرهابين والمنظرين له. يقول: "محمد سالم الرحال أنشأ حركة الجهاد، وعبدالله عزام أنشأ ظاهرة الجهادية المعاصرة، والمنظران الأساسيان في الحالة الجهادية هما أبو قتادة والمقدسي، أما أبرز قائد عسكري في تاريخ الجهادية المُعولمة فهو أبو مصعب الزرقاوي، وجميعهم شخصيات أردنية، أي أن هنالك حالة تنشأ في الأردن".

وبالتوازي مع هذه النظرية، يشير نشطاء يساريون وقوميون، إلى وجود تاريخ للدولة في استعمال الدين واحتضان جماعات إسلامية في محاربة التيارات اليسارية والقومية، إذ يرى فاخر دعاس، عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة، أن الإشكالية الحقيقية في تعاطي الأنظمة العربية –ومن ضمنها الأردن- مع ظاهرة التطرف على أساس محاربة الجماعات المتشددة، وتسوّق في نفس الوقت لفكر هذه الجماعات.

في حديثه لـ "جيل العربي الجديد" يقول دعاس: "عشرات السنوات من سيطرة الخطاب الديني التكفيري كرّست لمنظومة تعليمية من الصعب اختراقها امتدت لكافة المجالات ورسخت نفسها بشكل أساسي في قطاع التعليم حتى وصلت إلى الأكاديميين، وهنا مكمن الخطر وكل ذلك جرى بغطاء رسمي، بهدف ضرب القوى التقدمية والعلمانية".

كما يشير دعاس إلى الدور الذي تلعبه تبعيّة النظام المالي للدولة لإملاءات صندوق النقد الدولي وما ينجم عنه من ارتفاع في منسوب الفقر والبطالة، وأثره على وصول الشباب لمراحل متقدمة من الإحباط واليأس الذي ينتج عنه بحث الشباب عن مهرب من واقعهم السيئ من خلال الانتماء لتنظيمات إرهابية بدافع الحصول على مصدر قوّة يعوّض الإحساس بالقهر الذي نما معهم.

وكانت الحكومة الأردنية قد وضعت "الاستراتيجية الوطنية لمحاربة التطرف"؛ إلا أن هذه الاستراتيجية، كما يرى سياسيون، غاب عنها إشراك مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمؤسسات التربوية والحقوقية، كما أن التعويل عليها في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي السيئ والتضييق على الحريات العامة، يُعدّ أمرًا غير مُجدٍ ومجرّد إهدارٍ للوقتِ والموارد، خصوصًا أن غياب استراتيجية وطنية تعزز مبادئ الديمقراطية، ستعوّضها أفكار دمويّة تتمثّل بتنامي أعداد المُبايعين لتنظيمات مثل "داعش"، في الوقت الذي اكتفت وسائل الإعلام المحلية بالمساهمة في هذه الاستراتيجية من خلال بث أغنيات عسكريّة عند كل مناسبة أو مأساة يتعرض لها الأردن، توحي بخلق جوٍّ من التعبئة العامة عند الشعب، إضافة لإطلاق بعض الرسائل التوعوية التي اتخذت شكلًا نخبويًا ولم تراعِ ضرورة مخاطبة الطبقة الفقيرة والمهمّشة وتسليط الضوء على مسببّات نشأة هذه الخلايا.

وفي ظل عدم إعطاء أولوية لإشراك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والحراكات الطلابية في الحد من لجوء الشباب لاعتناق أفكار متشددة، وتركيز الدولة على الحل الأمني، وازدياد الإنفاق العسكري على حساب إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها معظم الشباب في الأردن؛ يخشى مراقبون من تمكّن التنظيمات الإرهابية المتشددة من استهداف المزيد من المنشآت في الأردن، خصوصًا مع إطلاق تنظيم "داعش" لسلسة من العمليات التي اعتمدت على أسلوب "الذئاب المنفردة" في ضرب مواقع عسكرية واستخبراتية مؤخرًا، إذ لا يمكن للحكومة الحديث عن نشر مفاهيم الديمقراطية والتسامح، في وقت تتأخر فيه عن تقديم هذه الرؤية ضمن إطار العمل مع مؤسسات وأحزاب محلية، والحراكات الشبابية التقدمية.

 

المساهمون