الأردن: مجلس الأمة "الجشع" والملك "المنقذ"

18 سبتمبر 2014
الملك يعزز شعبيته برد القانون.. ويجهض انتفاضة (Getty)
+ الخط -

بدا الأردن على شفا انتفاضة مطلبية جارفة، استعدّت لها قطاعات عمالية ومهنية وعاطلون عن العمل، رداً على إقرار مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان، يوم الخميس الماضي، لمشروع قانون التقاعد المدني، الذي يحقق لأعضائه مكاسب مالية "أبدية"، تكبّد موازنة الدولة المترنحة مئات الملايين، وهي الانتفاضة التي نزع فتيلها الملك عبد الله الثاني، مساء الاثنين، عندما رد القانون، رافضاً التصديق عليه.

وينظّم مشروع القانون تقاعد أعضاء السلطات الثلاث، وأقرّه مجلس الأمة بأغلبية 191 عضواً من أصل 195 عضواً حضروا الجلسة، من مجموع 225 عدد أعضاء مجلس الأمة. ويمنح مشروع القانون عضو مجلس الأمة حق التقاعد، شرط أن تبلغ خدمته المقبولة للتقاعد سبع سنوات، كما انحاز المجلس لنفسه، عندما قرر احتساب الراتب التقاعدي لأعضائه على أساس الراتب الأساسي للوزير.

ويقتضي انحياز المُشرّع لنفسه، رفع راتبه الخاضع للتقاعد من 2118 دولاراً إلى 4300 دولار، وهو ما سيكبّد خزينة الدولة مئات الملايين، حسب مصادر في وزارة المالية، التي لم تجر حسابات للكلفة المالية المترتبة لما أحدثه القانون.

وقوبل إقرار المجلس لمشروع القانون بغضب شعبي، وصل إلى حدّ المطالبة بحلّ المجلس، فيما شهدت محافظة الطفيلة، جنوب الأردن، موجة احتجاجات من قبل عاطلين عن العمل تطورت إلى أعمال شغب، رفضاً لـ"جشع" ممثلي الشعب، في وقت لا يجد فيه أفراد الشعب فرص عمل أو رواتب تكفيهم حاجاتهم.

وفي سياق الرفض المنذر بالاحتجاج، طرحت نقابة المعلمين الأردنيين التي أضربت مطلع العام الدراسي الجاري، للمطالبة بتحقيق جملة من المنافع لأعضائها، من بينها علاوة مالية، بالعودة إلى الإضراب، الذي علّقته دون تحقيق المطلب المالي الذي كان سيكلّف لو تحقق حوالى 127 مليون دولار، تحت مبرر عجز الموازنة، وعدم توفر قرش واحد فيها لزيادة الرواتب، وهي المبررات التي تبنّاها مجلس النواب عندما دخل وسيطاً لحل أزمة إضراب المعلمين.

ووسط تنامي الاحتقان والغضب الشعبي، تدخّل الملك، مساء الاثنين الماضي، مستخدماً سلطاته الدستورية بردّ القانون، وهو التدخّل الذي نزع فتيل الغضب الشعبي، وعزز من شعبيته كمنقذ منحاز للصالح العام، على حساب مجلس الأمة، صاحب الشعبية المتآكلة، والمنحاز لمصالحه الضيقة.

الملك وفي ردّه للمشروع، غمز من قناة مجلس الأمة، وهو الذي التقى رئيسيه منفردين (رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، ورئيس مجلس الأعيان عبد الرؤوف الروابدة)، قبل يوم من إقرار المجلس للقانون، وسط معلومات تفيد بحصولهما على ضوء أخضر من الملك لإقرار القانون، بعد تقديم دفاعهم عنه، وهو ما يفسر نسبة التصويت المرتفعة لصالح إقرار القانون.

وعلل الملك رد القانون "بجهود بناء الأردن على أسس متينة قائمة على ترسيخ مبادئ المساواة بين جميع فئات المجتمع، والحرص على إعداد مشروع قانون تقاعد مدني وفق أعلى درجات العدالة والشفافية والموضوعية، وعلى نحو يعالج التشوهات التي تضغط على موارد الدولة والاختلالات غير المنصفة وأثرها على أجيال المستقبل".

وهذه هي المرة الثانية التي يرد فيها الملك مشروع القانون لنفس الأسباب، إذ سبق له ورد القانون في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، طالباً حينها من الحكومة إعداد دراسة جديدة لمشروع القانون، الأمر الذي دفع موقع "خبرني" الأردني للتهكم على مجلس الأمة، مستخدماً مقولة ألبرت آينشتاين في تعريف السذاجة بأنها "تكرار نفس التجربة بالطريقة عينها، مع توقّع نتيجة مختلفة في كل مرّة".

وقطع الملك على مجلس الأمة، الذي يمتلك صلاحية دستورية بإقرار القانون بشكل يخالف إرادة الملك، الطريق عندما وجه الحكومة إلى استفتاء المحكمة الدستورية حول وجود شبهة دستورية في مشروع القانون.

ويمنع التوجه نحو المحكمة الدستورية، مجلس الأمة، من استغلال صلاحياته الدستورية بعقد جلسة للتصويت على القانون مجدداً، والتي في حال عقدها وإقرارها للقانون بأغلبية ثلثي الحضور، يصبح القانون نافذ المفعول دون الحاجة إلى مصادقة الملك.

وفي المحصلة النهائية لمعركة مشروع قانون التقاعد المدني، خرج مجلس الأمة الخاسر الأعظم، عندما تلقى صفعة شعبية، أعقبتها صفعة ملكية تمثلت برد القانون، وانتهت بتعزيز الملك شعبيته.

المساهمون