غير أن ارتفاع الأسعار طاول أيضا وقود هذه المدافىء (الحطب، وجفت الزيتون)، فيضطر مقتنوها لإذكاء نار مدافئهم بما تيسر من ملابس قديمة وأحذية بالية، وورق هالك، أو مما يستطيعون جمعه من أغصان الأشجار.
وينتج جفت الزيتون من مخلفات عصر الزيتون وتستخدم بعد تجفيفها في الأفران والتدفئة، لكن أسعارها ارتفعت خلال الأعوام الماضية بنسبة 400 في المائة.
ويقول قيس محمد، وهو موظف حكومي، إن جفت الزيتون وسيلة قديمة حديثة للتدفئة يلجأ المواطنون إلى استخدامها لانخفاض أسعارها مقارنة بالحطب أو المشتقات النفطية، غير أن ارتفاع أسعارها حرم العديد من المواطنين شراءها.
ويتذكر قيس أن الجفت كان يستخدم قديما، خاصة في القرى والأرياف، إذ يحتاج إلى موقد خاص يسمى (المجمرة) لكي يتم إشعال الجفت والتخلص من الروائح الناتجة عن عملية الاحتراق. غير أن قيس قال إن الارتفاع المستمر في سعر مادة الجفت دفعه لابتكار أساليب جديدة لتأمين الدفء، فلجأ كغيره من الأردنيين لاستخدام ما توفر من أحذية بلاستيكية وملابس بالية.
ويقول المواطن فواز حسنين إنه كان يحصل على مادة الجفت في الأعوام الماضية مجانا، حيث كانت تعتبر نفايات ومخلفات لا يمكن الاستفادة منها، إلا أنه ومع استخدامها المتزايد في التدفئة ارتفعت أسعارها لتلامس أسعار المشتقات النفطية، حيث يصل سعر الطن منها إلى 140 دينارا مقارنة مع مبلغ 25 دينارا قبل 7 أعوام. الأمر الذي دفع العديد للتوجه لاستخدام الأحذية والمواد البلاستيكية والألبسة البالية.
يؤكد صاحب أحد محلات بيع الأحذية المستعملة، خلدون، أن كمية البيع تزداد في فصل الشتاء، حيث يتم شراء "بالات" أو بقايا البالات لتستخدم في عمليات التدفئة، والتي تباع بالكيلو أو بالقطعة بأسعار رخيصة، وتتراوح أسعارها من ربع دينار إلى دينار، ويضيف أن معظم الذين يشترونها يستخدمونها كوقود لمدافىء الحطب في فصل الشتاء، وذلك لرخص أسعارها، ويؤكد أن هناك محلات مخصصة لبيعها، حيث تعتبر تجارة رائجة في الشتاء.
ويقول الستيني، أبو ناصر: "تلجأ أسر إلى استخدام الألبسة ومواد البلاستيك لحرقها في مرافئ الحطب لتوفر الدفء بمنازلها، بديلا عن المحروقات باهظة الثمن، حيث إن هذه الأسر لا تستطيع تأمين أثمان الحطب والجفت المرتفعة".
ويضيف "تعد محال بيع الملابس المستعملة مصدر وقود جيداً، إذ تتهافت عليها الأسر لشراء ما أمكن من الملابس بأسعار رخيصة لتلقى مصيرها في "صوبة الحطب".
وبين المواطن عبد الله محمود أن الأردنيين لم يكونوا يحسبون للتدفئة قبل 15 عاما أي حساب، حيث كانت أسعار المحروقات في ذلك الوقت معقولة، لكن الوضع اليوم اختلف مع الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات التي يستخدمها الأهالي بشكل كبير، فبدأ العديد من الأسر باستخدام هذه الوسائل نتيجة الفقر والبؤس والحاجة إلى الدفء، خاصة ممن لديهم أسر غالبية أفرادها من الأطفال.
وأضاف أن معظم الأسر التي عادة ما تكون فقيرة أو شديدة الفقر أو من الموظفين أصحاب الدخول المتدنية، تعتمد على مدافىء الحطب وإيقاد نارها بالأحذية البلاستيكية وإطارات المركبات التالفة وغيرها، حيث يقومون بجمع هذه المواد أو شراء بعضها قبل أيام الشتاء رغم أثرها على صحتهم وأطفالهم وجيرانهم، مشيرا إلى أنه إذا كان الجوع كافراً فماذا نقول للبرد.
فيما تشكو المواطنة سامية يونس من أثر استخدام هذه الوسائل على الصحة بشكل عام، حيث تكون الأجواء الخارجية ملوثة وموبوءة برائحة الأحذية والبلاستيك والزيوت المحروقة وغيرها من المواد التي تؤكد أنها سموم تسبب العديد من الأمراض، سواء من يستعملها أو من لا يستعملها، عدا عن أثرها السلبي على البيئة نظرا لانتقال رائحتها مع تيارات الهواء القوية.
وأضافت أن معظم جيرانها يستخدمون مثل هذه الوسائل في التدفئة، وعند خروجها من منزلها، وأحيانا وهي داخله، تشم الروائح الكريهة المنبعثة من مدافىء الحطب، فيما أشار زوجها إلى أنه بحث أمر انبعاث هذه الروائح الكريهة مع جيرانه، والذين غالبا ما تكون إجابتهم إنهم يعلمون أثر هذه السموم. لكن لا يوجد باليد حيلة.
ويقول مصطفى السامح، إنه قام برفقه أبنائه الثلاثة بجمع مختلف قطع السيارات التالفة من ورش التصليح لاستخدامها كوقود لمدافئ الحطب.
وأوضح أن هذه المواد ترفع درجة حرارة المدافئ بصورة كبيرة لدرجة تغير لون الحديد من الأسود إلى الأحمر، مدركا في ذات الوقت خطورة الدخان المتصاعد خارج منزله على الصحة والبيئة، غير أن عدم توفر أي بديل لمواد الوقود يجبره وغيره من الأسر الفقيرة على استخدام هذه المواد وأي مواد أخرى تلتهمها النيران كالإطارات التي تقطع وتستخدم في التدفئة أيضا.
من جانبه أكد اختصاصي الأمراض الصدرية، عاطف حمارنة، أن هذه المواد المصنوعة من المشتقات البترولية والبلاستيكية لها آثار سلبية على الأطفال والمرضى، خاصة المصابين بالحساسية وأمراض الربو وغيرها من الأمراض التي تتعلق بالجهاز التنفسي والقفص الصدري.
وأشار إلى أن حرق هذه المواد لفترة طويلة والأبخرة المتصاعدة نتيجة ذلك قد تؤدي إلى الأمراض المسببة للسرطان.
اقرأ أيضا:البرد يهدد مئات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال