الأردن: المال السياسي يتغلغل في مجلس النواب

01 نوفمبر 2014
لم يعد الحديث عن المال السياسي سراً (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -


ما يشهده مجلس النواب الأردني لم يعد خافياً على أحد، خصوصاً في موضوع "المال السياسي". ومع أن لا أحد يمتلك إثباتات مادية، في الوقت الحالي على الأقلّ، سوى المتورطين، ممن دفعوا الأموال، أو قدموا المنافع، أو ممن دُفع لهم المال أو استفادوا من المنافع المقدمة، غير أن تفشي المال السياسي، وبروزه محرّكاً في الاصطفافات، التي يشهدها مجلس النواب الأردني، لم يعد سراً، وإن استمر الحديث عنه همساً داخل أروقة المجلس وغرفه المغلقة.

وللضجيج حول المال السياسي المُسال، داخل المجلس، له ما يبرره في الوقت الحالي، إذ سيشهد مجلس الأمة (النواب والأعيان)، غداً الأحد، استحقاقاً دستورياً، يتمثل في افتتاح الدورة العادية الثانية للمجلس الحالي، والتي سيعقبها انتخابات جديدة، ستطال رئاسة المجلس وأعضاء المكتب الدائم، الممثل بنائبي الرئيس ومساعديه، إضافة لإعادة انتخاب اللجان الدائم، والبالغ عددها 20 لجنة.

وفي مداعبة ظريفة، تخفي خلفها الكثير من الأسرار، أجاب أحد أعضاء مجلس النواب أثناء صعوده درج المجلس، على استفسار زميل له حول عدم عزمه الترشح لشغل أي من المناصب القيادية في المجلس، بقوله متهكماً "أنا ما معي مصاري (لا أملك مالاً)"، وواصل كلّ منهما طريقه مبتسماً.

ولا تفوح رائحة المال السياسي داخل المجلس في سباق الانتخابات فقط، بل تتعدّى ذلك، إلى التنافس على تشكيل الكتل النيابية، التي شهدت حركة انتقال، خلال الأيام الماضية، خصوصاً وأنها ستُشكّل الرافعة الانتخابية للمتنافسين، أو الطامحين بتأدية دور تحت القبة التشريعية. وهو تنافس كان سبباً في تبادل العتاب بين نائبين يترأس كلّ منهما كتلة نيابية، عندما التقيا منتصف الأسبوع الماضي في مناسبة اجتماعية، حسب ما ينقل نائب شهد واقعة العتاب.

وبحسب النائب الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن رئيس الكتلة التي غادرها أحد أعضاؤها لصالح الكتلة التي يترأسها زميله، قال عاتباً "أخذت (...) من عندي وأنا معي صورة شيك بـ3750 دينار (نحو 5291 دولاراً أميركياً) صرفته له".
ويحدد النظام الداخلي لمجلس النواب الحد الأدنى لتشكيل الكتلة النيابية بـ15 نائباً حتى يُصار إلى الاعتراف بها.

وعلمت "العربي الجديد" أن النائب الذي تحدّث لقرابة الساعتين في جلسة مغلقة، قدّر عدد النواب الذين يحصلون على أموال مقابل مواقف واصطفافات سياسية، بنحو 10 نواب من أصل مجموع أعضاء المجلس البالغ 150 نائباً.
ووصفهم بـ"فقراء النواب"، دون أن يحدد النواب الذين يدفعون لزملائهم أو يشملهم بجموع المتورطين باستخدام المال السياسي.

واستبعد أن يكون المال السياسي قد تحوّل إلى ظاهرة داخل المجلس، على الرغم من قلقه من ظهوره. وكشف النائب عن طرق أخرى يعتمدها "أغنياء النواب" في استمالة زملائهم سياسياً، وذلك من خلال المنافع التي يقدمونها لـ"فقراء النواب" ليقدموها بدورهم إلى قواعدهم الانتخابية في مناطقهم، والتي غالباً ما تكون بشكل طرود غذائية أو منح دراسية، وغيرها. ويضع ما يجري في إطار الاستمالة والتأثير، على اعتبارها تفيد المواطنين.

ويكشف النائب، الذي يمتلك شركة مقاولات، عن آخر أساليب الضغط التي تستهدف "الأثرياء من النواب"، إذ تتمّ محاصرتهم من خلال من يرتبط معهم بمصالح تجارية، للاصطفاف لصالح أطراف محدّدة داخل المجلس.
وأشار إلى أنه "تعرّض لذلك النوع من التأثير". واعتبر أن "بروز المال السياسي في المجلس، يأتي في سياق قرار من مستويات عليا، من أجل الإبقاء على مجلس النواب ضعيفاً ومرفوضاً شعبياً".

يذكر أنه يُنظر إلى مجلس النواب المُنتخب في 23 يناير/كانون الثاني 2013، على اعتباره "مجلساً مزوّراً"، رافقته اتهامات باستخدام المالي السياسي، قادت عدداً من المرشحين للانتخابات حينها إلى السجن، قبل أن يتم الإفراج عنهم، ويحالف بعضهم الحظ بالفوز بعضوية المجلس.

كما تسبب إقرار مجلس الأمة منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، لقانون التقاعد المدني الذي يمنح أعضاءه رواتب مالية مدى الحياة، مقابل خدمة تبلغ سبع سنوات، بحالة غضب شعبي على المجلس، اتهم خلالها أعضاؤه بالسعي إلى تعظيم إرباحهم المالية، قبل أن يهدأ غضب المواطنين الفقراء، عندما ردّ الملك عبدالله الثاني مشروع القانون، ورفض التصديق عليه.

يبقى الحديث عن المال السياسي، الذي يُجرّمه القانون الأردني، يطارَد المرشحون لعضوية مجلس النواب، حتى جلوسهم تحت القبة التي تمنحهم الحصانة، ومن غير الوارد مساءلتهم اليوم أو التحقيق معهم وهم محصّنون نيابياً.

المساهمون