الأرجنتين تحاول الخروج من أزماتها الاقتصادية المتلاحقة

19 مايو 2018
تحاول الأرجنتين السيطرة على واحد من أعلى معدلات التضخم(Getty)
+ الخط -
لا يزال الاقتصاد الأرجنتيني يعاني من كثير من الأزمات الداخلية التي ألقت بثقلها على سعر صرف البيزو، بالإضافة إلى تبعات ترتبت عليه من جراء التوتر الاقتصادي الذي بدأ مع بدء التوترات التجارية العالمية، فضلاً عن الموروثات الاقتصادية السيئة التي لا تزال تؤثر على هذا الاقتصاد.

وأكد الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، أمس، أن أزمة البيزو التي أدت إلى تراجع هذه العملة الأميركية الجنوبية في الأسابيع الأخيرة انتهت، مؤكداً أن خفض عجز الموازنة هو أولوية.

وقال في مؤتمر صحافي: "نعتبر أننا تجاوزنا الاضطرابات في سوق القطع، لكن يجب الاعتراف بلحظة الغضب التي يعيشها الناس". وأدّت أزمة ثقة بالبيزو إلى تراجع قيمته نحو 20% خلال شهر ونصف الشهر.

وأضاف ماكري أن "المشكلة الأساسية هي العجز الضريبي. علينا أن نخفضه. لا يمكننا أن ننفق أكثر مما في حوزتنا، والاتكال على القروض الدولية لتمويله".

وانخفض عجز الموازنة من 6 إلى 3.9 % خلال سنتين من رئاسة ماكري. وحمل الوضع الراهن الرئيس على طلب قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 30 مليار دولار على شكل حزمة إنقاذ.

وأضاف ماكري، رجل الأعمال الذي وصل إلى الحكم في 2015، "يجب ألا نواجه أي مشكلة مع صندوق النقد الدولي. إنها مؤسسة جدية. سنتوصل إلى اتفاق ذكي لترسيخ نمونا".

التضخم

واستعاد الاقتصاد الثالث في أميركا اللاتينية في 2017 وتيرة نمو جيدة عند 2.8 في المائة ويأمل في المحافظة على هذا الاتجاه هذه السنة، في وقت يكافح لاحتواء واحد من أعلى معدلات التضخم في العالم.

وسجل معدل التضخم في إبريل/ نيسان الماضي ارتفاعاً بنسبة 25.5% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بعد ارتفاعه بنسبة 25.4% خلال مارس/ آذار الماضي.

وارتفع التضخم على أساس شهري خلال إبريل/ نيسان إلى 2.7% مقابل 2.3 % خلال مارس/ آذار الماضي، ليصل متوسط معدل التضخم خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 9.6 % سنوياً.

وتستهدف الأرجنتين تحقيق معدل تضخم سنوي خلال العام الحالي ككل قدره 15%. ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي لمراجعة أسعار الفائدة يوم 22 مايو/ أيار الحالي.

 تراجع سعر الصرف

وكان المركزي الأرجنتيني قد رفع أسعار الفائدة بداية الشهر الجاري من 33.25% إلى 40%، في محاولة لوقف تراجع قيمة البيزو الأرجنتيني في أسواق الصرف.

ولفت وزير الخزانة الأرجنتيني نيكولاس دوجوفاني، في تصريحات سابقة، إلى أن هدف الزيادة هو "تقليل التقلب" في الأسواق.

وقال دوجوفاني إن البيزو يتراجع جزئياً بسبب ارتفاع سعر الدولار وتراجع عملات الدول الصاعدة الأخرى، إلى جانب "الضغوط الشعبوية والديماغوجية"، في إشارة إلى المعارضة السياسية في البلاد.

وفي السياق، باع "المركزي الأرجنتيني" نحو مليار دولار في سوق النقد الأجنبي، يوم الجمعة الماضي، مع هبوط العملة المحلية 2.74 % إلى أدنى مستوى إغلاق على الإطلاق عند 23.35 مقابل الدولار.

تأثيرات خارجية وداخلية

ويحاول الرئيس الأرجنتيني الخروج من عنق الزجاجة، خصوصاً أنه تسلم السلطة في الأرجنتين في عام 2015 مُثقلة بسوء إدارة اقتصادية تنوعت بين ارتفاع معدل التضخم والبطالة والعجز المالي، فضلاً عن سياسات اقتصادية "خطرة" انتهجتها كريستينا فيرنانديز دي كريشنر رئيسة الأرجنتين السابقة دمرت الاقتصاد، على غرار الدعم والتحكم في الأسعار وطباعة الأموال.

واستطاع التوصل إلى تسوية مع كثير من الدائنين، وخفض عجز الموازنة ومعدل التضخم، ما أضفى إحساساً بالتفاؤل على الاقتصاد. ولكن ارتفاع أسعار الفائدة في أميركا خفض من جاذبية الديون الأرجنتينية، كما أن تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التجارية، ألقت بظلال قاتمة على صادرات الأرجنتين.

وتسبب ارتفاع قيمة الدولار الأميركي في ارتفاع تكلفة الديون الأرجنتينية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى صعوبة نمو اقتصاد الأرجنتين، وهو ما دفع المستثمرين إلى التخلص من البيزو.

وعلى الرغم من أن ظروفاً كهذه قد لا تؤثر بشكل كبير في الاقتصادات المشابهة للأرجنتين، إلا أن اقتصاد هذا البلد حساس إلى حد كبير، خصوصاً أنه لم يتمكن بعد من اكتساب ثقة المستثمرين الكاملة بعد أزمتي 2014 و2001.

وفي يوليو/ تموز 2014، أصبحت الأرجنتين عاجزة عن تسديد ديونها للمرة الثانية خلال 13 عاماً، بعد انهيار محادثات في اللحظة الأخيرة بين الحكومة ومجموعة من حاملي السندات في نيويورك بهدف تجنيب البلاد الغرق في الديون.

ويطالب المستثمرون بدفع كامل مستحقاتهم، البالغة 1.3 مليار دولار، وهي قيمة السندات التي يملكونها.

وأعلنت الأرجنتين أنها غير قادرة على سداد هذه القيم، واتهمت المستثمرين باستغلال أزمة الديون لتحقيق أرباح ضخمة، وهو ما أثر بشكل كبير على تقييم اقتصادها، وخلق أزمة لا يزال الاقتصاد يدفع ثمنها حتى اليوم.

ولكن أزمة 2014 ليست وليدة لحظتها، بل تنبثق بشكل رئيس من أزمة 2001، عندما أعلنت الحكومة الأرجنتينية الإفلاس والتوقف عن خدمة دين يقدر بنحو 81 مليار دولار.

وقام صندوق التحوط NML المحدود بشراء سندات أرجنتينية بسعر زهيد من السوق الثانوي، ومنذ ذلك العام والحكومة الأرجنتينية تحاول التوصل مع الدائنين إلى إعادة جدولة الديون في مقابل شطب جانب منه.

ونجحت في عامي 2005 و2010 بإعادة جدولة نحو 92% من الديون، غير أن بقية الدائنين رفضوا عملية الشطب، ومنهم مجموعة NML، التي قاضت الحكومة.

وجاء حكم المحكمة بإلزام الأرجنتين بسداد كامل قيمة السندات والفوائد عليها للمجموعة قبل أن تقوم بسداد الفوائد المستحقة عليها للدائنين الآخرين حملة السندات السارية، وهو ما اعتبر نصراً كبيراً للمجموعة.

(العربي الجديد)

دلالات
المساهمون