الأربعاء الأحمر في إيران

15 مارس 2016
لن يفوت فرصة الاحتفال (أمين محمد جمالي/Getty)
+ الخط -

في كلّ عام، ينتظر الإيرانيون حلول فصل الربيع للاحتفال بعيد النوروز، الكلمة التي تعني بالعربية "يوم جديد". وهو يوم رأس السنة الشمسية الذي يوافق فلكياً الانقلاب الربيعي في 21 مارس/آذار من كل عام. للنوروز طقوس ومراسم كثيرة، وتبدأ رسمياً ليلة الأربعاء الأخير من كل سنة فارسية.

مرّت السنوات واختلفت الطقوس والتقاليد. وإن تغيّر بعضها، إلا أن الإيرانيين يحرصون على أداء مراسم أعيادهم بسبب تعلّقهم بتاريخهم وحضارتهم، على الرغم من اختلاف معتقداتهم مع مرور الزمن. تبدأ احتفالات الأربعاء الأحمر في وقت متأخر من ليل الثلاثاء (أمس) وتنتهي في الليلة التي تليها (اليوم). يُطلق الإيرانيون الألعاب النارية بكثافة طوال هذه المدة، ويشعلون النار في الشوارع وفوق أسطح المنازل ليلاً. ويعد هذا الطقس الاحتفالي رئيسياً في يومنا هذا.

"جهارشنبه سوري" هي التسمية الفارسية لهذا اليوم. وتعني "جهارشنبه" يوم الأربعاء، فيما تحمل كلمة "سوري" معاني عدة، منها الاحتفال واللون الأحمر الداكن والعشرة وغيرها. وعلى الرغم من تعدّد الروايات والمعتقدات، تحرص بلاد فارس منذ القدم على الاحتفال به.
تقول الأسطورة إن الملك جمشيد، وهو أحد أبرز ملوك الدولة الإخمينية (559 قبل الميلاد)، كان ذاهباً إلى الصيد فهاجمته التنانين ورماها بحجر، وانتبه في تلك اللحظة إلى احتكاك الحجارة بعضها ببعض ما أدى إلى اشتعال النار. وبعد اكتشاف النار، بات هذا العنصر أحد أهم عناصر الطبيعة وأكثرها قداسة بالنسبة للإيرانيين القدامى.

واعتبرت النار رمزاً للطهارة والحكمة حين انتشرت الزرادشتية كدين رسمي في البلاد منذ قرون ولّت. لذلك، كان القفز فوق النار في احتفال الأربعاء الأحمر طقساً أساسياً. ويسعى من يقفز فوقها إلى التطهر من الذنوب ليبدأ عامه الجديد من دونها. وما زال البعض يمارس هذا الطقس حتى اليوم، لكن من دون أي دلالات.

أما المؤرخ هاشم رضي، فيذكر في كتابه "مناسبات واحتفالات إيران القديمة" أن اختيار يوم الأربعاء بالذات يأتي من كونه يوم نحس بالنسبة لبعض الإيرانيين القدامى. لذلك، حرصوا على إطلاق احتفالات النوروز في الأربعاء الأخير من كل عام. من جهته، يقول المؤرّخ كوروش نكنام، وهو المتخصّص في عقائد الزرادشتيين، إن هذا العيد لا يرتبط بتلك الفترة إطلاقاً، على الرغم من أهمية النار في حياة ومعتقدات الإيرانيين القدامى. لكن الاحتفال بحد ذاته بدأ بعد دخول العرب حاملين معهم الإسلام لإيران في عهد الساسانيين. يتابع أن النار كانت تشتعل لدعوة أرواح الأحبة الذين غادروا الحياة لزيارة أقاربهم.

ومن الطقوس القديمة الأخرى لهذا العيد هو إشعال النار وسط البلدة، وفوق أسطح البيوت، والقفز فوقها مع قراءة دعاء خاص يطلب فيه الإيرانيون التخلص من المرض والسقم والتعب. وهناك روايات تقول إن البعض في بلاد فارس القديمة كان يحرص على إبقاء النار مشتعلة لعشرة أيام متواصلة قبل بدء العام الجديد.
وعادةً ما كانت مهمّة إشعال النار توكل لأشخاص معينين دون سواهم، وهم من أصحاب الحكمة والمتدينين. والحديث هنا يدور عن الفترة التي انتشرت فيها الزرادشتية في إيران. كان هؤلاء يقسّمون المهام في ما بينهم، وينطلقون إلى المدن والقرى في كل أنحاء البلاد، ويشعلون النار وينشدون الأغنيات.

وكما اختلفت الطقوس مع مرور الزمن، اختلفت أيضاً مع اختلاف الموقع الجغرافي للمدن والمناطق الإيرانية. ففي شيراز جنوباً، تجلس النساء إلى جانب النار ويشعلن البخور ويقرأن الأدعية الدينية. فيما تذهب أخريات إلى الحمام الشعبي في سوق المدينة بهدف الطهارة قبل بدء العام الجديد.
وفي بعض المناطق التي يقطنها الأكراد في إيران، كان هؤلاء يختارون أعلى نقطة في الجبل لإشعال النار فوقها، ويرقصون حولها. وفي أصفهان، يمارسون طقوساً أخرى على غرار كسر الجرار للتخلص من النحس. وفي تبريز، يقفزون فوق المياه وليس النار بحسب بعض الروايات.

وما زال تناول المكسّرات يعدّ طقساً حياً حتى يومنا هذا. يجمع الإيرانيون سبعة أنواع من المكسرات النيئة والحلوة، بالإضافة إلى بعض أنواع الفواكه المجففة، لصنع خلطة خاصة بيوم الأربعاء الأحمر، وتتكون بشكل رئيسي من الجوز واللوز والفستق والزبيب والتين المجفف وجوز الهند.
وفي السابق، كان الشباب يغطون وجوههم ويدقون أبواب منازل الجيران، وفي أيديهم أوعية فارغة يملأها الناس بالمكسرات. ويرمز هذا الطقس إلى عودة روح من توفي من الأحبة أو الأقارب لزيارة عائلته قبل حلول العيد بسبب تغطية الوجوه ليبدو الزوار كأشباح.
وكان آخرون ينهون ليل الأربعاء الأحمر بالاجتماع حول النار، ووضع بذور نباتات احتفظوا بها فوقها لشيّها، مثل بذور القرع والكوسا والبطيخ. ويعتقد البعض أن أكل هذه البذور يجلب البركة في العام الجديد. ما زال الجيل الجديد يحتفظ ببعض هذه الطقوس، ويبقى طقس إشعال النار ضرورياً لدى البعض، وحتى القفز فوقها، لكنه لم يعد من باب الحكمة والطهارة بل من باب التسلية والتحدي.

اقرأ أيضاً: "عيد قربان" مختلف في إيران
دلالات