المجال الأوّل، يتعلّق بدعم نظام القذافي، عبر تزويده بأجهزة الحرب الرقمية. وهنا تحدّث الموقع عن مفاوضات زياد تقي الدين، ممثلاً لعبد الله السنوسي (مدير استخبارات القذافي وصهره)، سنة 2007، مع مكتب وزير الداخلية الفرنسي وشركة "أميسيس"، حول شراء أجهزة حرب رقمية لصالح ليبيا، وتتضمّن أجهزة تجسّس على كل فضاء الإنترنت في البلاد، وتسليم القذافي سيارة رباعية الدفع مزودة بمشوش على التنصت، واحتمال حصوله على نظام تكنولوجي لصدّ مراقبة "وكالة الأمن القومي الأميركي" له. وأكّد الموقع أن برنامج التجسس الرقمي "إيغل" هو الذي "سمح للعقيد الليبي باعتراض الرسائل الإلكترونية، ثمّ مراقبتها واعتقال أصحابها، وأيضاً تعذيب المنشقين الأوائل في بنغازي في فبراير/شباط 2011"، وهكذا "سلّح ساركوزي النظام الليبي في مواجهة المتمردين"، بحسب "ميديا بارت". وهذه الحقائق أكدتها منظمات غير حكومية، مثل "هيومان رايتس واتش"، التي اكتشفت "أدلة على التعاون بين فرنسا والنظام الليبي، في مكتب السنوسي".
المجال الثاني، يتعلّق بتسوية الشؤون الشخصية لمسؤولين ليبيين. وفي هذا الإطار، كشف الموقع عن بذل طاقم ساركوزي جهوده كلها وتسخير شبكاته كافة، ابتداءً من سنة 2005، لمراجعة الوضعية القانونية للسنوسي، من أجل شلّ مذكرة الاعتقال الدولية التي استهدفته سنة 1999، على خلفية إدانته بالتورط في تفجير طائرة تابعة لشركة "يو تي أي" الفرنسية، مشيراً إلى أنّ محامي ساركوزي، تيري هيرزوغ، هو من كلّف بالملف. وقد اعترف ساركوزي أمام محققيه، بمحاولات السنوسي المختلفة للاستفادة من قدرات المحامي الفرنسي، لكن من دون جدوى. غير أن الموقع الفرنسي أكّد "امتلاك القضاة أدلّة تثبت سعي الإليزيه، إلى حدود سنة 2009، من أجل حلّ مشكلة السنوسي، الذي يعتبره القضاة الفرنسيون أحدَ المسؤولين الليبيين الذين أرسلوا 5 ملايين يورو إلى ساركوزي، عن طريق الوسيط زياد تقي الدين".
ولم يكن عبد الله السنوسي وحده من حصل على أفضال ساركوزي خلال الأشهر الأولى من ولايته الرئاسية، فهناك أيضاً بشير صالح، مدير مكتب القذافي. وتحدث "ميديا بارت" عن جهود بذلها الإليزيه سنة 2008، من أجل منح الجنسية الفرنسية لزوجة صالح، ذات الأصل اللبناني، التي لم تكن تستوفي الشروط المطلوبة للحصول على الجنسية الفرنسية. وعلى الرغم من "احتجاجات عديدة من أجهزة الأمن، إلاّ أنّ السيدة صالح حصلت على مبتغاها في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008".
ويتهم القضاة الفرنسيون صالح بأنه وبوساطة من رجل الأعمال الفرنسي من أصل ليبي، ألكسندر الجوهري، كان وراء حصول كلود غيان، والذي كان أحد مبعوثي ساركوزي عندما كان رئيساً، ثمّ عيّن وزيراً للداخلية، على شقة جميلة في باريس سنة 2008. كما أن القضاة الفرنسيين يتهمون صالح، أثناء الحرب في ليبيا، بتهريب وثائق حول الفساد الليبي الفرنسي، و"هو ما قد يفسّر جهود ساركوزي لإنقاذه، مرتين، الأولى في طرابلس سنة 2011، والثانية في باريس سنة 2012".
أمّا المجال الثالث، فيركّز على العمل على منح الشرعية للعقيد الليبي في أعين العالم، إذ تحدّث الموقع عن الاستقبال الباذخ الذي حظي به القذافي في ديسمبر/كانون الأول 2007، في باريس، حيث "لم يُرفَضْ له، خلال هذه الزيارة التي دامت ستة أيام، أيّ طلب، لا نصب الخيمة ولا الزيارة الخاصة لقصر فيرساي". وسخر الموقع من هجوم ساركوزي الكلامي المتأخّر على القذافي، وذكّر بما كان قد صرّح به أثناء هذه الزيارة، عندما قال "إن له شخصيته، ومزاجه. ولستُ أنا من سيقوم بالحكم عليهما".
في المجال الرابع، ركّز الموقع على زاوية صفقات السلاح. وذكر أنّ ليبيا، في هذه الفترة من حكم ساركوزي، لم تكن في نظر المسؤولين الفرنسيين ديكتاتوريةً، إنما "زبوناً محتمَلاً" لشراء السلاح. وتحدّث الموقع، في هذا الصدد، عن زيارة لأحد أبناء القذافي، الساعدي القذافي، سنة 2007 إلى باريس، والذي استقبل بحفاوة بالغة، بغرض شراء أسلحة فرنسية (14 طائرة رافال، وهيلوكبتر تيغر)، ولكن الصفقة لم تتحقّق بشكل كامل، بسبب الاضطرابات التي عرفتها ليبيا لاحقاً. وكان المحققون الفرنسيون عثروا على وثائق مبيعات تعود لسنة 2007، لصواريخ "ميلان" المضادة للدبابات بمبلغ 168 مليون يورو، وقد تسلَّم النظام الليبي هذه الشحنات ما بين عامي 2008 و2010.
أمّا في المجال الخامس، فتحدّث الموقع عن هوَس استبد بساركوزي، وهو بيع التقنية النووية للقذافي. وعلى رغم تكذيب الرئيس الفرنسي الأسبق لهذا الأمر سنة 2012، إلاّ أنّه توجد وثائق تبرهن ذلك. فمنذ وصول ساركوزي إلى الإليزيه، بادر في مكالمة هاتفية بتاريخ 28 مايو/أيار 2007 إلى عرض الأمر على القذافي. ثمّ تكرر الأمر في 20 يوليو/تموز 2007، في رسالة وجهها غيان للعقيد الليبي تقترح التعاون من أجل شراكة متميزة بين البلدين، تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي في ثلاثة ميادين: "التطوير التكنولوجي، الدفاع، ثمّ النووي المدني". وفي 25 يوليو من العام نفسه، تمّ التوقيع على مذكرة تعاون نووي بين البلدين، من بين بنودها، العمل على إنتاج الطاقة النووية وتحلية المياه، وتطوير مشاريع مرتبطة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
ورغم الكشف عن هذه المجالات الخمسة وتفنيدها، والتي لا تحتمل التكذيب، يصرّ الرئيس الأسبق، كاستراتيجية دفاعية، على أن معمر القذافي وعائلته والمقربين منه هم الجحيم، و"الجحيم هم الآخرون" دائماً. وكان مفتاح ميسوري، وهو كبير مستشاري القذافي منذ 1996، قد اعترف، في حديث لوكالة "أسوشييتد برس"، بأن القذافي قال لساركوزي عام 2005 (كان ساركوزي وزيراً للداخلية آنذاك) إنه سيكون "أمراً جيداً للغاية أن يكون له صديق مثلك يحكم لفرنسا". وبحسب ميسوري، فإن القذافي قال لساركوزي "نحن مستعدون لدعمك". ولم ترد محامية ساركوزي والناطقة باسمه على الفور على طلبات التعقيب. وقال ميسوري إن اجتماع القذافي - ساركوزي، تم داخل خيمة القذافي الواسعة في العاصمة الليبية طرابلس، واستمر لنحو خمس وأربعين دقيقة بحضور مسؤولين من كلا الجانبين.