وأعرب الإبراهيمي لمقربيه عن استيائه، بسبب منحه تقديراً خطأً للموقف السياسي وطبيعة الأزمة الراهنة من قبل السلطة الجزائرية. وقال مقربون يعملون معه لـ"العربي الجديد"، إنه "عبّر عن قلقه مما اعتبرها ورطة سياسية في نهاية مساره السياسي لم يكن يريد أن يدفع بنفسه إليها، اهتزت معها صورته الدبلوماسية، إذ إنّ المعطيات التي وفرتها له السلطة لدفعه لأداء دور وسيط بين السلطة والحراك والمعارضة كانت كلها خطأً وتعتمد على تقديرات مغلوطة للموقف". واعترف مقربون من الدبلوماسي المتقاعد، بأنّ "الرجل الذي غادر العمل السياسي في الجزائر منذ عام 1993، بدا أنّ الأحداث والتطورات تجاوزته بشكل لافت، ولم يتكيّف مع التغيّر البارز في البنية السياسية والاجتماعية في البلاد".
لكنّ الفشل السياسي بالنسبة للإبراهيمي في أداء دور وإقناع المعارضة والحراك بالحوار، سبقه إخفاق إعلامي ــ تواصلي لافت ساهم في إفشال مهمته. فقد تم دفع الرجل بشكل غير مدروس وممنهج إلى المشهد المحلي، وتمّت برمجة سلسلة متوالية من اللقاءات الإعلامية معه، بما فيها أربعة حوارات تلفزيونية متتالية في قنوات ثلاث منها مستقلة، وهو ما بدا للفاعل السياسي والرأي العام محاولة لفرضه سياسياً وإعلامياً وتسويق لطروحاته، كما لو كان الأمر يتعلّق بمرشح رئاسي، فضلاً عن إسناد السلطات المهمة الاتصالية ــ الإعلامية للإبراهيمي، وترتيب لقاءاته لوكالة اتصال وتسويق غير متخصصة في التعامل مع حالة الظروف السياسية الراهنة في الجزائر، بدلاً من إحاطته بفريق سياسي محترف له علاقة مع الفاعل والقوى السياسية والمدنية والنخب المستقلة في الجزائر.
ودفع ذلك بالإبراهيمي إلى قائمة المغضوب عليهم من المتظاهرين في مسيرات الجمعة الأخيرة، الذين رفعوا شعارات ولافتات تندد به، كتب على بعضها "لا يمكن بناء سفينة جديدة بخشب قديم". كما رفعت صور للإبراهيمي عليها علامة رفض لأدائه أي دور في المرحلة المقبلة. وزاد هذا الموقف من قلق الإبراهيمي ورغبته في مغادرة بلده ومهمته، من دون العودة إلى المحاولة مرة أخرى.
ومن نقاط ضعف الإبراهيمي، برأي قطاع واسع من الرأي العام، أنه كان وزيراً للخارجية للنظام الذي كان يسيطر عليه الجيش بين عامي 1991 و1993، وهي الفترة التي تمّ فيها إلغاء المسار الانتخابي والانقلاب الأبيض الذي نفذه الجيش في يناير/ كانون الثاني عام 1992 على المسار الديمقراطي. وهو الانقلاب الذي دفع بالبلاد إلى أتون أزمة أمنية عنيفة أودت بحياة أكثر من 200 ألف جزائري و7400 مفقود، بحسب الإحصائيات والتقديرات الرسمية. كما كان الإبراهيمي عضواً في المجلس الأعلى للأمن بصفته وزيراً للخارجية في تلك الفترة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، التقى الإبراهيمي عدداً قليلاً من الشخصيات السياسية والمدنية المستقلة، منذ تكليف بوتفليقة له البحث عن حلّ للأزمة، وبعضها تربطه بها علاقات وظيفية سابقة، على غرار الدبلوماسي ووزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي. لكن الإبراهيمي اصطدم كذلك برفض الكوادر الفاعلة في الحراك الشعبي الاجتماع به، وذلك لانعدام أي صفة رسمية له، إضافة إلى رفض أحزاب سياسية التعامل معه.
وانتقدت قوى المعارضة في اجتماعها الأخير، لجوء السلطة إلى استقدام الإبراهيمي من الخارج لحلّ مشكلة داخلية. وفي السياق، أعلنت الأمينة العامة لحزب العمال اليساري لويزة حنون، أنها لم تلتقِ سابقاً ولن تلتقي الأخضر الإبراهيمي، مؤكدةً في مؤتمر صحافي قبل أيام، أنّ "الوقت غير مناسب تماماً للمناورات السياسية، وأنفي تماماً حدوث لقاء بين حزبنا والأخضر الإبراهيمي يوم الأربعاء الماضي". وأشارت حنون إلى أنّ "شعارات المتظاهرين كانت واضحة: أن يرحل جميع من هم في السلطة".
ولم تقتصر مقاطعة المعارضة، أحزاباً وشارعاً، على طلبات الاجتماع مع الإبراهيمي فحسب، لكنّ الرفض امتدّ إلى جملة مقترحاته المتصلة بالدعوة إلى فتح حوار بين السلطة والمعارضة، والترتيب لعقد مؤتمر وفاق وطني وفق آلية يتم التوافق عليها بين الطرفين. وبحسب الناشط في الحراك الشعبي عبد الغني بادي، فإنّ الإبراهيمي "بدا متخلفاً عن الحدث في مقترحات كهذه، لكون السلطة ظلّت ترفض الحوار مع المعارضة وتكفّر سياسياً كل من يتحدّث عن مرحلة انتقالية أو مؤتمر وفاق وطني، كالذي طرحه اجتماع المعارضة في مزفران في يونيو/ حزيران 2014".
ويُحسب فشل الإبراهيمي ضمن سياق إخفاقات النظام في الجزائر في حلّ الأزمة، ويعني أنّ ورقة سياسية أخرى قد أُحرقت، ما يضيّق الخيارات مجدداً على السلطة التي تستعدّ لإعلان حكومة جديدة برئاسة نور الدين بدوي، لا يبدو أنها ستحظى بالقبول.