وبيّن هذا التأجيل المتتالي حسابات سياسية حزبية واضحة، إذ ربطت بعض الأحزاب بين تواريخ مؤتمراتها وتطورات الساحة التونسية وأحداثها، بل إن بعضها ظل ينتظر أن تعقد أحزاب أخرى مؤتمراتها ليتبين توجّهها وقياداتها الجديدة، بما سينعكس عليها وعلى اختبارات قواعدها مباشرة. ومن جهة أخرى، أظهرت بعض الأحزاب تشبّثاً واضحاً للقيادات التاريخية بمناصبها وتخوّفها من الزحف الشبابي والمطالبة بالتغيير بعد نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية، والتي غيّرت المشهد الحزبي بالكامل.
وينطلق العام الجديد بالحسم في موضوع "نداء تونس"، اليوم السبت، إذ أعلن الحزب أخيراً عن عقد مؤتمره التأسيسي الأول اليوم السبت وغداً الأحد، ولكنه إعلان شكّل موعد انقسام الحزب إلى حزبين، إذ أعلنت المجموعة الرافضة التي يقودها محسن مرزوق عن عقد اجتماعها في التاريخ نفسه، متشبثة بالأرضية الفكرية والمبادئ التي تأسس عليها الحزب ولكن في شكل جديد لم يُعلن عن تفاصيله بوضوح، ما قد يقود إلى "نداءيْن" أو حزبين جديدين بذات المرجعية، وبقيادتَين.
ويُشكّل هذا الحدث لحظة مهمة للوضع السياسي التونسي وما سينجم عنه من تبعات على كل المستويات، البرلماني بسبب انسلاخ نواب وتشكيل كتلة جديدة، والسياسي بسبب تفتيت الحزب الأغلبي إلى جسمين سياسيَين، والحكومي بسبب تبعات ذلك على تعيين وزراء الحزب في الحكومة، كما تبيّن بعد إقصاء وزير الخارجية الطيب البكوش والإبقاء على محمود بن رمضان وعدم تعيين أي اسم من الموالين لمرزوق.
ويشهد هذا العام أيضاً عقد المؤتمر العاشر لحركة "النهضة"، بعد أن تأجّل بدوره مرات عديدة لأسباب معلنة متنّوعة، ولكنه سيُشكل في كل الحالات موعداً تاريخياً للحركة بسبب طرحه أسئلة جوهرية على "النهضة" من جهة، وإمكانية تأثيره في مسارات الأحزاب ذات المرجعية الدينية في العالم العربي من جهة أخرى. وسيحسم المؤتمر العاشر ما تم تأجيله من المؤتمر التاسع، الفصل بين الدعوي والسياسي، والحسم نهائياً في مسألة مدنيّة الحزب، وإبعاد كل التهم والشبهات التي ظلت تلاحق الحركة من منافسيها.
وأكد الأمين العام للحركة علي العريض، في تصريح صحفي إثر اجتماع لأنصارها في محافظة المهدية وسط تونس، أن "النهضة ستُراجع رؤيتها الفكرية ومواقفها السياسية وقوانينها الأساسية والهياكل المبنية عليها في مؤتمرها الذي سيُعقد في الأشهر القليلة المقبلة (خلال الربيع)، كما سيكون تجديدياً وسيعرف تغييرات كبيرة"، مضيفاً "أن النهضة راجعت مواقفها وطوّرتها خلال خمس سنوات بعد الثورة".
كما يطرح المؤتمر تجديد القيادات المحلية والمناطقية التي ستنتخب القيادة، وبدأت مرحلة الإعداد والترشح لمؤتمرات "النهضة" في المناطق. وطُرحت مرات عديدة مسألة بقاء زعيم الحركة راشد الغنوشي على رأس قيادتها، وهو الذي كان قد أعلن بنفسه أنه قد لا يترشح للمؤتمر المقبل، ولكنه جُوبه بحملة رفض واسعة من قيادات "النهضة" التي تعتبر "أنه رجل المرحلة الحالية داخل الحركة وفي المحيط الوطني والإقليمي وربما الدولي". وفي السياق، قال العريض، قبل أيام، في محافظة زغوان جنوب العاصمة تونس، إن مسألة التداول في رئاسة الحركة ستكون مطروحة خلال المؤتمر.
اقرأ أيضاً: النهضة التونسية تحدد موعد مؤتمرها العاشر
وسينظم حزبا الائتلاف الحاكم المتبقيان، "الاتحاد الوطني الحر" و"آفاق تونس" بدورهما مؤتمريهما خلال هذا العام. فـ"الاتحاد" الذي حل ثالثاً في الانتخابات التشريعية بحصوله على 16 مقعداً في البرلمان، أصبح يتبوأ مكانة سياسية مهمة في المشهد التونسي، وبدأ يتخلص من صورة الحزب الذي "نبت فجأة" بفضل رئيسه رجل الأعمال سليم الرياحي.
وسيكون عليه أن يثبت أنه أصبح حزباً موجوداً بجمهوره في المناطق، وعليه أن يوضح هويته الفكرية وهيكلته، ليكون قادراً على مجاراة المكانة الحكومية التي يحتلها من جهة (أربعة وزراء)، ويتمكن أيضاً من رفع التحديات المقبلة ويثبت أن نجاحه في الانتخابات التشريعية لم يكن بسبب الظروف الطارئة.
وقام الحزب منذ أيام بإقالة أمينه العام من منصبه، وسط ترجيحات بإخراجه من التشكيل الحكومي كوزير للرياضة، لكن تبين عقب الإعلان عن التعديل الحكومي أنه تم الإبقاء عليه في آخر لحظة، لكن لأسباب أخرى وعلى وقع أخبار تحدثت عن إمكانية انصهار الحزب مع "نداء تونس"، وهو ما نفاه بيان رسمي. لكن معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" تؤكد أن محادثات التقارب بين الحزبين بلغت أشواطاً متقدمة جداً، وأن استمرارها رهن باستقرار "النداء" و"التخلص من أعبائه"، في إشارة إلى المعارضين لأي تقارب مع النهضة أو الوطني الحر أو غيرهما من القوى السياسية.
وسيشهد الربيع المقبل وتحديداً خلال شهر أبريل/نيسان، عقد مؤتمر حزب "آفاق تونس"، الشريك الرابع في الحكومة، وشرعت لجانه في الإعداد للمؤتمر الذي سيكون عليه أن يوضح للتونسيين الذين لا يعرفون عنه الكثير، هويته الحقيقية وخياراته الاقتصادية والاجتماعية، أمام اتهامات باعتماد "الليبيرالية المتوحشة والانتقائية البورجوازية".
وبعيداً عن الائتلاف الحاكم، تستعد أحزاب المعارضة بدورها لعقد مؤتمراتها الحاسمة، بعد فشل أغلبها في تبوء مكانة حقيقية في المشهد التونسي الجديد ما بعد الانتخابات، باستثناء تجمّع عدد من الأحزاب اليسارية تحت لافتة "الجبهة الشعبية"، التي أصبحت الكتلة المعارضة الأولى والصوت الأعلى داخل قبّة البرلمان.
وبحسب تأكيد زعيمها حمة الهمامي لـ"العربي الجديد"، فإن الندوة الوطنية (المؤتمر) ستنعقد خلال الأسابيع المقبلة، ما بين نهاية يناير/كانون الثاني الحالي وبداية فبراير/شباط المقبل، بعد استكمال الندوات في المناطق. وسيكون على أحزاب الجبهة أن تحسم مواقفها في عدة قضايا جوهرية ستحدد مستقبلها القريب، وتؤكد قياداتها أن الندوات في المناطق كانت صريحة جداً وبحثت تقييم الأداء في كل المحطات السياسية السابقة بدءاً بالانتخابات، وستطرح الندوة الوطنية أسئلة الهيكل التنظيمي والبرنامج السياسي والاستعداد للانتخابات البلدية المقبلة.
غير أن "الجبهة الشعبية" التي بدأت تتحدث عن استعدادها للحكم، تريد في هذا الوقت أن تتصدر مشهد المعارضة، وهو ما دخل على خط المنافسة عليه حزب جديد هو "حراك تونس الإرادة"، الذي أعلن عن تأسيسه الرئيس السابق منصف المرزوقي، على الرغم من تأكيد قيادييه أنهم لم يأتوا لأخذ مكان أحد، ودعوتهم إلى التفكير في توحيد المعارضة، ولكن "الفضاء الفارغ الذي لم تنجح المعارضة في ملئه إلى حد الآن" إعلان واضح عن نوايا المرزوقي في تصدّر المشهد الجديد، في انتظار إعلانه عن المؤتمر الأول للحزب.
كما يستعد الحزب التاريخي الذي مُني بخسارة مدوية في الانتخابات الماضية، الحزب "الجمهوري"، لعقد مؤتمره خلال العام 2016، من دون تحديد موعد نهائي لذلك، ولكن قياديّيه يتحدثون عن مؤتمر هام وحاسم سيغير من آليات العمل ويضفي الديمقراطية والشفافية داخل الحزب.
اقرأ أيضاً: مقررات اجتماع "نداء تونس"... تكريس للانقسام