"النجارة حرفة الفنانين" بهذه الجملة بدأ محمد علي، كلماته عن المهنة التي أحبها وتعلمها منذ نعومة أظافره مع والده في ورشة بمنطقة باب الشعرية (وسط العاصمة المصرية القاهرة).
ويقول علي، في حسرة، لـ "العربي الجديد"، "إن المهنة الآن لم تعد تهتم بالجوانب الفنية والجودة، فمعظم المنتجات غير جيدة، في ظل ارتفاع أسعار الخشب وتكلفة المنتج".
ويبلغ علي، 40 عاما، متزوج ويعول أربعة أطفال، ويملك ورشة صغيرة لصناعة الأثاث
ورثها عن والده.
وأضاف أنه بمجرد إنهاء مراحل التعليم تفرغت للعمل في النجارة بشكل تام ومساعدة إخوتي ووالدي إلى أن توفي، حيث ترك إخوتي العمل بالنجارة وفضلوا مهناً أخرى، فاضطررت إلى العمل بمفردي في الورشة.
وتابع، إن أسعار الخشب خلال الشهر الماضي زادت بنسب تتراوح بين 20 إلى 30%، بسبب ارتفاع سعر الدولار، ما سبب ركوداً كبيراً في الصناعة، وأجبر الكثير من الورش الصغيرة على الإغلاق؛ لعدم قدرتها على المنافسة مع المصانع الكبيرة.
وكان البنك المركزي المصري قد تخلى عن دعم الجنيه خلال شهر فبراير/شباط الماضي مقابل الدولار؛ ليصل سعر الدولار في الجهاز المصرفي إلى 7.63 جنيهات، مقارنة بنحو 7.15 جنيهات في شهر يناير/كانون الثاني.
وحول انخفاض معدلات البيع، قال علي "في أفضل الأحوال أصبحت أبيع غرفة نوم كل شهرين، مقابل ثلاث غرف قبل ثورة 25 يناير عام 2011، لقد تضرر الفقراء من الفوضى الأمنية، أما الأغنياء فحالهم كما هو".
وشهدت البلاد اضطرابات سياسية وأمنية بدأت منذ أربع سنوات، وتصاعدت عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز عام 2013؛ والذي أطاح محمد مرسي أول رئيس منتخب عقب الثورة.
وأدت الاضطرابات الأمنية إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتراجع سعر العملة المحلية، وزيادة الفقر إلى 26%، ترتفع إلى 49% في الصعيد (جنوب مصر) والبطالة إلى 13.3%، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي.
وقال علي "إن ارتفاع سعر الدولار القشة التي قصمت ظهر البعير، وأدت إلى تدهور الأوضاع بشكل كبير.
وغالبية المتعاملين مع علي من أهالي المنطقة والمعارف، حيث يصفونه بأنه فنان لقطع أثاث غرف النوم، إلا أن بعضهم يرى أن أسعار منتجاته مرتفعة بسبب سعيه لتجويد عمله، مقارنة بالمعارض.
وأكد علي أنه مع ارتفاع سعر الخشب يفضل المستهلكون شراء غرف النوم الجاهزة من
المعارض الشعبية التي يتراوح سعرها بين خمسة آلاف إلى تسعة آلاف جنيه لانخفاض دخولهم.
وقال علي إن سعر غرف النوم الجيدة لا يقل عن 18 ألف جنيه، وغرفة أطفال ثلاثة آلاف جنيه، ما يجعل الشباب الذين يمر بظروف صعبة، يشترون الأثاث من منطقة المناصرة في القاهرة بأسعار أرخص رغم ضعف جودتها.
ويبلغ سعر متر الخشب الأبيض 1755 جنيهاً، في حين يصل سعر الزان إلى 3500 جنيه.
وأكد أن الظروف الاقتصادية جعلت الشباب يحجم عن الزواج، وبالتالي أثر ذلك سلباً على صناعة الأثاث.
وأشار إلى أن العديد من النجارين أغلقوا ورشهم لتزايد الديون عليهم خلال الفترة الأخيرة، وعدم قدرتهم على السداد.
ويضيف أنه في منطقة باب الشعرية وحدها، هناك أكثر من ست ورش أغلقت أبوابها وطردت العمال.
وتابع أن كل ورشة فيها نحو خمسة عمال يعولون أسرهم، "أين سيذهب هؤلاء؟".
وتم خلال الفترة الماضية إغلاق نحو 2000 ورشة، نتيجة تدني الحالة الاقتصادية، حسب تقرير سابق للغرف التجارية.
وأشار إلى أن غالبية الورش بالمنطقة ليست ملكا للنجارين، بل يتم استئجارها ويتجاوز إيجار بعضها ثلاثة آلاف جنيه في الشهر.
وقال إن النجارين يعانون بشدة في كلتا الحالتين، ولكن الأكثر معاناة هم المستأجرون.
وأضاف: إننا ننتظر الفرج بعد إعلان الدولة عن اتفاقات بعشرات المليارات من الدولارات في
المؤتمر الاقتصادي بمدينة شرم الشيخ (شمال شرق)، فالفقراء يترقبون انعكاس ذلك على واقعهم.
وأضاف أن العديد من النجارين تحولوا إلى أعمال أخرى؛ بسبب الركود في تجارة الأثاث، فمنهم من يعمل في متاجر الملابس، وآخرون يعملون سائقي تاكسي بحثاً عن دخول تكفي أسرهم.
وحسب تقارير للغرف التجارية، تستحوذ صناعة الأثاث على 13% من قوة العمل المصرية، وتنتشر الورش الصغيرة والمصانع الكبيرة للأثاث في جميع أنحاء مصر، ولكن تستحوذ مدينة دمياط على جزء كبير من الإنتاج، وبلغت صادرات قطاع الأثاث نحو 350 مليون دولار خلال عام 2013 مقابل 328 مليون دولار عام 2012.
اقرأ أيضاً:
الدولار يرفع أسعار الأخشاب والأثاث بمصر