غداً، يوم آخر. غداً، عام جديد ينطلق.
أما اليوم، في وداع العام الذي ينقضي، فتُطلق قرارات رأس السنة.
وهذه القرارات، التي ما هي إلا ردّ فعل بشري لا إرادي بالغ في القدم بحسب المؤرّخين، تُعدّ من الطقوس المرافقة لختام مرحلة زمنيّة وبداية أخرى.
ولعلّ البابليّين هم أوّل من أطلق قرارات رأس السنة قبل أكثر من ألفيّتَين، وقد أرادوا الاستفادة من العام الجديد ليصبحوا "أشخاصاً أفضل". وفي حين تُختصَر القرارات في أيامنا هذه في التوقّف عن التدخين أو فقدان بعض الوزن أو ممارسة الرياضة أو تسديد الديون أو القيام برحلة طويلة أو اعتماد الجدية في علاقة ما أو إنهاء علاقة سامّة أو سواها من الأهداف الشخصيّة، كان أهل بابل يتعهّدون بإعادة الأدوات الزراعيّة التي سبق واقترضوها إلى أصحابها.
وتبقى قرارات آخر السنة من العادات الثقافيّة للشعوب، تختلف باختلافها. فالصينيّون مثلاً، يتعهّدون لأنفسهم بأن يسددوا ديونهم جميعها وأن يتصالحوا مع خصومهم وأن يخططوا لالتزامات جديدة. هكذا يبدأون عامهم من دون أحمال تُثقِل كاهلهم، بحسب اعتقادهم.
وهذه العادة التي قد يعتبرها بعضنا مجرّد تهريج، حظيت في السنوات الأخيرة باهتمام كبير من قبل المختصّين. فالأستاذ المحاضر في جامعة هيرتفوردشاير البريطانيّة ريتشارد وايزمان، بيّن أن 12% فقط من الأشخاص يلتزمون بقرارات رأس السنة الخاصة بهم. وقد أظهرت دراسته أيضاً أنه وبحلول منتصف شهر يناير/كانون الثاني، يكون 30% من الأشخاص قد أسقطوا تلك القرارات من حساباتهم.
من جهته، يعيد أستاذ علم النفس في جامعة تورونتو الكنديّة بيتر هيرمن وفريقه ذلك الفشل في الالتزام بقرارات رأس السنة، إلى ما أطلق عليه تسمية "متلازمة الآمال الزائفة".
تلك القرارات، وإن حملت "آمالاً زائفة"، إلا أن هذه الأخيرة تبقى آمالاً. وما أحوجنا إليها حتى نتمكّن من المضيّ قدماً في حياة لا تُسهّل علينا مهمّة عيشها.
فقرارات أول السنة، غالباً ما تأتي كمحاولة للتعويض عن إخفاق ما، شهدناه في خلال العام المنصرم أو الأعوام المنصرمة على الصعيد الشخصي. قد يكون ذلك الإخفاق عاطفياً أم مهنياً أم غير ذلك.
لكن، الخيبة تأتي مضاعفة كلما عجزنا عن الالتزام بقرارات رأس السنة، وكلما شهدنا عاماً "منحوساً". فتبقى هنا محاولة أخيرة.. كسر الجِرار.
قبل مئات السنين، اعتمد أسلافنا - أهالي هذه المنطقة - كسر جرّة من الفخار عند رحيل ضيف ثقيل، في خطوة تضمن عدم عودته إليهم ثانية.
عام رديء ينقضي؟ فلنكسِر الجِرار. ربما نصرف نهائياً "شرّه" عنا. ربما يكون المقبلُ عاماً سعيداً.