اقتلوا "فيسبوك" و"تويتر"

11 ابريل 2016
+ الخط -
على الرغم من كوميدية كثير مما يجري فيما يسمى "البرلمان" المصري، وغلبة الهزل فيه على الجد والعبث على العمل، إلا أن ما ينتج عن هذا الكيان من إفرازات تُضاف، بكل أسف، إلى التاريخ التشريعي والرقابي المصري. وليس جديداً أن تعمل مثل هذه الكيانات، الشبيهة بالبرلمانات، في خدمة السلطة التنفيذية، وليس المواطنين الذين يُفترض شكلياً أنها تمثلهم. ذلك الكيان المسمى في مصر "مجلس النواب"، يتجه إلى إصدار تشريع يفرض قيوداً على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيسبوك"، بناء على ما اقترحه شريف إسماعيل (المدير التنفيذي للحكومة) في إلقاء بيانه أمام المجلس. وسرعان ما استجاب "البرلمان" لإشارة السلطة التنفيذية، بل راح نواب يزايدون على الحكومة، ويدعون بغضب إلى تنظيم ما أسموها "فوضى الفيسبوك" وضبطها. وبالطبع، لم يكن غريباً أن يخرج علي عبد العال (كبير مجلسهم) ليبشر النواب الغاضبين بأن التشريع المأمول قادم قريباً.
ليست الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي جديدة، بل قائمة بالفعل، فقد تعرّض مدونون وأصحاب صفحات للتوقيف، بسبب محتوى ما يبثونه عبر شبكات التواصل. حيث في القوانين المصرية الحالية ما يكفي لإدانة كل مصري يستخدم "فيسبوك" أو "تويتر" أو ما شابههما، بالتحريض وتقويض السلم الاجتماعي وتهديد أمن الوطن والعمل على قلب نظام الحكم. وهو ما يستوجب سؤالاً منطقياً، وماذا سيضيف التشريع الجديد المرتقب؟ من الصعوبة بمكان توقع ما يمكن أن يبدعه ترزية القوانين في مصر. لكن، قياساً على الهدف المطلوب، سينحصر الاستخدام "المشروع" المسموح به لشبكات التواصل الاجتماعي في المجاملات العائلية والشخصية، مثل تبادل التهاني بالأعياد والمناسبات، بإرسال صورة كعكة في عيد ميلاد صديق، أو التعبير بـ "إيموشن" لمشاركة صديق الفرح، حال الارتباط بعلاقة حب، أو مواساته والسخرية منه في حال الزواج!
لن يكون الحديث في السياسة متاحاً، إلا إن كان تأييداً وتمجيداً، فعندها يكون "فيسبوك" أداة للتعبير عن الإخلاص للوطن، أما إن كان في المحتوى أي موقف أو رأي أو حتى معلومة موثقة على غير هوى السلطة، فستكون هي الخيانة بعينها وخطيئة الإضرار بالأمن والسلم والاستقرار، فيؤثم صاحبها ويجرّم ويجرّد ويشرّد.. وكله بالقانون.
ما لا تدركه العقليات التسلطية في مصر، وشبيهاتها القليلة في العالم، أن شبكات التواصل والمواقع الإلكترونية والإنترنت عموماً هي النسخة المعاصرة من أدوات "الاتصال" بين البشر، تماماً كما كان "الموبايل"، وقبله الهاتف الأرضي، وقبلهما البريد الورقي. وبافتراض أن ثمة ما يضير المجتمع والدولة (وليس النظام) بسبب رأيٍ أو معلومةٍ غير دقيقة، فإن مواجهة هذا الخطر المحتمل تكون بتصحيح المحتوى والرد عليه، وليس بمنع الوسيلة التي تنقله أو سجن صاحبها. فلا إغلاق "فيسبوك" أو "تويتر" سيمنع انتشار الرأي والمعلومة والتحاور بين البشر. ولا الاعتقال سيصادر القناعات والأفكار، بل فقط يؤكد العجز عن مواجهتها بمثلها. فالمنع والتقييد والحظر أساليب بالية عفا عليها الزمن، وصار الأطفال يسخرون من آبائهم، إن لجأوا إليها.
وجود حسابات وصفحات ومواقع لمؤسسات رسمية ومسؤولين في السلطة، واعتمادها وسيلة رسمية في التواصل مع الشعب، هو اعتراف علني بشرعية ومشروعية استخدام المواطنين تلك الوسائل نفسها في التعامل مع ما تروّجه السلطة، سواء بتوجيه الرد والرأي إليها مباشرة، أو بتبادل النقاش بشأنه فيما بينهم. ومن يسلب المواطن حقه الأصيل في استخدام تكنولوجيا الاتصال والتواصل من خلالها، كمن يرتدي ثياب الوعاظ، وهو يعيث في الأرض فساداً. أيأمرون الناس بالبِرّ (بافتراض أنه بِرُّ) ويستثنون أنفسهم، أفلا يستحون؟
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.