اقتصاد تونس رهن الصراعات السياسية... ومخاوف من تعليق القروض

21 سبتمبر 2018
حكومة الشاهد في مأزق بسبب تصاعد الصراعات(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
ازدادت في تونس وتيرة الخلاف بين الأجنحة السياسية التي يسعى جزء منها إلى الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على المشهد الاقتصادي، خاصة معدلات النمو والمشروعات الخدمية الجديدة والاقتراض الخارجي، وقد يعطل خطط مؤسسات التمويل العالمية بمواصلة دعم تونس.
وتأتي هذه الخلافات السياسية المتصاعدة، في وقت بدأ فيه الاقتصاد المحلي يشهد بعض التعافي بارتفاع نسبة النمو في الربع الثاني من العام الحالي إلى 2.8% لأول مرة منذ سبع سنوات، حسب بيانات رسمية، وتعافي قطاع السياحة، وزيادة الصادرات، وحدوث قفزة في الاستثمارات الأجنبية.
ويحذر المهتمون بالشأن الاقتصادي من إمكانية تعليق صندوق النقد والبنك الدوليين لبرامج تعاونهما مع تونس بسبب غياب الاستقرار السياسي، معتبرين أن استمرارية العمل مع الحكومة الحالية من أهم شروط صندوق النقد الذي سيواصل، وفق اتفاق سابق، ضخ أقساط قروض بقيمة 1.4 مليار دولار العام القادم.
وكان صندوق النقد قد أكد في بيان عقب إجراء المراجعة الثالثة، أن النمو الاقتصادي في تونس يواصل الانتعاش، لكن المخاطر على الاستقرار الاقتصادي الكلي ارتفعت أيضاً، معتبراً أن التنفيذ القوي للسياسات والإصلاحات المقررة سيخفِّض المخاطر على الميزانية ويبطئ معدل التضخم.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي محمد الجراية، لـ"العربي الجديد"، إن مخاطر عديدة تحيط بالنمو الاقتصادي في تونس وبالتزاماتها الدولية، مشددا على أهمية الوصول إلى توافقات تنهي هذه الأزمة قبل المرور إلى مناقشة قانون المالية لسنة 2019.

تونس تسعى لتقليص عجز الميزانية إلى 3.9% العام المقبل

وأفاد الجراية بأن الفترة المقبلة ستكون صعبة بسبب انشغال السياسيين بالمحطات الانتخابية القادمة، ما ينعكس على الوضع الاقتصادي الذي كان يفترض أن يكون أولوية وطنية، مضيفا أن "الحكومة مدعوة للاستجابة للمطالب الاجتماعية المتفاقمة ومحاصرة التضخم وانفلات الأسعار وتواصل انزلاق سعر الدينار الذي يزيد من حاجتها للاستدانة الخارجية للمجابهة، ولكن غياب حزام سياسي يدعمها سيزيد من تعميق الأزمة".
وفي يوليو/ تموز الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.3% على أساس سنوي، مقابل 8.6% في الشهر السابق له، حسب المعهد الوطني للإحصاء.
وتوقع الجراية أن تؤثر الخلافات السياسية على ثقة الأسواق المالية ومؤسسات القروض في اقتصاد تونس، مؤكدا أن الحكومة لن تتمكن من الحصول على دعم جديد من صندوق النقد إلا بعد تقديم ضمانات باستقرار الحكومة.
ووفق الخبير الاقتصادي "يحتاج خروج تونس إلى السوق المالية في أكتوبر/ تشرين الأول القادم بحثا عن تمويلات بقيمة مليار دولار، إلى جهد كبير لإقناع المقرضين بقدرة البلاد على تخطي صعوباتها الحالية"، متوقعا أن تكون كلفة القرض الجديد أكبر من القروض السابقة.
وأدت الخلافات السياسية، في الفترة الأخيرة، بشأن رحيل الشاهد أو بقائه، إلى حدوث شلل في العمل الحكومي والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وفق ما أفاد به أخيرا تقرير لمجموعة الأزمات الدولية.
وقالت المجموعة، وهي منظمة غير ربحية أسسها نائب البنك الدولي السابق مارك مالوك براون، في تقريرها الصادر نهاية أغسطس/ آب الماضي، إن "الصراع متواصل بين المناهضين والداعمين للشاهد، وحالة عدم اليقين بخصوص مواصلة حكومة الشاهد لمهمتها تسهم في شلل العمل الحكومي".
وأوضح التقرير أن فرنسا والاتحاد الأوروبي يعتبران "الشاهد شخصية سياسية ديناميكية قادرة على الوفاء بالتزامات تونس أمام الممولين"، وأن عدم الاستقرار السياسي "يؤخر إنجاز الإصلاحات".
ويوم الجمعة الماضي، قال يوسف الشاهد إن حكومته لم تجد الدعم الكافي للقيام بإصلاحات يحتاج إليها الاقتصاد التونسي، معتبراً أن قوى الجذب إلى الوراء تحول دون إتمام إصلاحات كان يفترض أن تساهم في إنعاش الاقتصاد.



وأوضح الشاهد أن حكومته أُجبرت على اتخاذ بعض الإجراءات لإصلاح انحرافات كبرى للمالية العمومية، لكنها "غير كافية"، وفق قوله.
وأضاف الشاهد أن "الحكومة ستحيل على البرلمان في الأسابيع المقبلة مشروع قانون المالية لسنة 2019، وتتحمل مسؤوليتها في كل الخيارات"، مؤكدا مواصلة الجهد من أجل إصلاح النظام الضريبي وتحسين استخلاص الجباية والحد من الاقتصاد الموازي.
ويتزامن احتدام الصراع بين أجنحة الحكم مع قرب الكشف عن مشروع قانون المالية الذي يعوّل عليه رجال الأعمال لتحريك عجلة الاقتصاد، كما يواكب تنظيم تونس لمنتدى استثماري، يعرض استثمارات بنحو 4.7 مليارات دولار في قطاعات مختلفة.
وتتجه تونس إلى جذب رؤوس أموال لـ33 مشروعا استثماريا في إطار الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص، من بينها ميناء المياه العميقة بالنفيضة، وقنطرة جربة جرجيس، والمنطقة الحرة ببن قردان، ومشروع تبرورة والمدينة الحكومية.
وتهدف هذه المشاريع إلى خلق حركة اقتصادية بتمويل من القطاع الخاص ضمن مقاربة جديدة في التسويق للاستثمار في تونس تكون مبنية على مشاريع محدّدة تحتاجها البلاد لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والبنى التحتية في عدة محافظات.



وتدعو منظمات رجال الأعمال إلى النأي بالاقتصاد عن اللعبة السياسية وتركيز الجهود على دعم التشريعات المحفزة للاستثمار، معتبرة أن الوضع السياسي المتأزم يزيد من هجرة رأس المال وتفاقم أزمة احتياطي النقد الأجنبي.
ويرى رئيس كونفيدرالية كوناكت (تكتل رجال أعمال)، طارق الشريف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن إعادة ترميم احتياطي النقد الأجنبي تتطلّب تنشيط القطاعات المدرة للعملة الصعبة، ولا سيما منها السياحة والفوسفات والصناعات المعملية.
وأكد رئيس كونفيدرالية كوناكت أن حالة الاحتقان المتواصلة بين الحكومة والنقابات العمالية غير محفزة للمستثمرين المحليين والأجانب، وأن نحو 500 مؤسسة اقتصادية غادرت تونس في السنوات السبع الماضية، ما يفسر نزيف العملة الذي يشهده البنك المركزي.
وأضاف الشريف أن القلق يمنع رجال الأعمال من المخاطرة ببعث مشاريع جديدة، ما من شأنه أن يعطّل النمو لسنوات قادمة، داعيا إلى تخفيف الأعباء وعدم فرض ضرائب جديدة في مشروع قانون مالية العام القادم.
وعبر رئيس مجمع كوناكت عن قلقه من أن تطاول الخلافات الحالية البرلمان، معتبرا أن التقلبات المتوقعة "يمكن أن تؤدي إلى قانون للمالية مفرغ من قرارات هامة قادرة على الحد من التضخم أو من بطالة الشباب".
وتخطط حكومة الشاهد لتقليص عجز الميزانية من 4.9% العام الحالي، إلى 3.9% للعام المقبل. وخلال العامين الماضيين تقلص عجز الموازنة من 2.1 مليار دولار خلال 2017، إلى 1.87 مليار دولار هذا العام، ليستقر في حدود و1.62 مليار دولار في 2019، بحسب تقديرات لوزير المالية رضا شلغوم.
وتأمل تونس في زيادة الإيرادات المحلية، بعد رفع ضرائب وفرض أخرى مطلع 2018، فضلا عن الإيرادات الخارجية القادمة من المنح والمساعدات الدولية، غير أن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن تونس ستلجأ العام القادم لاقتراض نحو 10 مليارات دينار، أي نحو 3.7 مليارات دولار، لسداد فجوات الموازنة وتوفير نفقات التصرف والاستثمار.
وبادر عدد من الخبراء ومسؤولين سابقين في وزارت اقتصادية ومؤسسات مالية بطرح جملة من الحلول على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قالوا إنها تساعد الاقتصاد على الخروج من أزمته على المديين القصير والمتوسط، داعين الرئاسات الثلاث (الحكومة والبرلمان والرئاسة) إلى كبح تأثيرات الأزمة السياسية على الاقتصاد وصورة تونس لدى المؤسسات المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني.
وتقترب حكومة الشاهد من إيجاد توافقات مع الاتحاد العام التونسي للشغل (أحد أهم أطراف النزاع الحالي) بشأن مصير المؤسسات الحكومية التي تصر النقابات العمالية على عدم التفويت فيها (بيعها)، فيما تتمسك الحكومة بإحالة جزء منها إلى القطاع الخاص.
ويعد الاتفاق بشأن مصير المؤسسات العمومية عاملا مهما لتهدئة الأوضاع بين الحكومة والاتحاد الذي أبدى أخيرا موافقة مبدئية على التخلي عن بعض المؤسسات، على غرار شركات الرهان الرياضي، مقابل التمسك بالمؤسسات الاستراتيجية والحيوية، ومنها شركات الخطوط الجوية التونسية والكهرباء وتوزيع الماء وفوسفات فقصة والمصارف.
وتقدر خسائر مؤسسات القطاع العام التي يعترض الاتحاد على التخلي عنها بنحو 6 مليارات دينار، أي نحو 2.2 مليار دولار، وفق بيانات كشف عنها اتحاد الشغل.
المساهمون