اقتراحات تعديل الدستور المصري: تكريس نفوذ النظام قبل الانتخابات

28 فبراير 2017
أي تعديل سيفيد السيسي رئاسياً (أندرو واسيكي/الأناضول)
+ الخط -

بات تعديل الدستور، بالون اختبار، بعد الاقتراح الذي قدمه النائب إسماعيل نصر الدين، من أجل تعديل 3 مواد من الدستور، الصادر في يناير/كانون الثاني 2014، أهمها المادة 140 الخاصة بمدة ولاية رئاسة الجمهورية ومنع تولي هذا المنصب لأكثر من ولايتين متتاليتين. وأبدى نصر الدين رغبته في العودة لما كان عليه الوضع في دستور 1971، بعد تعديله عام 1980، لتصبح مدة الولاية الواحدة 6 سنوات، ويمكن تجديدها من دون حد أقصى. وهذه المرة الرابعة خلال 12 شهراً التي يقترح فيها نواب ينتمون لائتلاف الأكثرية "دعم مصر" أو مقرّبين من الائتلاف أفكاراً كهذه، غير أن هذه المرة مختلفة عما سبقها لأكثر من سبب.

السبب الأول هو موعد إعلان الاقتراح، فمن المقرر وفقاً للدستور المصري، أن تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية في فبراير/شباط 2018، إلاّ أن الهيئة الوطنية للانتخابات التي من المقرر أن تدير العملية الانتخابية وفقاً للمادتين 208 و209 من الدستور، لم يتم تشكيلها بعد، بل إن قانون تنظيمها لم يصدر حتى الآن. وهو ما طرح تساؤلات عن مدى جدية النظام في طرح الثقة بالرئيس عبد الفتاح السيسي في الاقتراع الشعبي المقرر في مايو/أيار 2018.

في هذا الصدد، كشف مصدر في وزارة العدل، بأن "إدارة النظام لم تستقر حتى الآن على ما إذا كانت راغبة في إجراء الانتخابات في موعدها، أم الاستجابة لبعض النصائح بتعديل الدستور لتمديد الفترة الرئاسية لست سنوات بدلاً من أربع، وتأجيل الانتخابات إلى عام 2020". وأشار في هذا الصدد إلى أن "المقترح الذي تقدم به نصر الدين على المادة 140، يتضمن أمرين يجب الفصل بينهما بالتحليل القانوني".

وشرح بأن "الأمر الأول متعلق بتعديل المادة 140 عبر زيادة سنوات الولاية الرئاسية من 4 سنوات إلى 6 سنوات، أما الأمر الثاني فمتعلق بإطلاق عدد مرات الترشح وتولي المنصب الرئاسي. وبمطالعة المادة 226 من الدستور، الخاصة بشروط تعديل الدستور نجد أن الفقرة الأخيرة من هذه المادة تنص على أنه: وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".

واستطرد شارحاً: "هذا النص يقف عائقاً أمام تعديل سريع لنقطة تجديد المدة الرئاسية، لكنه لم يتطرق إلى تعديل مدة الرئاسة ذاتها، وبالتالي فإن المقترح المقدم من النائب لزيادة مدة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات لا يوجد أمامه عائق قانوني، بل يخضع للتقدير السياسي للنظام فقط"، مستدركاً أن "تعديل المادة 226 ذاتها قد يعترض عليه البعض باعتبارها مادة حاكمة أو (فوق دستورية)، وبالتالي فالأفضل الاكتفاء بإطالة مدة الرئاسة فقط".


وأضاف بأنه "منذ بضعة أشهر كان هناك إصرار على إنجاز تنظيم الهيئة الوطنية للانتخابات، لتكون جاهزة لإدارة الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلاّ أن هذا الإصرار تراجع في ظل احتداد المواجهة بين الجيش وتنظيم ولاية سيناء وتشديد الإجراءات الأمنية ضد جماعة الإخوان وغيرها من الكتل المعارضة، وكذلك خسارة السيسي قدراً لا يستهان به من الشعبية بسبب 3 ملفات رئيسية هي قضية جزيرتي تيران وصنافير، وزيادة الأسعار والتضخم، وعدم إحراز تقدم في مجال مكافحة الإرهاب لحد توجيه تنظيم ولاية سيناء ضربات في قلب القاهرة".

وأوضح المصدر أن "هناك حالة من القلق تسيطر على المسؤولين التنفيذيين والأمنيين من مسألة قرب تنظيم الانتخابات، خصوصاً مع عدم وضوح الرؤية بالنسبة للمنافسة، فقبل 6 أشهر فقط لم يكن وارداً أن يخوض مرشح جادّ المنافسة ضد السيسي، أما الآن فهناك أسماء تتردد أبرزها خالد علي الذي لوّح بإمكانية ترشحه بعدما حاز شعبية ملحوظة في قضية تيران وصنافير. وعلى الرغم من أن الرأي الأغلب في أوساط الشباب والمعارضة العلمانية يتجه لمقاطعة الانتخابات الرئاسية (كما حدث في انتخابات 2014 التي اتسمت بتدني نسبة المشاركة) لكن المنافسة قد تتسبب في متاعب للنظام".

واعتبر أن "الاقتراح يتمتع بما يسمح له بالاستمرار والتبلور في لجان مجلس النواب، نظراً لطرحه بشكل فردي ورسمي، وعدم احتياجه لأكثر من توقيع 20 في المائة من أعضاء المجلس لتقديمه رسمياً للجلسة العامة. كما أن النائب غير مصنّف إعلامياً من المجموعة الأكثر قرباً للسلطة، كما جاء توقيت طرحه الحساس في خضمّ اشتعال أزمة نزوح المسيحيين من سيناء إلى الإسماعيلية وتصاعد المواجهات بين الجيش وتنظيم ولاية سيناء في منطقة جبل الحلال".

وأوضح أن "الحكومة لم يكن لها أي علم بهذا الاقتراح، لكن من الوارد أن تساهم إدارة التشريع بوزارة العدل فيه إذا طلب مجلس النواب ذلك، لضبط الصياغة وتكامل عناصر التعديل بإضافة مواد قد تتأثر بالأفكار الواردة في المقترح". وتوقع أن "يشمل المقترح تعديلات أخرى خاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية والسلطة القضائية في حالة ما، حسمت أجهزة النظام أمرها وأقرت الإمكانية الأمنية والسياسية لإجراء استفتاء شعبي خلال العام الحالي".

في السياق عينه، نبّه مصدر دبلوماسي إلى أن "الطريق الأسهل لعبور نفق الانتخابات وانخفاض الشعبية مرحلياً، هو تعديل الدستور لزيادة مدة فترة الرئاسة فقط، لكن هذا التغيير الدستوري لن يتطلب الرضى الداخلي فقط، بل سيتطلب تنسيقاً على مستوى العلاقات في الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى الرغم من الغزل المتبادل بين السيسي والرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أنه لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت العلاقة بينهما ستسمح لترامب بالتغاضي عن الانتقادات الحتمية التي ستوجهها الدوائر الأميركية للسيسي حال تغييره الدستور، وما قد يعقب هذه الانتقادات من مطالبات بفرض ضغوط اقتصادية أو سياسية".


ورأى المصدر الدبلوماسي أن "العلاقة بين السيسي والحكومات الأوروبية التي اعترفت بشرعيته خلال عام 2015 تراجعت كثيراً أيضاً، ليس فقط بسبب سوء الإدارة السياسية للمجال العام والتضييق على منظمات المجتمع المدني، بل أيضاً بسبب السمعة السلبية لنظامه على خلفية حادث مقتل الشاب الإيطالي جيوليو ريجيني، وهي مقدمات لا تشي بترحيب أوروبي بخطوة تعديل الدستور في سنته الثالثة".

كما أن اقتراح نصر الدين، تضمن نصين آخرين مختارين بعناية، وهما المادة 103 الخاصة بتفرغ أعضاء مجلس النواب الذي "يسمح باستثناء أصحاب الكفاءة والخبرات المتميزة من التفرغ، مع وضع مكافأة إضافية للمتفرغين منهم"، والمادة 190 الخاصة بـ"مجلس الدولة الذي يحظر عليه مراجعة مشاريع القوانين التي يقترحها النواب، ويقصر دوره في المراجعة على مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة".

ومنذ بداية انعقاد مجلس النواب كانت هناك رغبة من قبل ائتلاف الأكثرية، الذي كوّنته الدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية، المحيطة بالسيسي، في "اقتصار دور مجلس الدولة على مراجعة مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة، وعدم فرض رقابته على المشاريع المقدمة من النواب، إلاّ أن وزير الشؤون القانونية السابق مجدي العجاتي وقف حائلاً دون ذلك، وأكد أن الصياغة الدستورية صريحة في فرض رقابة المجلس على جميع مشاريع القوانين".

وخلال الأشهر الماضية سرت في الأوساط الحكومية والنيابية حالة من الضجر، من شروط واعتراضات مجلس الدولة، خصوصاً بعدما أدى دوراً في إحراج النظام في قضية تيران وصنافير، وبعدما اعترض وحده، من دون باقي الجهات القضائية، على مشروع قانون تغيير إجراءات اختيار رؤساء الهيئات القضائية، الذي يمنح رئيس الجمهورية لأول مرة سلطة اختيار رؤساء الهيئات.

في هذا السياق، رجّح مصدر قضائي رفيع المستوى بمجلس الدولة، أن "إضافة التعديلين الخاصين بتفرّغ الأعضاء وبمجلس الدولة تهدف لجس نبض الرأي العام القانوني بصفة عامة والقضائي بصفة خاصة، في اقتحام المناطق الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية، على أمل إجراء تعديلات أوسع في حالة اقتصار المعارضة الشعبية أو الإعلامية على مقترح تعديل مادة الولاية الرئاسية".

وأضاف المصدر أن "هناك مؤشرات قوية لوقوف جهات معينة داخل النظام خلف هذا الاقتراح، فالنائب نصر الدين ليس معنياً بمسألة التفرغ أو مسألة مراجعة القوانين، وقد يكون هذا المقترح هادفاً أيضاً إلى مقايضة مجلس الدولة على اختصاص أساسي من اختصاصاته في مقابل أن يرضخ المجلس لضغوط تمرير قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية".

وتوقع المصدر أن "يكون هذا المقترح مقدمة لمقترحات أخرى مكملة له أو منقحة فيه بشكل أوسع، بحسب رد الفعل الشعبي والقضائي"، مضيفاً أنه "ربما قد يكون من المستهدف أيضاً تعديل مواد صلاحيات رئيس الجمهورية بمنحه مزيداً من الاختصاصات في مقابل البرلمان، فمثلاً إذا اعترض الرأي العام على إطلاق مدد الترشح للرئاسة أو إطالة الولاية الرئاسية الواحدة، فسيكون من الملائم بالنسبة للسلطة طرح مقترح جديد لزيادة صلاحيات الرئيس، بحجة تمكينه من تنفيذ مخططاته وبرامجه في أقل وقت ممكن. وهو ما عبّر عنه بعض النواب فعلياً بادعاء أن فترة الولاية الواحدة المحددة بأربع سنوات لا تكفي لتنفيذ برنامج السيسي".

كما ميّز الاقتراح الأخير طرحه رسمياً وبصورة فردية خافتة إعلامياً لا توحي بوجود إجماع أو تأييد كبير له، والبدء في ترويجه تدريجياً في الأوساط السياسية، على عكس المقترحات السابقة التي كانت تظهر بصورة فجة في وسائل الإعلام التابعة للنظام بهدف جس النبض، وهو ما حولها إلى مجرد بالونات اختبار لم تترجم إلى إجراءات واقعية".

المساهمون